السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

العِلمانية بين السؤال والجواب

المصدر: النهار
سائد حامد أبو عيطة
العِلمانية بين السؤال والجواب
العِلمانية بين السؤال والجواب
A+ A-

 هل نحن أعداء الغرب أو اَننا أعداء العِلم؟

إنَّ العِلمانية لم يتم ذِكرُها في كلِّ دساتير الوطن العربي، ولم تُعلن أيُّ دولةٍ عربيةٍ بشكلٍ رسميٍّ أنها دولة عِلمانية، وفي المُقابل هُناك 15 دولة غير عربية غالبيَّةُ سُكّانها من المُسلمين تعترفُ بِالعِلمانية في دساتيرها، منها ماليزيا وهي عِلمانية الدِستور اِسلاميةُ الدِّيانة، كَذلِك إندونيسيا ذات الدِستور العِلمانيِّ والدِيانة الاِسلامية والَّتي ذكرت في دِستورها بِالنَّصّ "الإيمان بالله دُون تحديد أيّ دين"، وتركيا الَّتي شطبت من دِستورها مُؤخراً جُملة "الاِسلام هو دين الدَّولة".

إنَّ الوطن العربيِّ اليوم يَسيِر نَحو العِلمانية، فالبُنوك والقُروض، والاِقتصادية، والتعاملات المالية، والديموقراطيات والاِنتخابات، وقانُون الأراضي والمِلكيَّة وكل ما يتبع القانُون الوضعيِّ، جميعها يندرجُ تحت مفهوم العِلمانية الشِموليِّة، ولا يُمكن فصل العُلوم الدُّنيويَّة عن أيّ مُجتمع قائم.

فلماذا يَحظر بعض الاِسلاميين في الوطن العربيِّ مفهوم العِلمانية؟

العِلمانية لا تعترف بِدولة ذات كِيان ديني، وإنَّما تعترف بِدولة ذات كِيان سياسيِّ، والعِلمانية مفهوم عِلميِّ يعترف بالعُلوم الدُّنيويَّة كالعُلوم السِّياسيَّة، والاِقتصادية، والاِجتماعية، والتَّطبيقيَّة الّتي تَخدم المُجتمعات، والعِلمانية كمفهوم علميِّ بحت تمنع تدخُل رجال الدِّين في السِّياسات العامَّة لِلدَّولة، سواء كانت اِقتصادية، أو سياسية أو اِجتماعية.

كَذلِك العِلمانية تتحدث عن فصل الدِّين عن الدَّولة بالمنطق الغربيِّ أيّ فصل الدِّين المسيحي عن سياسات الدَّولة وفي المُقابل حُرِّيَّة العِبادات، ولم تذكر الدِّين الاِسلامي نهائياً، ولم تُعارض حُقُوق الأديان والعبادات.

السُّؤال المَطروح الآن هل العِلمانية مؤامرة ضِدَّ الاِسلام؟

وإنَّ كانت كَذلِك فلماذا نَجِد عدداً من الدُّول المُسلمة غير العربية تعترف بِالعِلمانية وتذكُرها في دساتيرها؟

هناك دول مثل تركيا، وماليزيا، وإندونيسيا، والسينغال، وألبانيا، وبوركينا فاسو، وكوسوفو، ومالي، واوزبكستان، وتشاد، وقرغيزستان، وغينيا – كوناكري، وتركمانستان، وبنغلاديش، وكازاخستان، وطاجيكستان، والتي يُعتبر نِسبة السُّكَّان فيها من المُسلمين ما بين 70% الى 89% وأكثر من ذلِك،

تِلك الدَّول مُجتمعة، تَذكّر في دساتيرها "العِلمانية" وتتَّخذ منها نِظام حُكم لِلدُّولة.

فلماذا يعتبر بعض المُفكرين الاِسلاميِّين في الوطن العربيِّ أنَّ العِلمانية كُفر ولا يُمكن التَّعاطي معها؟

وهل الإسلام دين يَختصّ بالوطن العربيّ دُون غيره؟

حقيقيةً عِند الحَدِيث عن العِلمانية بالمفهوم الغربيّ، نَجِد أن العِلمانية تُطَالب باِستبعاد الكنيسة ورجال الدِّين عن التَّدخُّل في السِّياسات العامَّة لِلدَّولة.

كذلِك العِلمانية بالمفهوم الغربيِّ لم تَمنع العبادات، ولم تُغلق الكنائس، ولم تَمنع المسيحية عن الاِنتشار، ولم تقتُل رجال الدِّين المسيحيَّين، ولم تُفرِّق بين الطوائف المسيحية.

وما يعنينا هُنا هو تَحلِيل المفهوم العِلماني، الَّذي يتحدث عن العُلوم الدُّنيويَّة الِاجتماعية، والسِّياسيَّة، والاِقتصادية، والتَّطبيقيَّة، والاِستفادة منها وتطويرها وتجنيدها لِخدمة المُجتمعات لِدعم أنظمة حُكم صحيحة، لِتحقيق العدالة الاِجتماعية، والسَّياسيَّة والمساواة، كذلِك النُّهُوض بِنظام اِقتصادي، وسياسي، واِجتماعي، يضمن اِستقرار المُجتمعات.

فَكيف يُمكن اِستغلال العِلمانية لصَالح الاِسلام؟ بدَلاً من النَّظر إليها على أساس نظرية المؤامرة، والتَّكفير والتخوين.

ينظُر البعض الى العِلمانية بِكُلّ مفاهِيمها ونظريتها، وبِكُلّ العُلوم البحثِية على أنها كفر، ويعتبر أنَّ العُلوم الدِّينيَّة هي الَّتي يجب الاِستناد عليها فقط، دُون باقي العُلوم، ويرى الكثير من المُفكرين الاِسلاميِّين، أن العِلمانية مؤامرة ضِدّ الاِسلام والمسلمين، وأنَّ الأنظمة الَّتي تَتخذ من العِلمانية نِظامَ حُكم اليوم هي أنظمة كافرة.

إنَّ المعنى الحقيقيِّ لِلعِلمانية يحملُ في طياته الكثير من التَّعرِيفات كاِنشقاقه من العُلوم الدُّنيويَّة "الدُّنيوي" أو ما هو مُنتمي لِلعالم الواقعيّ وليس العالم الرُّوحيِّ أو ما تُعرفه دائرة المعارف البريطانيَّة، بأنه عِلم اِجتماعي وحركة اِجتماعيه عامَّه تهتمّ بالشؤون الدُّنيويَّة، بعيداً عن الشؤون الدِّينيَّة والآخرة، ويَشمل هذا المفهوم العُلوم السِّياسيَّة، والاِقتصاد، والتطبيقية الَّتي تخدم المُجتمعات.

بعض المُفكرين العرب يرى في تفسِّير المُفهوم العِلماني، المَبني على أساس فصل الدِّين عن الدَّولة بِالمعنى الظاهر الذي تحدث عنه الغرب، أنَّ هذا الفصل غير جائز في المُجتمعات المُسلمة، دُون معرفة ما يحمل المُفهوم في باطنه من مَعانٍ، مع عدم اِحتمالية مُناقشة ذلِك المَعنى.

عِند التحليل لِلمعنى العِلماني قد نجد الفرق بين المُجتمع والدَّولة الَّتي تُعتبر من صُنع الاِنسان وهي المُكمل في ضبط المُجتمعات، وليس المُكمل للأديان السَّماوية، وهي الجُزء الأهم الذي اِستطاعت الشعوب تطويره لِلنهوض بِالمُجتمعات وضبطها.

من هذا الباب يُمكن الحديث عن فصل الدِّين عن الدَّولة، وليس فصل الدِّين عن المُجتمع، ففي الأولى الدَّولة هي صنيِعة الاِنسان، ونُظم الحُكم فيها جُزء من السِّياسة التي تخدم المُجتمع، وفي الثانية المُجتمعات هي المُكون الرئيسي لِلشعوب والأُمَمّ ذات الأعراق والأديان المُختلفة، وبِالتالي يُمكن الحديث عن فصل الدِّين عن الكيان السِّياسي الذي تُمثله الدَّولة، ولا يعني ذلك بالضرورة اِستبعاد الدِّين عن المُجتمعات أو إِلغاء القانون الشرعي المُتعلق بِضوابط وقواعد المُجتمعات الاِسلامية، يُمكِنُنا أنّ نأخذ من العِلمانية ما يَخدم المُجتمعات العربية، دُون ربط ذلِك بالتَّكفير وعدم اِحتمالية المُناقشة.

فالشعوب تقف حائرة بين مُعارض ومُؤيِّد لِلمفهوم العِلماني، ولا يُمكِنُنا اليوم الخروج بأيّ نموذج حُكم إِلهي نستطيع تطبيقه في المُجتمعات العربية، ولا بُدَّ من الاِجتهاد في العُلوم الدُّنيويَّة السِّياسيِّة، والاِجتماعية، والاِقتصادية، ومُحاولة التوفيق بينها وبين الدِّين الاِسلامي.

فالبنوك والاِقتصاد، والسِّياسيَّة، والاِنتخابات والديمقراطية، والقانون الوضعيّ في المَنطق العِلماني هي أدوات عِلمانية بَحتة، وهي عبارة عن اِجتهادات عِلمية في مَجالات مُختلفة، تعتمد على العقل البشري في تطويرها، بعيداً عن الدِّيانات السَّماويِّة.

ونحن هُنا لا نُطبق مبدأ الغرب في ذلِك كاملاً، ولكن يُمكِنُنا أخذ ما يتناسب من العِلمانية مع الشَّريعة الإسلاميِّة، ولا نَعتبر أنَّ التَّطبيق لِلمفهوم الغربي هو تعدٍّ على الدِّين الاِسلاميِّ.

قد تلتزم المُجتمعات العربية التزاماً تاماً بِتعاليم الدِّين الاِسلاميّ والشَّريعة الإسلاميِّة كأساس في الحُكم في بعض الدُّول، إلا أنَّ هذا لا يمنع الاِجتهاد في تطوير المُجتمعات العربية واللحاق بالعالم.

والمقصد الحقيقيِّ وراء ذلِك تحديداً هو فصل الدِّين عن السِّياسة، وليس فصل الدِّين عن المُجتمع، بمعنى عدم خلط الأوراق الدِّينية بالأوراق السِّياسيِّة، ويُمكن الأخذ بالعِلمانية السِّياسيَّة، دُون الأخذ بالمفهوم العلماني الفلسفي والثقافي.


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم