الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

صرخة من طرابلس... الحريق قيد التحقيق وللاسراع بالترميم

المصدر: "النهار"
طرابلس - رولا حميد
A+ A-

كانت الساعة الأولى والثلث عندما سمع أحمد، أحد أبناء المحلة القاطن على مقربة من الجزء المحترق من سوق جسر نهر أبوعلي، انفجاراً، تلته فرقعات أشبه بتبادل إطلاق نار "قلت في نفسي، هل عادت أحداث باب التبانة - بعل محسن"، يقول لـ"النهار"، وعندما يرن هاتفه، يخبره صديق متصل أن حريقاً اندلع في سقيفات النهر التي يشغلها مئات من مستثمري البسطات للثياب، والأحذية المستعملة المستوردة من الخارج.

خرجنا من المنزل، ولم يمرَّ وقت طويل حتى أكلت النيران الأخضر واليابس، لكن، بحسب أحمد، تمكنت فرق الإطفاء المختصة من إخماد الحريق.

هذا السوق ملتبس النشوء، والإقامة، والتشغيل. كان جزءاً من مشروع "إحياء الإرث الثقافي" لمدينة طرابلس بتمويل من الاتحاد الأوروبي، وقد افترض أن تقام عليها متنزّهات، وحدائق، ومعالم حضارية تكمل مشهد الآثار الغنية التي تحفّ به، أبرزها قلعة طرابلس، وجامع البرطاسي، وجامع الأويسية، وحمام عز الدين، على أن يكون المشهد متنامياً في الإطار السياحي.

شهد المشروع معارضة من هيئات بيئية وتراثية عديدة، لأنه بنظرهم سيتحول إلى فوضى عشوائية في ظل غياب سلطات متخصصة تحافظ على الطابع الذي قُيّض له، على غرار ما جرى في مختلف المبادرات الأخرى، منها سوق الأحد على سبيل المثال، كما تركز الاعتراض على طرح تغطية مجرى النهر الذي تحمل مياهه الأوساخ الملقاة فيه باتجاه مصبه، ولا من يضبط حركة الأوساخ، واحتمال تراكمها تحت السقف الذي خطط له، ونُفّذ، وتحول مع الوقت إلى سوق يمكن وصفه بسوق "البالة"، أي المستعمل من ثياب وأحذية.

يبدأ السوق من جسر السويقة غرباً، حيث سقف النهر يمتد لمسافة تناهز الثلاثمائة متر. لم تترك التطورات، والمسالك اللبنانية الطابع، الموسومة بـ"ثقافة" الحروب، أو الأحرى بسلوكها، الكثير من المجال، والوقت للمعترضين لتتحقق توقعاتهم، ولم تكن نبوءات. سرعان ما تحول مفهوم "الإرث الثقافي" إلى مساحة انقضّت عليها أيادٍ تتقن ضبطها، وتحويل اتجاهاتها بما يتناسب مع مصالحها، فحولت المكان بسرعة فائقة إلى بسطات، تحت شعار الاستثمار من قبل فقراء بلا مداخيل. يتضح لعابر السوق أن "الإرث الثقافي" لم يحن أوانه، ولا الثقافة بطابعها العام قد جاء وقتها، والمشهد يؤكد أن الواقع لا يزال أمام تداعيات الأحداث، وما خلّفته من فقر، وتشرّد، وبطالة، وبالتالي البحث عن لقمة العيش أولاً بأول.

فشلت اعتراضات القيمين على تنفيذ عشوائي لمشروع الإرث الثقافي، لكن إرادة الطرف الآخر انتصرت، وبنتيجة ذلك، نظمت البلدية عملية استثمار للراغبين في إقامة منصّات محدودة المساحة، يستثمرها أشخاص يُفترض أن يكونوا من مدقعي الحال، وليس أمامهم إلا الاستثمار هنا، أو البطالة، وهذا ما صرح به أحدهم ممن فقد بسطته في الحريق.

تشكل سوق "البالة" من سقالات، وركائز حديد، مسقوفة بالفيبرغلاس، مسافة أربعة أمتار بين الركيزة والأخرى، وفي هذه المساحة، عرض المستثمرون بضاعتهم في اكتظاظ بسطات، وبضاعة لم تترك نقطة صغيرة "للإرث الثقافي"، وحولت المحلة إلى ما تخوف منه بيئيون وتراثيون إن في مجلس البلدية، أو من الهيئات المدنية المتعددة، أن الفوضى والتشويه سيعمّان المحلة.

بسرعة كبيرة قضى الحريق على جزء من السوق، وتمكنت إطفائيات المدينة التابعة للبلدية والدفاع المدني من إخماده، لكن شدة الهواء كانت تعيد الاشتعال.

يشرح كريم حرفوش ممن أتى الحريق على بسطتهم، كيف سقطت شجرة نخيل محترقة فوق الجزء المطفأ، فأعادت إشعاله، وكان ذلك قرابة الصباح، فهرعت الإطفائيات مجدداً لإخماده، وساعدهم الباعة، و"جمعنا الأحذية، والثياب بسرعة ورميناها بعيداً حتى لا تشتعل، وتمكنّا مع رجال الإطفاء من ضبطه، ومنع تفاقمه ليطال بسطات أخرى".

عند الأولى بعد الظهر، كان فريق من الجيش اللبناني، يرجَّح أنه من الهئية العليا للإغاثة، يقوم بمسح الأضرار بمرافقة شرطة بلدية طرابلس، والمتضررون ينظرون إليهم بانتظار فرج قريب قبل الأعياد.

كل العاملين في السوق يتحدثون بلغة واحدة: خسرنا كل ما لدينا. نطلب من البلدية والحكومة حل مشكلتنا بأسرع ما يمكن، لأننا فقدنا مصدر عيشنا الوحيد، وكنا نأمل أن نحقق بعض المبيعات الأعلى لمناسبة العيد الكبير- الأضحى.

كل أصحاب البسطات لا يستبعدون العمل التخريبي، لكنهم لا يملكون ما يؤكد توقّعاتهم، تاركين التحقيقات تأخذ مجراها، ليتبين إن كان الحريق عفوياً أم مخطّطاً له.

من الأشخاص المتفاعلين مع المستثمرين، الوجه الشعبي المعروف زياد علوكي الذي قال: "هذه المنطقة المنكوبة المعترة، كأنه لم تكفِها الحروب، طرابلس أم الفقير وأم التعتير، أين توجد الفلافل بـ250 ليرة إلا بطرابلس؟ 300 عائلة تضررت، وإذا لم يشتغلوا ما بيطلعوا قوتهم، وقوت عيالهم. الخسارة بالملايين على كل بائع. الحادث لا نعرف إذا كان مفتعلاً أم لا، والتحقيقات بيد الدولة التي تعطي كل صاحب حق حقه، فهناك كاميرات، ومعطيات يمكن أن توصل أجهزة الدولة إلى معرفة الحقيقة".

أضاف: "المطلوب التعويض بسرعة، لأننا قبل أيام قليلة من العيد. وإذا لم يعد الوضع إلى حاله، فسيكون هناك كارثة اجتماعية لا تُحمد عقباها".

وتحدث أحمد الحموي عن خسارته التي فاقت الخمسة آلاف دولار، وروى كيف تجدد الحريق عندما انكسرت إحدى الشجرات وسقطت على السقالات.

علاء عويضة وظف عشرة آلاف دولار في بسطته، وقال: "طارت بدقيقة، ولم أعد أملك ما أعمل به. أطلب التعجيل بالتعويض".

كريم حرفوش طالب بالإسراع بالتصليح "عسى نعود للشغل كم يوم قبل العيد".

طلال شمسين روى كيف أنقذ أولاد الحي سيارته لنقل الركاب قبل أن تصل النيران وتلتهمها.

مصطفى الباشا طالب بالإسراع بالتعويضات "فليس عندنا مدخول آخر، ولا نعرف سبب الحريق".

أحمد أفضالو قال إنه بسبب الحريق "تدينّا ثمن ربطة الخبز في اليوم الأول للحريق، وأدعو للسرعة بالترميم قبل العيد".

الباعة بدأوا تنظيف أمكنة بسطاتهم، وجمع الحديد الذي يشكّل منصّاتهم، آملين في العودة القريبة إلى العمل.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم