السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

الغصّة المتجدّدة مع كلّ عيد للقديسة تقلا: أريد العودة إلى قريتي كفرسلوان!

المصدر: "النهار"
رين بوموسى
رين بوموسى
الغصّة المتجدّدة مع كلّ عيد للقديسة تقلا: أريد العودة إلى قريتي كفرسلوان!
الغصّة المتجدّدة مع كلّ عيد للقديسة تقلا: أريد العودة إلى قريتي كفرسلوان!
A+ A-

اليوم عيد القديسة تقلا. اليوم عيد شفيعتي وشفيعة عائلتي وقريتي كفرسلوان التي لم أزرها يوماً بسبب آلام الحرب. نعم لم أعرف يوماً قريتي. 28 عاماً وفي كل سنة، كمثل هذا اليوم، أتمنى لو أزور كنيسة القديسة تقلا في كفرسلوان، وفي كل مرّة أعد نفسي أنّه في السنة المقبلة سيكون العيد مختلفاً. إلا أنّ الغصّة تبقى نفسها.

أمست العادة أن نزور كنيسة مارت تقلا في المروج، ونعود بعدها إلى المنزل. في ليلة هذه القديسة العزيزة، أنزوي. أعود إلى كتابات جدتي لوريس التي لم تفارق القلم يوماً، والتي أهدتني قبل وفاتها بواسطة والدتي، كتاب صلاة للقديسة تقلا، دوّنت عليه متى ولدتُ ومتى تلقّيتُ وأخي سرّ العماد في يوم عيدها. كلماتٌ حَفَرتها بوجع كبير، بَعْثرتها في دفاتر وثّقت كلّ شيء، وكلّ صور الذاكرة. "دفعنا عمرنا الأول، ثم عدنا ودفعنا عمرنا الثاني، وعمر أولادنا، وبعده الحرب وبعده العذاب"، كما جاء في كلماتها. عذاب لم ينتهِ يوماً، وأنا حفيدة تلك المرأة، لا أزال بعد سنين من انتهاء الحرب مكبلةً في وطني، في منزلي، من دون حرية الدخول والخروج من بلدتي وإليها.

يسألونني بذهول: "ولو، حدا ما بيعرف ضيعتو". نعم! أنا رين روني حارس بوموسى لا أعرف قريتي، ولم أدخل يوماً إلى منزلي المهدّم ولا أعرف مَن هم جيراننا، ولم أزر يوماً العين في الضيعة، ولم أسرق التفاح من البساتين، ولم أشارك في القداس الإلهي. لا شيء. لا انتماء لي في تلك القرية، الا أنّ اسمها مطبوع على هويتي. البلدة: كفرسلوان.

بين دفاتر جدتي، صور لأبي وأخرى لأعمامي في القرية، والثلج على أطراف الطريق، أقارنها بصور الأصدقاء في "فايسبوك"، فأحاول أن أسرق ملامح تلك القرية ولو افتراضياً.

سنوات، وأنا أحاول الكتابة، وفي كلّ سنة أتجمّد لشدة تأثّري. هذه السنة مختلفة. سأكتب بفرح عسى أن تكون القديسة تقلا شفيعة عودتنا. وتبقى هذه الدفاتر، دفاتر جدتي، ذكرى أليمة عنوانها كلمات تتكلّم على حقبة ولت ووجعها مستمر في النفوس. فـ"الله يرى الجميع"، اليوم وأمس وغداً، كما كتبت جدتي، مختزلة مَشاهد الوجع آنذاك. 

عسى أن يكون هذا المقال الأخير الذي أتمنى فيه العودة إلى بلدتي كفرسلوان، فنحتفي السنة المقبلة بعيد القديسة تقلا، من هناك، بعد غياب لم يعد يُحتَمل. 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم