السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

نهيد درجاني والشعر: قتيلان على ضفّة واحدة

المصدر: "النهار"
نهيد درجاني والشعر: قتيلان على ضفّة واحدة
نهيد درجاني والشعر: قتيلان على ضفّة واحدة
A+ A-

إمّا تحبّ شِعره أو لا، من السطر الأوّل، ما من حلّ وسط. فشعرُه مشاغب لا يعرف المساومة ولا المهادنة ولا الاستسلام، ونابع من إفراط في الذات حدّ استهلاكها حتّى آخر رمق، دافعاً بها إلى أقصاها كأنّما ليراها إن كانت تنكسر، بعيداً كلّ البعد من المسايرة والتملّق واستدرار العواطف، في المضمون كما في الشكل.

والورقة، ورقته الشعريّة، يلعبها مكشوفة، بجرأة وحماوة، ضمن ثلاثيّة تلازمه على طول الطريق:

لقطاتٌ من سيرة ذاتيّة مفعمة بشظف العيش، بغياب الأهل، بالبيت وأغراضه، بالحنين الذي يتربّص به على العتبة، بالشارع وناسه، بالنهر وأشجاره، بالبحر وأشرعته، بالسفر ومدنه، بالعمر لشدّة ما مرّ بسرعة لم ينتبه له أحد،

ثمّ عشقُ امرأة يتأرجح بين خيط شبقيّ وآخر طوباويّ ينتهي بالفناء فيها بلا أثر،

وثمّ عراكٌ لا يأخذ نفَساً مع الشعر في الشعر، كمحاولة مستمرّة لجعل استحالته ممكنة.

واللغة، لغته، تشتغل على نصب فخّ حديث بين القديم والجديد، بين الموروث والمعاصر، بين الفصيح والدارج، رافعة غطاء التحفّظ والرقابة والقمع الذاتيّ، مجترحة جملاً عجيبة وصوراً غريبة، بتركيبة مفتوحة على كلّ الاحتمالات والاتجاهات، وبنبرة قاسية وطريّة، عصماء ومتفلّتة، صارخة ورقيقة.

والغنائيّة، غنائيّته، بما تكتنز من إيقاعات وتواترات وتداعيات، طالعة من قماشة التجربة وليست نازلة عليها.

لذا لا يبدو نهيد درجاني في باكورته الشعريّة "أنا بريء من دم هذا الشعر"*، بريئاً كما يدّعي. إذ يبدو أنّه في صراع يوميّ ومزمن مع الشعر، مذ كان يتنفّسه يافعاً في صباه حتّى اليوم حين قرّر طباعته. كأنّه قرّر، بطباعته، قتله. ربّما يكون في قراره هذا ضربٌ من الصواب، بحيث أنّ الشاعر يقتل فعلاً شعره حين يقرّر أن يرميه بين دفّتي كتاب. يرميه ليرتاح. وبذلك ينتهي عراكه الطويل معه، فيسلّم جثّته إلى القارىء ويكون بهذه الطريقة تنصّل من دمه وألقى وزر جريمته عليه. وربّما أيضاً، وفي المقابل، تصحّ فيه نظريّة أخرى مضادّة مفادها أنّ الشاعر يموت حين يولد كتابه. أيْ ما إنْ يولد الشعر حتّى يموت الشاعر.

هكذا تفوح رائحة المؤامرة هنا في العلاقة بين الشاعر وشعره.

وهكذا يغدو نهيد والشعر، في لحظة متواطئة، قتيلين يتعانقان على ضفّة واحدة.

"أنا بريء من دم هذا الشعر" كتاب شعريّ لنهيد درجاني، صادر عن دار النهضة العربيّة، يوقّعه الشاعر برعاية البيت الزغرتاويّ نهار الجمعة 26 تمّوز 2019 السادسة مساء في مبنى الكبرى في إهدن، ويتخلّل الحفل كلمة للدكتور الشاعر فوزي يمّين وقراءات شعريّة للمحتفى به. 


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم