الأحد - 28 نيسان 2024

إعلان

لعنة الغاز والنفط في لبنان على أعتاب الجمهورية الثالثة

د.أيمن عمر- باحث في الشؤون الاقتصادية والسياسية
لعنة الغاز والنفط في لبنان على أعتاب الجمهورية الثالثة
لعنة الغاز والنفط في لبنان على أعتاب الجمهورية الثالثة
A+ A-

"إذا كانت السلطة تصنع الفساد، فإن قوة النفط تصنع الفساد المطلق". المؤرخ الإنكليزي اللورد أكتون.

إن مصطلح «لعنة ما قبل الموارد» ورد في تقرير لصندوق النقد الدولي في كانون الأول 2017 حيث يعتبر الباحثان في الصندوق جيمس كَست وديفيد ميهاليي أن الاكتشافات النفطية قد تؤدي إلى البهجة في البداية ثم إلى الخطر الاقتصادي. وأنه في كثير من الحالات، لا سيما في البلدان التي تعاني من ضعف مؤسساتها السياسية، يبدأ أداء النمو الاقتصادي في التدني قبل إنتاج أول قطرة من النفط بوقت طويل، وهي ظاهرة أُطلق عليها اسم «لعنة ما قبل الموارد».

نماذج عن اللعنة

فنزويلا التي تمتلك أكبر احتياطي للنفط على وجه الأرض، تُعتبر اليوم أفقر دولة في العالم. كل شيء نفد في فنزويلا، الخبز والسكر والحليب والأدوية، حتى وصل الأمر إلى أن 17 في المئة من الشعب الفنزويلي يبحث عن بقايا الطعام في صناديق النفايات، وأن 83 في المئة من الشعب تم تصنيفهم فقراء. وقد بلغ معدل التضخم المالي فيها في العام 2017 حوالي 2616 في المئة، وانخفض ناتجها المحلي 15 في المئة. التظاهرات لا تتوقف، والوضع الأمني في تدهور شديد، حتى أصبحت فنزويلا تصنف اليوم كأخطر دولة في العالم، ومعدل الجريمة هو الأعلى عالمياً لديها.

وأدلّ مثال على لعنة الغاز والنفط هو سوريا، حيث تُقدّر الثروات المُكتَشَفة فيها بما تعادل ٩ تريليون متر مكعب من الغاز. ومن المقدر أن تتجاوز إلى ما بين 28 و34 تريليون م3 لتحلّ بذلك في المرتبة الرابعة بعد روسيا وإيران وقطر. فحلّت اللعنة حرباً أهلية مدمرة قضت على الحجر والبشر، وإلى تحوّل سوريا إلى ساحة صراع دولية للسيطرة على منابع النفط والغاز، فسيطرت الولايات المتحدة على موارد النفط السوري في شرق الفرات؛ وبالمقابل، حصلت الشركات الروسية على عقود للتنقيب وإعادة تأهيل حقول نفط وغاز وصيانة مصافي نفط متضررة في سوريا؛ وحصلت شركة سويوز الروسية للنفط والغاز على امتياز بقيمة 100 مليون دولار لمدة 25 عاماً، للتنقيب عن النفط والغاز في امتياز منطقة (عمريت) البحرية السورية في شرق البحر المتوسط.

واستطاعت غانا في العام 2007 من تحقيق اكتشافٍ نفطيّ كبيرٍ في سواحلها تلاه اكتشافٌ آخر في عام 2010. وبثّت هذه الاكتشافات الأمل في مساعدة غانا على الخروج من أزماتها والانتقال نحو الازدهار الاقتصادي. وبعد أن كانت غانا تحقق نمواً اقتصادياً قويا بلغ 7% في المتوسط بين عامي 2003 و2013، فقد انخفض النمو إلى ما دون 4 في المئة ما بين عامي 2014 و2016، رغم تنبؤات الصندوق بتحقيق معدل نمو يتجاوز 7 في المئة. وقد أفرطت السلطات في الاقتراض وأسرفت في الإنفاق العام على أمل تعويضها عبر الإيرادات المتوقعة من الاكتشافات النفطية، وتعرض الاقتصاد لصدمة انهيار أسعار النفط في عام 2014. ومنذ عام 2015، ينفذ البلد برنامجاً للدعم والرقابة مع الصندوق. وتولت حكومة جديدة السلطة في عام 2017، ولكن لا تزال الأزمة مستمرة.

وفي ليبيا تحوّل النفط إلى أحد محاور الصراع المسلح بعد انقسام السلطة بين برلمانين وحكومتين وائتلافين عسكريين، وتتنافس القوى الداخلية للسيطرة على الحصة الأكبر من الحقول الرئيسية للنفط في البلاد.

الصراع الحالي هو على الغاز والنفط

تشير نتائج مسوحات جيولوجية جرت في مطلع الألفية الثالثة إلى أن حوض منطقة المتوسط يحتوي احتياطات ضخمة من الغاز والنفط. وقدرت الاستكشافات النفطية في لبنان لشركتي "Geos Neos Solution " و"Spectrum" بـ95 تريليون قدم مكعب من الغاز، و900 مليون برميل نفط في المنطقة الاقتصادية الخاصة، وتم تقسيم الثروة النفطية في المياه إلى 10 بلوكات. وتؤكد الوقائع والأحداث أن أغلب الدول التي تم فيها اكتشاف النفط والغاز، وخاصة حديثاً، قد تحوّلت إلى ساحات صراع نفوذ والسيطرة على منابع هذه الموارد وعلى طرق نقلها إلى الأسواق العالمية. بل وتحولت الصراعات من صراع على النفط إلى صراع على الغاز الطبيعي. لذلك من أهم أوجه الصراع في لبنان إلى جانب إضعاف حزب الله عبر العقوبات الاقتصادية الخانقة وتأزيم الوضع الاقتصادي والمعيشي وتنفيذ مندرجات صفقة القرن المرتبطة بلبنان، هو بالتأكيد السيطرة على الغاز والنفط المحتمل. والأمر لا يُقتصر في السيطرة على منابعهما فحسب، بل في توفير خطوط نقل آمنة للغاز، بالتحديد إلى الأسواق الاستهلاكية وخاصة إلى أوروبا. وهنا يحتدم صراع مشاريع أنابيب نقل الغاز الطبيعي:

- مشروع أنبوب غاز نابوكو: لنقل الغاز من آسيا إلى دول الاتحاد الأوروبي، الخط الذي يبدأ من كازاخستان وأوزباكستان وتركمانستان، ويمتدّ عبر جورجيا وأذربيجان إلى تركيا ويتجاوز اليونان لكي يمرّ إلى بلغاريا ويصل إلى المصبّ في النمسا لتزويد أوروبا وهو تحت السيطرة الأميركية.

- مشروع السيل الجنوبي: وهو مشروع خط الأنابيب الروسي المعروف بـ"ساوث ستريم" الذي كانت تنوي القيام به شركة غاز بروم الروسية، والذي كان مقرراً أن يمر تحت مياه البحر الأسود من روسيا إلى بلغاريا ثم إلى وسط أوروبا، لنقل كمية ستصل تدريجياً إلى 31 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً من آسيا الوسطى إلى الاتحاد الأوروبي.

- مشروع السيل التركي: وهو مشروع لبناء خطوط أنابيب لنقل الغاز الطبيعي من روسيا إلى تركيا ودول أوروبية، مروراً بالبحر الأسود إلى البر التركي، لينتهي عند الحدود التركية-اليونانية، حيث تقام مستودعات ضخمة للغاز، ومن ثم توريده للمستهلكين في شرق ووسط أوروبا.

- مشروع أنابيب شرق المتوسط: وهو مشروع لنقل الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا، وبإمكانه نقل نحو 10 مليارات متر مكعب من الغاز سنوياً، سيبدأ من قبرص ثم يتجه جنوباً إلى المياه المصرية ويتجه الأنبوب إلى كريت ثم اليونان إلى إيطاليا.

إن اكتشاف الغاز والنفط في لبنان قد يشكّل تحدّياً وسوقاً تنافسية للغاز الإسرائيلي، ما يزيد من حدّة هذا الصراع من أجل ضمان السيطرة الإسرائيلية على سوق الغاز الطبيعي في المنطقة، والتي تسعى الدولة الإسرائيلية إلى زيادة صادراتها من الغاز الطبيعي لتصل إلى 7 مليارات متر مكعب في غضون 10 سنوات.

يعوّل الكثيرون على اكتشافات الغاز والنفط في لبنان للخروج من أزمته وتسديد التزماته من الدين العام والنهوض باقتصاده لبناء دولة حديثة متطورة، وقد أغفل هؤلاء أن التجارب التاريخية للدول النفطية تُظهر عكس ذلك. والخطورة في الموارد المتوقعة في لبنان أنها حوّلت لبنان من ساحة رسائل متبادلة لأطراف إقليمية ودولية إلى ساحة صراع مباشرة، نشهد تجلّياتها في الأحداث الجارية والانهيار المتتالي للاقتصاد اللبناني. وما زيارات المبعوثين الأميركيين المتتالية من ساترفيلد إلى شينكر إلى ديفيد هيل إلا أكبر دليل على ذلك. ومع تشكل الجمهورية الثالثة فإن موازين القوى الداخلية من المؤكد أنها ستنعكس على خيارات مشاريع النفط والغاز في التوجه شرقاً أو غرباً.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم