الأحد - 28 نيسان 2024

إعلان

ميشال ابرهيم الصقر... الرواية الكاملة من معراب

المصدر: "النهار"
A+ A-

رنّ جرس الهاتف قويً في مكتب الدكتور سمير جعجع نحو الساعة الثامنة صباح الجمعة 7 آذار، ليوقظه المتحدث: "حكيم خطفوا ابنو لابرهيم الصقر".


دقائق ليتصل بابرهيم الصقر المرتبك والخائف والذي اجهش بالبكاء عند سماعه صوت جعجع: "دخيلك يا حكيم لحقني". بصلابة طمأن رئيس حزب "القوات" الأب المفجوع بخطف وحيده: "ابرهيم خليك رجّال... القصة عندي خلص!". سيكرس ساعات طويلة طوال النهار والليل لتحرير التلميذ المخطوف.


قائد الجيش العماد جان قهوجي يقول لجعجع إن المخابرات والوحدات العسكرية تلاحق الخاطفين منذ لحظة وقوع عملية الخطف. وزير الداخلية نهاد المشنوق يجيبه: "اتابع الموضوع. أنا اتصلت بوالد الطفل وطمأنته ان المتابعة حثيثة ودقيقة". اتصل جعجع بالبطريرك الماروني بشارة الراعي الذي لم يتأخر في اصدار بيان استنكار قوي لجريمة الخطف، وتلاحقت اتصالاته برئيس "جبهة النضال الوطني" النائب وليد جنبلاط ومن ثمّ بالرئيس نبيه برّي فوزير الدفاع سمير مقبل فرئيس الجمهورية ميشال سليمان... قال جعجع لكل من اتصل بهم إن الموضوع مرفوض جملة وتفصيلاً ولا يمكن السكوت عنه أو القبول به في أي شكلٍ، وإن الوضع اصبح لا يطاق ومن الضرورة بمكان وضع حدّ سريع جداً لكل هذه الأمور.


التوتر في زحلة كان يشتدّ في تلك الأثناء. ابناء المدينة وكل امهات لبنان وعائلاتهم هالهم الحادث الذي دخل كل بيت. ميشال الصقر صار ولد الجميع، وتعممت خشية من الخاطف المجهول - المعلوم، الذي يخطف ويختفي ويعيد الكرة ولا يُعاقَب في ظل دولة تنطبق عليها بامتياز صفة "جمهورية الموز".


"زحلة لن ترضى بإهانتها بهذا الشكل"، قال جعجع الحكيم لفاعلياتها. ابناؤها ملأوا الطرق واقفلوها وأشعلوا عندها النار. لا أوصال اذا كان تهديد السلاح يحاصرنا، ولا تواصل اذا كان الخاطف اقوى من الدولة ومن القانون ومن حرية الناس، "افعلوا ما يلزم للتعبير عن رفضكم لهذا الواقع ولا تخافوا"، قال سمير جعجع للزحليين، و"كونوا حاضرين بقوة منعاً لجعل ميشال الصقر سابقة، ولا تتراجعوا حتى تحريره".


حلّ بعد الظهر، اللقاءات الزحلية توالت، من بيان في مطرانية الروم الكاثوليك الى موقف تصعيدي من نواب المدينة والقضاء جميعاً، الى حضور شبابي وغضب عارم على الطرق وداخل المطرانية ... الطرق تقفل تباعاً وموجة الإستياء تتسع مع حضور رفاق ميشال من تلامذة مدارس زحلة... لا خبر جديد عن ميشال؟!


يتصل رسميون برئيس حزب "القوات اللبنانية" ويطلبون منه دعوة الاهالي الى فتح الطرق وتسهيل المرور على اوتوستراد السهل، لكن جعجع غير المقتنع يرفض ويصرّ على ابقاء الوضع كما هو "طالما الخطف ماشي والمخطوف مخطوف والخاطف في (...) لا تغيير على الارض قبل عودة الصبي إلى زحلة"، أجابهم جعجع.


عند الخامسة بعد ظهر الجمعة التأمت لجنة البيان الوزاري، عاود جعجع الاتصال برئيس الحكومة تمام سلام والوزراء نهاد المشنوق وبطرس حرب وسجعان قزي، طالباً اثارة موضوع الخطف في الجلسة،حتى لو كان من خارج صلاحيات اللجنة، باعتبار أنها تضمّ جميع الافرقاء ونظراً إلى حساسية الظرف ... فالموضوع يتعلّق مباشرةً بالأمن الوطني والزحلي على وجه الخصوص، وله ابعاد تؤثر على العيش المشترك في تلك المنطقة. اهتم الوزراء وأثاروا الموضوع في جلستهم وتابعوه مع زملائهم من قوى 8 آّذار. عند الثامنة مساءً، ابلغ وزير الداخلية جعجع ان مكان الولد المخطوف تمّ تحديده، وكذلك هويات الخاطفين، ولكن القوى العسكرية والأمنية لم توفق بعد في تحريره.


عند هذا الحدّ ابلغ جعجع بعض منسقي المناطق في حزب "القوات" ان اليوم التالي (اليوم السبت) سيكون يوماً وطنياً تصعيدياً، يتوسّع فيه الاعتراض على جرائم الخطف إلى مناطق لبنانية اخرى اذا لم يتمّ تسليم التلميذ ميشال الصقر الى ذويه. خرج الجميع من الاجتماع، مستعدين لمباشرة التحضيرات للتحرك الإعتراضي.


خلد جعجع إلى النوم قرابة الساعة الأولى والنصف بعد منتصف الليل. الصمت المخيم على معراب لم تعد تخرقه منذ مدة طائرات "محبين" من دون طيّار، ولا اصوات حرس حماية يرصدون دبيب النمل. صمت خرقه عند الثالثة فجراً رنين هاتف جعجع الخاص، ليسمع من يقول له :" حكيم، ميشال الصقر صار في بيت شخص من آل المصري، والجيش وقوى الامن توجهوا إلى هناك لتسلمه".


لم يتمكن الخاطفون من التقاط انفاسهم. حركة الاهالي و"القوات" ورئيسها والوزراء والقوى الامنية وفاعليات زحلة وشبابها منعتهم. هرب الخاطف. استسلم للأمر الواقع الذي حال بينه وبين الفدية والمال الحرام. جعجع استسلم لنومٍ مطمئن!


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم