السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

هل تعيد الأحداث التاريخية نفسها؟

الدكتور وسام راجي والأستاذ جو كويس
هل تعيد الأحداث التاريخية نفسها؟
هل تعيد الأحداث التاريخية نفسها؟
A+ A-

في عام ١٩٥٥، وبعد انسحاب فرنسا من الفيتنام (كانت تُعرف عندها بالهند الصينية) عقب هزيمتها في معركة ديان بيان فو، وبعد انقسام البلاد إلى دولة شمالية شيوعية وأخرى جنوبية، بدأت الولايات المتحدة بالتدخل التدريجي لمصلحة الجنوب عبر الدعم المادي والعسكري، وذلك ضمن الاستراتيجية الأميركية العالمية لمواجهة المد الشيوعي. أتى التدخل الأميركي آنذاك في الفيتنام بعد نجاح القوات الأميركية وحلفاؤها في منع الشيوعيين في كوريا المدعومين من روسيا والصين، من السيطرة العسكرية على البلاد خلال الحرب الكورية (١٩٥٠-١٩٥٣) ما أدى إلى انقسام كوريا إلى دولتين، أولى شيوعية في الشمال وثانية في الجنوب.

خسرت الولايات المتحدة في حرب الفيتنام التي دامت أكثر من ١٠ سنوات حوالي ٥٨٠٠٠ جندي أميركي، بالإضافة إلى التكلفة المادية التي فاقت التريليون دولار حينها، والجدير بالذكر أن القوات الأميركية لم تُهزم خلال الحرب في أية معركة عسكرية، ولكن سياسة الاستنزاف التي اتّبعها الشيوعيون، وكون الحرب في الفيتنام هي أولى الحروب التي شاهدها المواطن الإميركي على جهاز التلفاز في بيته، بالإضافة إلى دور المخابرات السوفياتية KGB آنذاك في التأثير على الحركات الليبرالية في الداخل الأميركي، فإن كل تلك العوامل أدت إلى تراجع تأييد المواطن الأميركي للحرب وبالتالي إلى خسارة سياسية تُرجمت بانسحاب أميركي من الفيتنام، والذي بدوره أدى إلى انهيار الجنوب، وإلى سيطرة الشيوعيين على كامل البلاد.

بدأ التدخل العسكري الفعلي في الفيتنام عام ١٩٦٤ في عهد الرئيس ليندن جونسون، الذي دامت ولايته حوالى ٦ سنوات، واستطاعت خلالها الولايات المتحدة من ردع قوات الشمال ومنعها من السيطرة على الجنوب. وبالرغم من تكبيد القوات الشيوعية خسائر باهظة بالأرواح والعتاد، فشل الرئيس جونسون في الحسم العسكري مدة ولايته بعد أن اتبع استراتيجية وزير الدفاع روبرت ماكنامارا التي اعتمدت على body count والتي تعني إسقاط أكبر عدد ممكن من الخسائر في صفوف مقاتلي العدو حتى ثنيهم عن متابعة الحرب.


ولكن في عام ١٩٧١، قام الرئيس ريتشارد نيكسون باتباع استراتيجية مختلفة تمامًا عن خلفه هدفت إلى نقل العمليات العسكرية على الأرض إلى قوات جنوب الفيتنام وبضرب جوي أميركي كثيف على الشمال. وبعد سنتين من القصف الأميركي العنيف على شمال الفيتنام، نجحت إستراتيجية نيكسون ووافق الشمال على إقامة محادثات سلام في باريس عام ١٩٧٣ وتم الاتفاق على تقسيم البلاد إلى شمال وجنوب. ولكن بعد فضيحة Watergate المدوية وتنحي الرئيس نيكسون بعد رفع دعوى عزل (impeachment)، سيطر الديموقراطيون على الكونغرس، ومنعوا الرئيس جيرالد فورد من المتابعة باستراتيجية نيكسون في الفيتنام. كل هذه التغيرات أعطت قوات الشمال ومن خلفهم الاتحاد السوفياتي والصين الدافع إلى عدم الامتثال لمقررات مؤتمر باريس، وإلى الاجتياح الكامل للجنوب، وفرض سيطرة الحزب الشيوعي على البلاد، بعد أن حققت الولايات المتحدة انتصاراً مع الرئيس نيكسون من خلال انتزاع اعتراف الشيوعيين بدولة الجنوب على غرار ما حصل في كوريا عام ١٩٥٣.

ما يقوم به الرئيس الحالي دونالد ترامب من إلغاء الاتفاق النووي الإيراني، واتباع سياسة الضغط الأقصى maximum pressure عبر العقوبات الاقتصادية على إيران، ومواجهة وتحجيم الأذرع الموالية والحليفة لطهران في المنطقة، يشبه إلى حد بعيد الخطة العسكرية والسياسية للرئيس نيكسون في الفيتنام. فمحاولة إيران التعايش مع الوضع الحالي مرده الرهان على تغيرات في السياسة الداخلية الأميركية تشبه تلك التي حدثت مع تنحي الرئيس نيكسون، عبر:

١- وصول الديموقراطيين إلى الحكم في ٢٠٢٠

٢- الدعوى لعزل الرئيس ترامب وإضعاف الجمهوريين

مع العلم أن هكذا رهان يشكل بالظاهر رهاناً واقعياً، ولكنه يحتوي بالباطن عدة مفارقات. فهل تعيد الأحداث التاريخية نفسها؟



حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم