السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

هل يرفض الشعب اللبنانيّ بمجمله العلمانيّة ؟!

المصدر: النهار - الدكتور سـمير عـاكـوم
للعلمانيّة تعاريف مختلفة، ففي المصطلح الإنكليزي تعني فصل الدين والمعتقدات عن السياسة والحياة العامة
للعلمانيّة تعاريف مختلفة، ففي المصطلح الإنكليزي تعني فصل الدين والمعتقدات عن السياسة والحياة العامة
A+ A-
للعلمانيّة تعاريف مختلفة، ففي المصطلح الإنكليزي تعني فصل الدين والمعتقدات عن السياسة والحياة العامة، ويقال بأن العلمانيّة منسوبة الى العلم مقابل ما هو ديني ومنسوب الى الكهنوت. أما في فرنسا فقد تمّ مؤخرًا إحياء يوم العلمانية للأطفال بعنوان "عدم التمييز والتفرقة" بين المواطنين على أساس العرق والجنس واللون أو الدين. ضمن نفس السياق لم يتضمن الدستور الكندي ما يقر بعلمانية الدولة، بل جعل من التعددية الثقافيّة إطارًا للسياسة الرسميّة، وعلى ضرورة اجتهاد كل مؤسسات الدولة لإيجاد عدالة متساوية للجميع، وعلى فكرة الحياد التي تفسر بأن مؤسسات الدولة يجب أن تحكم على أساس "القيم" المتأصلة في الديمقراطيّة.
أما في الدول العربية التي كانت مرتبطة بالمنظومة الاشتراكية، فقد تم تشويه العلمانيّة من خلال اتجاهين، الأول مكوّن من رجال دين يحاربون العلمانيّة على أساس أنها الكفر والإلحاد، والثاني نخب تدّعي العلمانيّة وفي الواقع تستعمل السفسطائية الكلامية للوقوف مع الديكتاتوريات وشن الحروب على المتدينين وأصحاب الفكر الحر. وعليه استفادت الأنظمة العربية من عناوين التقدم والعلمانية لقمع القوى التي يمكن أن تهدد استفرادها بالسلطة، حيث أن دولًا رفعت شعارات العلمانية وفي حقيقة التطبيق كانت أنظمة هي الأكثر عنصرية وقبائلية ومناطقية وطائفية بين كل دول المنطقة.
من هنا نجد الاختلاف الكبير بين مفهوم العلمانيّة في العالم العربي الذي يقوم على شتم القيم القوميّة والدينيّة وبين مفهوم العلمانيّة الغربي الذي يقبل بالهويّة القوميّة والديانة تحت سقف القيم ومصالح الشعب.
أما في لبنان، فقد عانى هذا البلد ما عانى من نمط عمل دولة مفصلة على قياس الزعماء وليس وفق معايير مصالح الشعب، كان هذا البلد ساحة صراع بين قوى يمينية مرتبطة بطائفية سياسية غربية ترفع عناوين علمانية شكليّة لا تعترف أن أساس العلمانيّة هو العدالة الاجتماعية وقيم البناء المؤسساتي المتوازي والمتوازن وعدم التمييز، مقابل يسار اعتراضي مرتبط بمنظومة شيوعية وبدول عربية متناقضة ومرتبطة قيميًا وفكريًا بهذه المنظومة، ومن الطبيعي أن يرتبط عنوان العلمانية عند هذا الطرف بمواجهة اليمين المرتبط بمصالح الغرب وقوة كارتيلاته واحتكاراته الاقتصادية ومؤسساته الدينية التي تحل مكان مؤسسات الدولة الراعية.
وعليه نجد أن العلمانيّة التي رُفعت شعاراتها عندنا كانت تعابير "فيروسية" أُسقطت على بنية اجتماعية لدولة مشوهة، وبالتالي هي عناوين لا تلامس حقيقة المعنى وبعيدة عن البنية الاجتماعية والقيميّة والتنميّة التي يريدها المجتمع اللبناني، ومن الطبيعي أن يرفض الفريق اللبناني المرتمي في أحضان الكتلة الشيوعية ومعسكرات الدول العربية المتنازعة طروحات علمانية اليمين المرتبط بالمصالح الغربية والبعيدة عن القيم المطبقة بلدانها والعكس صحيح، وهل منطقيّ أن يقبل طرف ما من يحارب مصالحه وبنيته الاقتصادية ومؤسسات بنيت لخدمته وخدمة مشروعه السياسي المتنامي في غياب مؤسسات على مستوى دولة الحقوق الراعية؟
أستخلص هنا بأن مفاهيم العلمانية الحقيقية موجودة في الدستور وبالتحديد في ميثاقية مقدمته، تمامًا كما أن مفاهيمها موجودة في الدستور الكندي من دون ذكرها، حيث أوضح هذا الدستور بأن تجتهد كل مؤسسات الدولة لإيجاد عدالة متساوية بين المناطق والمواطنين وبأن فكرة الحياد تعني حكم المؤسسات على أساس القيم المتأصلة في الديمقراطية.
نعم يا أصدقائي يرفض الشعب اللبناني العلمانية وأعذره على ذلك، لأنه شاهد ويلات ممارساتها وتنازعاتها من قبل أدعياء اليمين الغربي واليسار الشرقي، أي ممن حولوا العلمانية الى عنصرية وقبلية لا قيَمِيّة ومُدمرة.
بدل التغني بأسماء رنانة، كل ما علينا القيام به هو التشديد على أن الالتزام بمبادئ الدولة المدنية التي ينصّ عليها الدستور اللبناني وفق البنود العشرة لميثاقية مقدمته المُغَيبة والعمل دون كلل أو ملل لبناء المؤسسات الراعية والمتخصصة والمتكاملة على أُسُس ديمقراطية المعرفة والمشاركة البنّاءة لتحقّق مبادئ العلمانية القيَمية الحقيقية بعيدًا عن المتاجرة بأسماء وشعارات رنّانة.
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم