الخميس - 23 أيار 2024

إعلان

"أريش" في متحف الاميركية استنساخ خارجي لشاب فينيقي متكامل

مي عبود ابي عقل
A+ A-

ما بين 29 كانون الثاني الجاري و26 شباط المقبل يستضيف "متحف الجامعة الاميركية في بيروت" معرضا استثنائيا تحت عنوان "شاب بيرصا"، يكشف للمرة الاولى الشكل الكامل لشاب فينيقي من القرن السادس قبل الميلاد، يراوح عمره ما بين 19 و 24 عاما، بالمقاييس الكاملة والدقيقة لكل اعضاء جسمه، بطريقة تظهر استنساخا خارجيا صحيحا لشكل الانسان الفينيقي، في ما عدا ألوان الشعر والجلد والعينين، التي لم يتم تحديدها بدقة، كونها لا تدوم مع الزمن ولا يبقى منها اثر يمكن الاستناد اليه، بعكس العظام ومقاييسها. واطلق عليه اسم "أريش" الذي يعني "المحبوب او المرغوب" باللغة البونية.


في عملية فنية – علمية متكاملة، قامت الاختصاصية الفرنسية في فن "رأب الجلد" (Dermoplastie) اليزابيت دانييس، باعادة تشكيل الهيكل العظمي شبه التام الذي اكتشف في قرطاج العام 1994، مما سمح باعطاء اقرب نسخة ممكنة لسيماء اجدادنا الفينيقيين ومظهرهم الخارجي. وبينت دراسة علم الانسان (Anthropologie) التي قامت بها الاختصاصية التونسية سهام رودسلي شبي على الهيكل العظمي لهذا الشاب انه "قوي البنية، وفارع القامة ويبلغ طوله 170 سنتيمترا، ويتسم بجمجمة تميل الى الطول، وجبهة عريضة، ووجه صغير نسبيا، وفتحة انف دقيقة، ومحجري عينين مرتفعين، اما منطقة الذقن فهي اقرب الى المربع. وكل هذه الصفات تقرب هذا الشاب من نموذج الانسان الذي ينتمي الى حوض البحر المتوسط".
وتتم عملية اعادة التشكيل في مرحلتين:
- الاولى يتم فيها وضع بطاقة تعريف للكائن المعني، انطلاقا من دراسة الجمجمة والفك الاسفل، وباعتماد المبادىء عينها التي تستند اليها البحوث الميدانية في مجال الجريمة.
- وفي الثانية، وبعد انتهاء تلك الدراسات الاولية، يبدأ العمل على وضع الكتل العضلية على مجمل الجمجمة، وهذا ما سيسمح بجعل النسب مرئية، والتثبت من مدى تماسكها وتجانسها. ويبقى بعدها وضع الغلاف الجسدي على الكتل العضلية.
من هنا يتبين انه في الامكان انجاز شكل الوجه ونسبه موضوعيا، لأنهما مرتبطان بالبنى العظمية المستقرة تحتها، بينما اختيار لون العينين والبشرة والشعر يتم كيفيا.


هيكل ولقى
عثر على "شاب بيرصا" صدفة منذ عشرين عاما في تونس، عندما اراد حافظ متحف قرطاج الوطني الواقع على هضبة بيرصا، زرع شجرة عند مدخله، حيث اكتشف عالم الاثار الفرنسي جان- كلود موريل قبرا يعود الى العصر البوني الاول، ويحتوي على هيكل عظمي ممدد على الظهر، والوجه يلتفت ناحية اليمين، والذراعان ممددتان على طول الجسم لترتاح اليدان على الحوض، موضوع في تابوت من الحجر الكلسي، والى جانبه مجموعة من اللقى الاثرية تشكل "الاثاث الجنائزي" الذي يتألف من 37 قطعة تتوزع ما بين جرتين فخاريتين، وقنديل زيت، وصحن فخاري يحتوي على عظام طيرقدمت قربانا عن المدفون، و21 تعويذة يعتقد انها كانت تؤلف مسبحة، وحجراً ثميناً شفاف يحمل صورة رياضي جاث يتأهب للانطلاق ويرفع زهرة اللوتوس، وقطعة قماش تعود الى ثوب او كفن، وبين رجليه علبة صغيرة من العاج مع غطائها. ويدل جمال القبر ونوعية اللقى الاثرية الموجودة على ان هذا الشاب ينتمي الى عائلة مرموقة وميسورة، وتؤكد دراستها انها تعود الى 500 عام قبل الميلاد.


معرض بيروت
تعود فكرة المعرض الى العام 2009، عندما التقت مديرة متحف الجامعة الاميركية الدكتورة ليلى بدر بصديقتها أمينة متحف قرطاج شادلية العنابي في مؤتمر "الهيئة العالمية للمتاحف" في باريس والتي اخبرتها عن المعرض الذي تقيمه في متحفها، فحجزت عليه بدر لتكون اول رحلة له خارج تونس، الى مسقط رأسه ارض الفينيقيين، لكن حوادث الثورة في تونس أخرت الموعد، الى ان هدأت الاحوال قليلا، وصار في الامكان نقله الى لبنان.
وفي بيروت شيدت قاعات خشبية داخلية جديدة في صالة المحاضرات في متحف الاميركية خصيصا لاستقبال هذا الحدث، استخدم فيها اللون الترابي ليعكس اجواء الموقع الاصلي، والاضواء الخافتة لاضفاء نوع من الخشوع والرهبة. ويتألف المعرض من مسار يبدأ بقاعة تعرض مجموعة صورعن القبر في موقع اكتشافه، وفي وسط القاعة التالية تجسيد للهيكل العظمي (الذي يتعذر نقله من تونس) وعدد من الواجهات الزجاجية تحوي اللقى المدفنية المكتشفة ونصوص باللغات الثلاث تشرح عن الموجودات وقصة الشاب وتاريخ الاكتشاف وفق التسلسل الزمني، ليسلط الضوء القوي في القاعة التالية على مجسم "شاب بيرصا" واقفا ويرتدي ثوبا ابيض تزين اطرافه حاشية بلون الارجوان. وينتهي المسار بعرض وثائقي قصير عن عملية اعادة التشكيل ومراحلها.
وكشفت الدكتورة بدر لـ"النهار" انه في يوم الافتتاح، الذي سيحضره وزير الثقافة والسفير التونسي، سيأتي رجل من صور، بينت نتائج فحص حمضه النووي الذي سبق ان اجراه الاختصاصي الدكتور بيار زلوعة، انه يحمل موروثات فينيقية، وسيلقي التحية على قريبه "أريش".


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم