السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

لا يحقّ لأحد احتقار اللبنانيين

الرئيس تمّام سلام
لا يحقّ لأحد احتقار اللبنانيين
لا يحقّ لأحد احتقار اللبنانيين
A+ A-

أكثر من ثلاثة أسابيع مضت على استقالة الرئيس سعد الحريري، وما زلنا ننتظر أن يعيّن رئيس الجمهورية موعداً للاستشارات النيابية الملزمة التي تنص عليها المادة الثالثة والخمسون من الدستور.

صحيح أن رئيس البلاد ليس مقيّداً بمهلة محدّدة لبدء هذه الاستشارات، لكنّ ما يجري اليوم من إتصالات سياسية جانبيّة بغرض التوافق على شكل الحكومة وأسماء أعضائها قبل تسمية رئيسها، أي عملياً التأليف قبل التكليف، هو هرطقة لا أجد وصفاً لها سوى أنها اعتداء على الدستور من جانب من أؤتمن عليه وأقسم اليمين على صونه. فتأليف الحكومة هو مسؤولية الرئيس المكلّف بعد استشارات نيابية غير ملزمة.

هذا الاعتداء ليس الأول من نوعه. فمنذ بداية هذا العهد، شهدنا سلسلة من التجاوزات الهادفة الى فرض أعراف جديدة تخلّ بجوهر النظام السياسي الذي توافق عليه ممثلو الشعب اللبناني في الطائف. وقد رفعنا الصوت مرات عديدة وقلنا إنّ الدستور نصّ سامٍ ملزم يرسم قواعد النظام وصلاحيات المؤتمنين على مؤسسات الحكم، وأيّ إخلال بهذه الصلاحيات يعرّض التوازن الدقيق في لبنان والبنيان الوطني للمخاطر. كما نبّهنا الى أنّ أيّ رغبة في تعديل الدستور لا تتحقّق بالتهريب أو بالتذاكي أو بقوة الأمر الواقع، وإنّما وفق الأصول التي رسمها الدستور نفسه وبناء على اجتماع إرادة وطنية على التغيير.

إن التأخير في الدعوة الى الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس مجلس الوزراء المقبل، بات أقرب الى الخطيئة الوطنية التي لن يرحم التاريخ مرتكبيها. وما نشهده من مماحكات ومساجلات، ومن تباطؤ في اطلاق المسار الدستوري الطبيعي المؤدي الى تأليف الحكومة التي ينادي بها اللبنانيون في الشوارع والساحات، يدعو الى الذهول ويعكس ذهنيّة متكبّرة لا تفهم السياسة إلاّ كيداً وغّلّبة، تحتقر الناس ولا ترى فيهم سوى حفنة من المتآمرين أو المضلّلين.

لا أحد، كائناً من كان، يحقّ له احتقار اللبنانيين.

فشابات لبنان وشبابه، الذين شكلّوا المفاجأة الأجمل في الهبّة الشعبية، ليسوا أقل وعياً ودراية ومعرفة ممّن يسوسهم. لقد خرجوا من أسر الطوائف، ليتنفّسوا أفضل ويحلموا أكثر. اختلطوا، بعضهم بالبعض الآخر، في الفضاء الوطني العام، وطلبوا حقّهم في دولة عصرية يسودها القانون، وتعمل فيها المؤسسات بانتظام، وتقدّم فيها الخدمات بفاعلية، ويدار فيها المال العام بشفافية وأمانة... وهذا ليس بكثير.

لقد آن الأوان لأصحاب القرار أن يدركوا أن ما يجري منذ السابع عشر من تشرين الأول ليس حدثاً عابراً يمكن تخطّيه ببعض المسكنات والعودة الى الحياة السابقة، بل هو محطة تاريخية تتطلب مقاربة جديدة للشأن الوطني.

والخطوة الأولى المطلوبة اليوم، هي التوقف عن إهدار الوقت والتعامل بجدّية وبعيداً من الهرطقات مع مسألة تكليف الرئيس الجديد للحكومة لكي يشرع في عمله، وفقاً لما ينص عليه الدستور. وإذا لم يحصل سريعاً تأليف حكومة توحي بثقة اللبنانيين المنتشرين في الساحات اولاً، وثقة المجتمع الدولي ثانياً، فإنّ البلاد ذاهبة الى المجهول.

إنني، في ذكرى الاستقلال الوطنيّ، أجدّد دعوتي إلى جميع المعنيين لسماع صوت العقل والتصرف بمسؤولية وطنية عالية، بعيداً من الحسابات الصغيرة التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه.

تعالوا نرتقي الى مستوى أحلام أولئك الشابات والشبان الرائعين.

تعالوا نمسح العرق والدموع عن الوجوه النضرة.

إنهم أبناؤنا... والتنازل أمام الأبناء لم يكن يوماً نقيصة.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم