السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

تحويل عقليّة لبنان الفعليّة: الثروات أوّلاً، المشاكل لاحقاً

المصدر: "النهار"
لين زوفيغيان
تحويل عقليّة لبنان الفعليّة: الثروات أوّلاً، المشاكل لاحقاً
تحويل عقليّة لبنان الفعليّة: الثروات أوّلاً، المشاكل لاحقاً
A+ A-

لقد قدّمت في الأسبوع الماضي العديد من الأسئلة الحرجة والحسّاسة، التي تلعب دوراً محوريّاً في تعريف استراتيجيّة استثمارنا الوطنيّة في لبنان.

في ميدان "سياستنا" (أي مناوشتنا قصيرة النظر)، نادراً ما نكون نتحدّث في الحوار الوطني المطلوب والصحيح. لكن بالرغم من ذلك، كثيراً ما نفاجأ عندما نجد أنفسنا نتّخذ القرارات الخاطئة من أجل بلدنا.

الانتهازيّة تحكم آليّاتنا في بناء الأمّة مكان الاستثمار الاستراتيجي وطويل الأمد.

عدا عن ذلك، من السهل جدّاً أن يُثقَل كاهلنا بمشاكلنا الوطنيّة. أيٌّ من هذه المشاكل سنواجه أوّلاً؟ هناك طيف كامل من أنواع المشاكل وفصائلها: لدينا المشاكل المسيطر عليها والمشاكل السامّة فالمشاكل الهدّامة. نحن مشغولون بالتركيز على الأعباء وعلى العوائق، إلى درجة أنّه لا طاقة نفسيّة أو عاطفيّة لنا لنركّز على الثروات وعلى عقليّة النموّ.

العقليّة الفعليّة هي المشاكل أوّلاً والفرص لاحقاً. هكذا عقليّة ترسّخ روح النجاة لدى الشعب عامّة. وسيلة المقاربة هذه منهكة ومستنزفة ومُحبطة، وليس لها حتّى بصيص ضوء في آخر نفقٍ لامتناهٍ!

إذن، دعونا نتكلّم عن استراتيجيّة استثمار وطنيّة، عن استراتيجيّة تتمحور حول الثروات وترتكز على بناء الأمّة على المدى الطويل، بما يسمح لنا أن نحقّق أخيراً معدّلات نموّ للناتج المحلّي الإجمالي تكون مستديمةً بحقّ. دعونا نتجرّد من الأعباء والقطاعات ضعيفة الإنتاج والأطروحات الفاشلة، والتي علينا تركها كخطوة ثانية في معادلتنا الاستراتيجيّة.

ما هو الواقع الاقتصادي الجديد الذي يمكننا إعماله على المدى الطويل؟

حظر السفر إلى بلادنا آخذ بالتراخي، والناس متحمّسة لزيارتنا. في الشهر الماضي، أعلنت وزارة السياحة عن نسبة مثيرة للإعجاب بلغت 5.5% عن السنة الماضية لأعداد السيّاح القادمين إلى لبنان ما بين كانون الثاني وأيّار لسنة 2019. في ختام شهر أيّار كان قد زارنا 692,704 سيّاح. بالمقارنة، شهر أيّار لسنة 2010، السنة الذهبيّة للسيّاحة عندنا، كان العدد وصل إلى 732,955 سائحاً في الأشهر الخمسة الأولى لتلك السنة.

أجل، من البديهي الآن أن نركّز على مكاسب سريعة وعلى بناء سعة وإمكانيّة الفرص طويلة الأمد في القطاع السياحي. لحظات وأشارك معكم بعض الأفكار في هذا السياق.

لكن قبل ذلك، أريد أن أتحدّث عن الحاجة إلى تطوير وتفعيل والاستثمار في استراتيجيّة وطنيّة للشركات الصغيرة والمتوسّطة. تكلفة الفرصة والبدل الضائع ستكون غالية إن لم نفعل ذلك.

المواهب اللّبنانيّة قد تكون أعظم ثرواتنا. على استراتيجّيتنا الوطنية في الاستثمار أن تتبنّى الشركات الصغيرة والمتوسّطة وتضعها في الطليعة. هكذا استثمار واسع المدى يعتبر عملية استثمار ذكيّة لعدّة أسباب جيّدة. إنّها أيضاً متينة وممتدّة، بالذات في حال عادت تحذيرات السفر إلى لبنان بالفعل.

بوجود الشركات الصغيرة والمتوسّطة الحجم في صلب استراتيجيّتنا الاستثماريّة المتمحورة على الثروات، سيكون بإمكاننا تصوّر الفرص الاستثماريّة في قطاعاتنا التنافسيّة والمميّزة نسبيّاً.

السياحة هي واقعيّاً عبارة عن حقيبة مكوّنة من مختلف القطاعات والفرص المجتمعيّة والاقتصاديّة. لدينا أسس مذهلة للسياحة الثقافيّة والدبلوماسيّة الثقافيّة، شكراً لثرواتنا التاريخيّة والأثريّة المهمّة. إنّها تجارب سياحة محليّة وعالميّة من النخب الأوّل، ولم يتم تبنّيها بعد كركائز أساسيّة في هويّتنا. بإمكان الشركات الصغيرة والمتوسّطة أن تتولّى تصميم وتوفير المنتجات والخدمات السياحيّة المختارة، كلّها "صنع في لبنان"، عدا عن إمكانيّتها تمويل إمكانيّات التصميم والتصنيع والتسويق المحلّيين.

السياحة العلاجيّة لم تفعِّل بعد إمكانيّاتنا وكفاءاتنا الطبيّة الممتازة بشكلٍ حقيقيّ. لدينا أفضل الأطبّاء والطبيبات، وجيش من الممرّضين والممرّضات الطيّبين الكفأة، وأساسات قويّة في تقديم خدمة نوعيّة تعاطفيّة. حان الوقت للاستثمار في التسويق الذي نبدع فيه. هناك إمكانيّة للشركات الصغيرة والمتوسّطة أن تلعب دور حلقة الوصل وتوفّر خدمات المواصلات، وتشبيك وكالات السفر بزبائن الصحّة، عدا عن شركات المراسم المتخصّصة في خدمة القطاع الصحّي، أقل ما يقال عنها أنّها إمكانيّة جديّة. هذا كلّه دون التطرّق إلى روّاد الأعمال في التكنولوجيا، الذين يشكّلون أرضاً خصبة وشبكة متشابكة لتطوير الحلول التطبيقيّة العابرة للحدود.

لا أقول أيّ شيء لا نعرفه سلفاً، لكنّ وضع النقاط على الحروف يقلب الأفكار المبهمة إلى استراتيجيّة استثمار وتنمية اجتماعيّة اقتصاديّة للأمّة.

أمّا بالنسبة للخطوة المقبلة: كيف لنا أن نصبح مهيّئين للمستثمرين؟

على الحكومات المانحة أن ترغب في الاستثمار فينا، علينا أن نكوّن استثماراً ذا قيمة. لا يكفي أن نرفع الثقة في الدولة ونثبّت مستويات الفائدة المدفوعة على الدَين الوطني، وأن نواجه أعباءنا فحسب. علينا أن نكون وجهة جذّابة لرأس المال الاستثماري الذي يمكن بكل سهولة أن يذهب إلى مكان آخر.

والآن إلى سؤالي الأخير: إلى أين يجب أن نأخذ زمام المبادرة وندعو الدولة والحكومات المانحة للانضمام إلينا؟

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم