الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

بابا وبطريرك...وكنيسة ظافرة!

المصدر: "النهار"
بيار عطاالله
بابا وبطريرك...وكنيسة ظافرة!
بابا وبطريرك...وكنيسة ظافرة!
A+ A-

اللقاء بين بطريرك موسكو وعموم الروسيا كيريل والبابا فرنسيس في هافانا وعلى أهميته، يبقى محصوراً في اللقاء بين بطريرك كنيسة #روسيا ورأس الكنيسة الكاثوليكية في العالم، واذا كان الامر محسوماً لجهة رئاسة فرنسيس للكاثوليك إلا ان كيريل يبقى بطريرك كنيسة قومية تشكل مع بطريركيات اخرى بدءاً من البطريرك المسكوني الى انطاكية واورشليم وغيرها مجموع الكنائس الارثوذكسية، لكن ذلك لا ينفي الموقع البارز للكنيسة الروسية الارثوذكسية بسبب أنتشارها الجغرافي الواسع وتالياً اعداد المنتمين اليها، اضافة الى الثقل الكبير السياسي والاقتصادي للدولة الروسية التي تحظى بدعم الكنيسة ودعمها.


عندما يمد البطريريك كيريل يده الى بابا الكاثوليك فلكي يصافحه من موقع قوة مستمد من المتغيرات السياسية النفوذية لروسيا القيصرية العائدة في العهد "البوتيني" الى الضوء والتمدد.


وفي دراسة اعدها الباحث والحقوقي وائل خير عن الكنيسة الروسية الارثوذكسية، وتنظيم الكنائس الارثوذكسية: "ان ما من صفحة في تاريخ المسيحية تفوق اشراقا محنة الكنيسة الارثوذكسية في روسيا التي طوت معظم القرن العشرين لتخرج منه الكنيسة كريمة ظافرة". وعرض خير لتاريخ الكنيسة معتبراً "ان الشر عبأ كل طاقات الدولة الشمولية السوفياتية من دستور وقوانين وبرامج تعليمية ونشاطات ثقافية وتوجيه فكري وإعلام ووسائل قمع لانهاء الوجود الديني على مساحة الاتحاد السوفياتي صابا جهوده بصورة خاصة على الكنيسة الارثوذكسية. وسامت السلطات الملحدة الكنيسة الوانا من الاضطهاد لم تعرفه أي كنيسة عبر تاريخ المسيحية الطويل، وصل الى دس اعضاء من اجهزة الامن السوفياتية الامنية في شتى المناصب الكنسيّة فواجهت الكنيسة حربا على جبهتين: قمع خارجي وتفتيت داخلي".


وتمضي الدراسة في عرضها بان الكنيسة واجهت بسلاحين. سلاحها الاول كان قوة الايمان وجرأة المؤمن. من امثلته الموقف الشجاع للبطريرك تيخن وتنديده من موسكو بمجازر الحمر عام 1920 ووصفهم بـ "وحوش الجنس البشري." هناك ايضا وثيقة سولوفسكي. فقد أصدر الأساقفة سجناء دير سولوفسكي على البحر الأبيض في الدائرة القطبية الذي حولته السلطات السوفياتية إلى معسكر للاعتقال، وثيقةً مفعمةً بالشجاعة والوقار عام 1927 أعربوا عن ولائهم المطلق للدولة في الأمور الزمنية، لكنهم طالبوا بإجراء فصلٍ بين الكنيسة والدولة، فصلٌ من شأنه احترام حرمة الكنيسة الداخلية وأرفقوا الوثيقة بمقارنةٍ بين الإيمان المسيحي والاديولوجية الشيوعية وسمو الأولى وتفوقها على الأخيرة(...)". اما الشعب فيصفه خير بأنه "شعب الله" وكان له دور حاسم بعدما أقفلت السلطات السوفياتية معظم الكنائس وحولت بعضها الآخر إلى أماكن ترفيه ومخازن للحبوب في المناطق الزراعية وضعت القلة الباقية من الكنائس في تصرف كنائس موازية دعتها "الكنيسة الحية" برئاسة إكليروس يخضعون لأوامر الأجهزة الأمنية. لكنّ الشعب، بأكمله تقريبًا، قاطع هذه الكنائس واستمر بولائه للكنيسة البطريركية. وبعد عقدَين أذعنت السلطات السوفياتية لهذا العناد وألغت الكنائس البديلة واعترفت بالسلطة الشرعية للكنيسة البطريركية، وإن وفّقت إلى تدجينها بعض الشيء حتّى إذ انهار الاتحاد السوفياتي في نهاية التسعينات من القرن الماضي عادت الكنيسة إلى كامل رونقها وبهائها واستعادت دورها الطليعي في الحياة الروحية في الاتحاد الروسي


تنظيم الكنائس الارثوذكسية


اما عن وتنظيم الكنائس الارثوذكسية فتوضح الدراسة، انها تقوم على مبدأ البنترخية– الكنائس الخمس: روما، القسطنطينيّة، الإسكندرية، أنطاكية وأورشليم. واستمر هذا التنظيم ما يزيد على الألف سنة. والاستثناء الوحيد كان اعطاء كنيسة قبرص وضعًا مستقلاً منذ مجمع أفسس 431. بعد الانشقاق استمرت البطريركيات الاربع على التنظيم القديم حتّى اضطر كرسي القسطنطينية إلى تعديله بعد نشوء كيانات سياسية مستقلة في البلقان – كنيسة صريبا – وبعد سقوط القسطنطينية حازت الكنيسة الروسية استقلالها. وكان لاستقلال الدول الارثوذكسية في البلقان في القرن التاسع عشر اثره على التنظيم الكنسي. بدأت تطفو إلى السطح كنائس أرثوذكسية محليّة تنشط في إطار الكيانات الدستورية المستقلة في اليونان وبلغاريا ورومانيا وغيرها. ثمّ إن انهيار روسيا القيصرية وبداية الشتات الروسي في دول الغرب وانشقاقها عن الكنيسة الأمّ لاشتباههم في استعمال السلطة السوفياتية لها كأداة سياسية، أنشأ موجة ثانية من الكنائس المستقلة.


رغم أن البعض أثار مسألة لاهوتية في تقييمه لهذا التشظي. فلاهوتيون كثر اعترضوا على تلازم الكنيسة بالكيانات الدستورية واعتبروها في إطار بدعة PHYLETISM أي بدعة القوميات، فإن التاريخ برّر هذه الظاهرة معتمدًا على دورٍ إيجابيٍّ لها في إخراج الكنيسة من بعض محنها مثاله الحرب اليونانية- البلغارية 1912. فقد التزمت كل كنيسة بشعبها وتركت الحكم على صحة الموقف السياسي لله. يرى البعض ميزة في هذا التلاحم بين الكنيسة وشعبها إذ هي لا تضحي بمصلحة شعب أرثوذكسي لتخدم مصلحة شعب أرثوذكسي آخر ولا تؤدي إلى أي شرخٍ بين الراعي ورعيته.


 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم