الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

قصّة المجسّم الحديديّ في بيروت الذي انتُزع بذريعة "نجمة داود" FactCheck#

المصدر: "النهار"
هالة حمصي
هالة حمصي
قصّة المجسّم الحديديّ في بيروت الذي انتُزع بذريعة "نجمة داود" FactCheck#
قصّة المجسّم الحديديّ في بيروت الذي انتُزع بذريعة "نجمة داود" FactCheck#
A+ A-

تحوّلت قطعة فنية معاصرة في وسط بيروت، خلال ساعات قليلة، تهمة بالصهيونية والتطبيع مع إسرائيل. هذه "نجمة داود"، وفقا للاتهامات، "وماذا تفعل هذه النجمة في وسط بيروت متربعة على حجار اثرية؟ حدا يفيدنا"، وفقا لما تم تناقله على حسابات في وسائل التواصل، بينما عمدت حسابات اخرى الى اتهام الثوار بوضعه. FactCheck#

النتيجة: ما تردد من اتهامات وشكوك ربطت القطعة الفنية بنجمة داود، او بالثوار، يدخل ضمن "الاخبار العارية من الصحة والمغلوطة".

تلبية لطلب "حدا يفيدنا"، هذه القطعة فنية معاصرة بامتياز، "تتكوّن من ثلاثة مكعبات فارغة ومتداخلة، مع اضاءة". وقد انجزها الفنان البريطاني المعروف ناتانييل راكوي Nathaniel Rackowe الذي "وقع في حب بيروت"، بتعبيره. ويوضح: "لقد استلهمت هذا المجسم من الهندسة والمباني التي شاهدتها حول بيروت". و"قد استخدمت الضوء لتحويل مادة الصلب القاسية كوسيلة لكشف الجمال في المدينة".

هذه القطعة الفنية وضعت في وسط بيروت في حزيران 2018، بناء على طلب غاليري ليتيسيا Letitia Gallery، وبعد موافقة الجهات الرسمية المعنية. وتؤكد مديرة غاليري ليتيسيا غايا فودوليان لـ"النهار" ان "القطعة الفنية لا علاقة لها اطلاقا بنجمة داود"، وهي "ترمز الى قطع الحديد والمكعبات المستخدمة في ورش البناء في بيروت".

"النّهار" سألت ودقّقت من أجلكم 

الوقائع: بعد مشهد ليلي متوتر أجّجت ناره معارك بين الثوار والقوى الامنية في وسط بيروت، على وقع غزوات شنّتها مجموعات مناوئة السبت 14 كانون الاول 2019، أفاق اللبنانيون، الأحد 15 منه، على جدل من نوع آخر، "نبت" بسبب مجسّم حديديّ شمال ساحة الشهداء يشبه "نجمة داود" وفقا للاتهامات، وذلك اثر نشر صورة ليلية له. المؤامرة تطل مجددا برأسها تعززها حسابات حللت كما ارتأت، واتهمت وخوّنت من دون اي دليل او تدقيق، وصولا الى الصاق تهمة التطبيع مع إسرائيل بالثوار.

وقد حسم محافظ بيروت زياد شبيب الجدل بقرار طلب فيه إزالة المجسم من مكانه. وهذا ما حصل في اليوم ذاته. 

التدقيق... وسبعة أسئلة: 

كلام كثير قيل في شأن "المجسم" على وسائل التواصل، ونشرت حسابات معلومات واتهامات استوجبت بحثا وتدقيقا هادئين. انطلاقا من هذا، طرحنا سبعة أسئلة، وقد عدنا اليكم بأجوبة عنها من السيدة غايا فودوليان، مديرة غاليري ليتيسيا

1-لماذا أرادت غاليري ليتيسيا وضع هذا العمل الفني في وسط بيروت؟

تقيم غاليري ليتسيا نشاطات فنية كثيرة، في مقرها وخارجه. وضمن هذه النشاطات، ندعو فنانين اجانب الى المشاركة عبر عرض اعمالهم الفنية، بغية تعريفهم الى لبنان. ونقوم بالامر نفسه مع فنانين لبنانيين، من اجل تعريفهم الى العالم الفني في الخارج. واحد الفنانين الاجانب الذين دعتهم الغاليري الى لبنان هو الفنان البريطاني المعروف ناتانييل راكوي الذي يستوحي اعماله الفنية من اضواء المدينة City Light. عام 2009، جاء الى لبنان، حيث امضى 3 اشهر تعرف خلالها الى بيروت وشوارعها وابنيتها، كي يستوحي عملا فنيا وينجزه. وقد طلبت منه الغاليري ان يعود مجددا، ويقدم معرضا منفردا في صالاتها عام 2018. وكان بعنوان: The Shape of a City (شكل مدينة). وانطلاقا من رغبتنا في ابقاء أحد اعماله الفنية في بيروت، طلبنا وضع قطعته الفنية التي تحمل اسم LP46 في وسط بيروت، وذلك في خطوة تندرج ضمن سياسة معرض ليتيسيا لتحفيز التفاعل الفني بين المواطنين والفن التشكيلي في الإطار المديني.

2-متى وضعت هذه القطعة الفنية في وسط بيروت؟

لقد وضعناها في حزيران 2018 أي قبل نحو سنة ونصف السنة، بعدما حصلنا على كافة التراخيص والأذونات من المراجع الرسمية المختصة، بدءا من مديرية الآثار، مروراً بمحافظ مدينة بيروت وبلدية بيروت، وإنتهاءً بسوليدير.

3-ما هي هذه القطعة الفنية؟

-القطعة مكونة من ثلاثة مكعبات فارغة ومتداخلة. وهي ترمز الى قطع الحديد والمكعبات المستخدمة في ورش البناء في بيروت. هذه هي الفكرة الرئيسية التي اراد راكوي تجسيدها في قطعته الفنية LP46. وقد انجزها لتضيء ليلا، باللون الاصفر. الاصفر هو لون الاضاءة الذي يستخدمه راكوي اساسا في كل اعماله الفنية تقريبا.

وكان من المفترض اضاءة LP46 يوميا خلال الليل، غير ان بلدية بيروت لم تؤمن لنا الكهرباء، رغم محاولاتنا العديدة. كذلك حاولنا مع سوليدير وفندق "لو غراي"، لكن لم نفلح. وقد أمكننا اضاءة LP46 اسبوعين في عيد الميلاد العام الماضي، من خلال امدادات كهربائية تصل الى شجرة الميلاد التي اضيئت في ساحة الشهداء. ونظرا الى انه لم تتم اضاءتها في شكل مستمر، لم تتضح للناس رمزيتها الحقيقية.

بالنسبة الى تسمية LP46، فإن الفنان راكوي يعتمد هذه التسميات الرمزية لكل قطعه الفنية، ولا شيء خاصا بها.

4- اتُّهم العمل الفني بأنه يرمز الى نجمة داود. ما ردك على ذلك؟

-لا، هذا الاتهام ليس في محله اطلاقا. لا علاقة اطلاقا لهذه القطعة الفنية بنجمة داود. ولو كانت ترمز الى ذلك، لما قبلنا ابدا وضعها في بيروت. ولو كانت هناك شكوك لدى الجهات الرسمية المعنية، لما قبلت بدورها وضعها هناك.

في الواقع، يختلف العمل الفني بحسب الزاوية التي يُشاهد منها. ونظرا الى ان القطعة الفنية في بيروت تتكون من مكعبات، فليس غريبا رؤية نجمة او اشكال مستطيلة او مربعة، وفقا للزاوية التي تتم من خلالها المشاهدة. وهذا ما حصل. القطعة تتكون من أشكال هندسية، وهذا لا يعني انها ترمز الى شيء.

5- من الاتهامات التي ترددت ان رمز نجمة داود تم تخبئته كي لا يظهر بوضوح.

-هذا الكلام غير صحيح. شكل القطعة يتغير بحسب الزاوية التي تشاهد منها. لمزيد من التوضيح، نجمة داود تتشكل من مستطيلين متداخلين، بينما تتألف قطعة راكوي من ثلاثة مكعبات متداخلة، وقد استوحاها من اعمال البناء في بيروت، وضمّنها اضاءة باللون الاصفر. ولا اضاءة اطلاقا بالازرق، كما زعم بعضهم. وتثبت ذلك صور للمجسم مضاءً.  

6-هل الفنان راكوي يهودي، كما يشكك بعضهم؟

-لا، راكوي ليس يهوديًّا. انه بريطاني. وهو فنان معروف يعرض على مستوى عالمي، لا سيما في أوروبا والولايات المتحدة. ولديه غاليري في دبي. بالنسبة الى ما يحكى عن علاقة له بإسرائيل، فإن احد الزبائن اشترى قطعة له وعرضها في اسرائيل عام 2009، ضمن معرض جماعي. غير ان راكوي لم يقم يوما معرضا منفردا في اسرائيل، ولم يزرها ايضا. لو كان زارها، لما سُمِح له اصلا بدخول لبنان.  

7-ماذا حصل للقطعة الفنية LP46؟

-قبل ظهر الاحد 15 كانون الاول 2019، توجهنا الى ساحة الشهداء، وطلبنا ان نزيل بأنفسنا القطعة الفنية، خصوصا بعد اللغط الذي اثير حولها. وقد احضرنا الرافعة والحداد وعمالنا لحملها. غير ان محافظ بيروت رفض ان نتولى المهمة، مشيرا الى ان هذه المهمة من صلاحية المحافظة. وللاسف، تعرضت القطعة الفنية لاضرار وتكسرت بسبب طريقة حملها ونقلها. لم يعرفوا كيف يحملونها ويتعاملون معها. وقد صادروها. اليوم الاثنين، اتصلنا بالمحافظة، وطلبنا موعدا للقاء المحافظ من اجل استرجاع القطعة، وننتظر الجواب. نحن مصرون على استرجاعها.

الفنان راكوي يوضح  

كذلك، يوضح الفنان راكوي ماهية قطعته الفنية التي استوحاها من بيروت. ويقول في بيان بالانكليزية: "LP46 مجسم حول المدن والفضاء، وكيف نستخدمها كأناس، وكيف نتشكل بواسطة البيئات المبنية التي نتحرك فيها. عام 2009، عشت في بيروت لمدة ثلاثة أشهر، ووقعت في حب المدينة وشعبها. والوقت الذي امضيته فيها ألهم عملي، وعكس الطبيعة المتغيرة لتلك المدينة المذهلة والمرنة". 

ويضيف: "بعد 9 سنوات (على اقامته في بيروت)، دعتني غاليري ليتيسيا في بيروت لإقامة معرض منفرد في المدينة التي أثرت فيّ قبل اعوام ماضية. وكانت LP46 جزءًا من هذا المعرض، وقد وضعت في مكانها منذ أكثر من عام. لقد استلهمت هذا المجسم من الهندسة والمباني التي شاهدتها حول بيروت. أسس مبان جديدة ترتفع، ومبان قديمة تُزال. لقد استخدمت الضوء لتحويل مادة الصلب القاسية كوسيلة لكشف الجمال في المدينة. هذا المجسم هو لشعب بيروت ولبنان للاحتفال بالطبيعة المذهلة للمكان الذي يسمونه موطناً".

وهنا لقطة شاشة للبيان التوضيحي بالانكليزية الذي نشره راكوي بهذا الشأن: 

في 17 حزيران 2019، نشر راكوي صورة لقطعته الفنية في بيروت، في صفحته في الفيسبوك (هنا). ويكتب عن فنه انه يرتكز على انجاز "اعمال تركيبية ونحتية تجمع بين الضوء والبنية لاستكشاف علاقتنا بالبيئة المبنية".

راكوي من مواليد عام 1975، كامبريدج، المملكة المتحدة. "يعيش ويعمل في لندن"، وفقا لما يكتب في سيرته الذاتية. 

موافقات رسمية على القطعة الفنية 

وهنا ثلاث وثائق تثبت نيل غاليري ليتيسيا الموافقة على وضع القطعة الفنية LP46 في ساحة الشهداء، من الجهات المعنية الرسمية. 


النتيجة: الاتهامات والشكوك التي وجهت الى القطعة الفنية في ساحة الشهداء وربطها بنجمة داود، او بالثوار، تدخل ضمن "الاخبار العارية من الصحة والمغلوطة". وقد قدمنا اليكم في هذه المقالة تفاصيل عن ماهية هذه القطعة واسباب وضعها في بيروت، بناء على شروح من غاليري ليتيسيا وايضا الفنان راكوي. 

[email protected]


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم