الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

ما مبرّرات دقّ بوتين ناقوس الخطر الديموغرافيّ؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
ما مبرّرات دقّ بوتين ناقوس الخطر الديموغرافيّ؟
ما مبرّرات دقّ بوتين ناقوس الخطر الديموغرافيّ؟
A+ A-

والتحدّيات جدّيّة إلى درجة أنّه لو امتنعت موسكو عن تدارك هذه التحوّلات فستطال التداعيات حتى موقعها الاستراتيجيّ. وليس أدلّ على ذلك من كلام بوتين حول أنّ "مصير روسيا وتطلعاتها التاريخيّة تعتمد على ما سيصبح عليه عددنا". كان بوتين صريحاً جدّاً في خطاب حال الأمّة السنويّ الأربعاء أمام المشرّعين عندما وصف الأزمة السكّانيّة داخل روسيا ب "التحدّي التاريخيّ" وقد دعا إلى الخروج من "الفخّ الديموغرافيّ". وقال الرئيس الروسيّ إنّ معدّل الخصوبة بلغ 1.5 ولادة للمرأة الواحدة سنة 2019 مشدّداً على ضرورة ارتفاعه إل 1.7 سنة 2024.

أدنى من 84 مليوناً!

في مجلّة "أونز" الأميركيّة، كتب أناتولي كارلين في شباط 2019 أنّ معدّل الولادات سنة 2018 شهد انخفاضاً بمعدّل 5.4% بالمقارنة مع 2017. أمّا معدّل الوفيات فشهد انخفاضاً ب 0.4% عن الفترة نفسها. وأشار إلى أنّ التعداد السكّانيّ وصل في 1 كانون الثاني 2019 إلى 146,793,744 نسمة مقابل 146,880,432 في 1 كانون الثاني 2018. وذكر أنّه لو كانت هذه الأرقام صحيحة فهي تعني انخفاض تعداد سكّان روسيا بشكل مطلق للمرّة الأولى منذ سنة 2007.

تشابهت هذه الأرقام إلى حدّ كبير مع ما قدّمته مجموعة "آر بي سي" الروسيّة الإعلاميّة والمتخصّصة في الشؤون الاستشاريّة الاقتصاديّة. وذكرت الشهر الماضي أنّه بين كانون الثاني وأيلول 2019، سجّل التراجع السكّانيّ الروسيّ رقماً قياسيّاً منذ 11 سنة. وفي الأشهر العشرة الأولى من هذه السنة فاق عدد الوفيات عدد الولادات ب 259600 وهو الرقم الأعلى منذ 2008 (362 ألف). وذكرت صحيفة "موسكو تايمس" التي ترجمت تقرير "آر بي سي" أنّ الأمم المتّحدة توقّعت وصول عدد سكّان روسيا سنة 2100 إلى أدنى من 84 مليون شخص. لكنّ السلطات الروسيّة توقّعت أن يواصل السكّان نموّهم الطبيعيّ بين 2023 و 2024. ومع ذلك، قال الناطق باسم الكرملين ل "آر بي سي" إنّ الوضع "بالتأكيد غير سارّ للغاية".


ترجيح لاستمرار المسار نفسه؟

مثّلت 2019 السنة الثالثة على التوالي التي شهدت فيها روسيا تراجعاً سكّانيّاً. خسرت روسيا 19 ألف مواطن سنة 2017 و 100 ألف سنة 2018 لتبلغ خسارة 2019 ثلاثة أضعاف السنة التي سبقتها: أكثر من 300 ألف. والأرجح أنّ هذا المسار مستمرّ في المدى المنظور (السنوات العشر المقبلة) وفقاً لما قالته رئيسة قسم الصحّة في معهد الأبحاث الاجتماعيّة-السياسيّة التابع ل "أكاديميّة العلوم الروسيّة" ألّا إيفانوفا، في حديث إلى "إذاعة أوروبا الحرّة" منذ أيّام. لكنّها توقّعت أن يعاود العدد الإجماليّ لسكّان روسيا الارتفاع إذا استطاعت الهجرة تعويض نقص التراجع الطبيعي.

استطاع المهاجرون القادمون من دول الاتّحاد السوفياتي السابق بحثاً عن عمل في روسيا أن يعوّضوا تراجع عدد السكّان الروس. لكنّ ذلك انتهى في سنة 2017. يضاف إلى الأزمة أنّ نسبة المواطنين الروس الراغبين بالهجرة ارتفعت سنة 2018 إلى 20%، وهي الأعلى في 11 سنة بحسب استطلاع رأي أجراه معهد "غالوب" مع 2000 روسيّ بين حزيران وتشرين الأوّل 2018. وارتفعت هذه النسبة بثلاثة أضعاف تقريباً عمّا كانت عليه سنة 2014 (7%) حين كانت شعبيّة بوتين الأعلى على الإطلاق (83%) قبل أن تنخفض بعد أربع سنوات قبل أن تنخفض إلى 63%. ورغب 12% من مؤيّدي بوتين بالهجرة وارتفع الرقم إلى 40% لدى معارضيه.


وجه آخر للمشكلة.. وتداعيات

لعلّ الوضع الديموغرافيّ الروسيّ هو العدوّ الأوّل لروسيا قبل أيّ دولة أو منظّمة أخرى، بما فيها الولايات المتّحدة نفسها أو حلف شمال الأطلسيّ. في روسيا، ليست المشكلة الديموغرافيّة مرتبطة فقط بعدد سكّان روسيا المنخفض بالنسبة إلى مساحتها المترامية الأطراف أو بالنسبة إلى الحفاظ على معدّل نموّ طبيعيّ. فمعدّل العمر المتوقّع لدى الذكور الروس بلغ 67 عاماً سنة 2017 وفقاً لأرقام البنك الدوليّ. يمكن من خلال هذه الأرقام، فهم سبب عدم شعبيّة قانون إصلاح التقاعد الذي أدخلته روسيا في أيلول 2018 والذي قضى برفع سنّ التقاعد للرجال من 60 إلى 65 عاماً وللنساء من 55 إلى 60. يطال تأثير هذا القانون الرجال بشكل خاصّ بما أنّ معدّل العمر المتوقّع للمرأة الروسيّة هو 77 عاماً. بمعنى آخر، لن يعيش العديد من الرجال الروس كثيراً للاستفادة من رواتبهم التقاعديّة.

من بين التداعيات السلبيّة التي يتركها التراجع السكّانيّ في روسيا هو تقلّص الفئة السكّانيّة العاملة بحلول 14% خلال السنوات الخمس والثلاثين المقبلة، وفقاً لأمبروزيتي. وأضافت أنّه إذا لم يكن هنالك تغيّر في نسب القوة العاملة، فيمكن أن تواجه روسيا نقصاً يصل إلى 20 مليون عامل وستزداد نسبة الاعتماديّة بما يربو على 50% فتنهار الإنتاجيّة وتبرز مشاكل في الرعاية الاجتماعيّة. وأساساً، ارتفع الإنفاق على الرعاية الصحّيّة الخاصّة بعشرة أضعاف خلال السنوات الخمس عشرة الماضية.


إجراءات وأسئلة

لم يعد أمام روسيا الكثير من الوقت لإعادة هيكلة نموّها الديموغرافيّ، وقد أعلن بوتين خلال خطابه عن مجموعة من الإجراءات التي ستكلّف الخزانة الروسيّة حوالي 7 مليارات دولار سنويّاً. تعهّد بوتين باتّباع سياسات مشجّعة على الإنجاب وتمديد برنامج مساعدات ماليّة للأهل يشمل التشجيع على إنجاب طفل ثانٍ. وستحصل العائلات التي أنجبت طفلين على حوالي 10 آلاف دولار مع تمديد البرنامج إلى كانون الأوّل 2026.

ليست روسيا وحدها التي تعاني من أزمة سكّانيّة بين الدول الغربيّة، لكنّ أزمتها حادّة بشكل خاص، خصوصاً أنّها مرّت بفترة صعبة جدّاً في هذا المجال خلال العقد الأوّل الذي تلا انهيار الاتّحاد السوفياتيّ. فكيف تُقارَن تحديداً مع الولايات المتّحدة والصين، منافستيها المباشرتين على الزعامة العالميّة؟ وأيّ دولة من هذه الثلاث تبلي بشكل أفضل نسبيّاً في المجال الديموغرافيّ؟


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم