الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

مراعي الصباحات

بادر سيف
A+ A-

تلك المراعي، عشب الأفكار، ذكريات تناغم موسيقى منبعثة من طفولة موسومة بثغر اللوز والتفاح...

المراعي القشيبة، كل ما بها بهيّ.

أسافر معها في صمت الحروف، أصلّي لقمر ساجد لعصافير البُرك وبجع النافورات الزرقاء، باحثاً عن مشاتل الكلمات المنبسطة في وصيد الوهم وترهّل الوحدة، أقطف من رمّانة الصيف محابق الصوت وهو يودّع بحّته المتوهّمة أنها وصلت إلى زمن اللارجوع، تلك المراعي...

تلك المراعي من لونٍ به الحمرة تعني جمرة العشق، والأصفر دهشة الفصول، لمّا يداهمها الشتاء أمطاري تنهمر شلال دموع، مسترسلة في مجرى الحصى، والشمعدان يقضي ليله ساهراً، أما الأخضر فعشب المراعي، خضرة القلب المسكون بالحب، المغسول بكوثر الله، مصفًّى كلبَن أمّ متعطّشة إلى لثمة رضيعها.

من السهاد يجيء الليل ليسكن بؤبؤ الفلز الملتهب بفعل الذكريات. من ضمّة الصدر يجيء الدفء عبقاً سهلاً، مكتنزاً بصوفية الشعراء وتلويحة الأيدي المودِّعة. من نظرة طائشة عابرة يسكن الحب مفاصل فكرة، والفكرة ترحل إلى بياض الثلج، أما الثلج فقصّة طويلة مع سمر الليالي والزعتر البرّي. تلك المراعي كلما داهمتُها باحثاً عما أبتغيه، إلا سكنها الفَراش ودود القز، لأجد في صحو الضمير راحة لمّا أفرك الأعداد والجهات الأربع...

سأمحي إذاً من معضلات دفاتري حكمة البدء

ومستهلّ الحديث عن العشب وشرفة الدرب الدامي، أصرخ لمّا تتقاطع المروج والروابي والمراعي. كطوفان يقطف الصبر من وجه طفل تائه أسمّي الشمس ثديَ الأرض، أما مدن الله أحوِّل وجهتها إلى ما يجعل غصن اللقاء شبيه حوض السورة انصهر من ضيم الفكرة، ترجّني مرايا الجواب، وكم تسعدني فلسفة البحث عن الظل في صحراء الوجود، هنا أمواج الجبين لها هالة المستودع الموحش، والحب مدينة أنثى ودرب يصرخ من عبور الملح، فهل الصخر أساس الركن؟ أم السواد مولع بلهب مقدس؟ قادر أن أعبر النهر ليأتي العشب مرادفاً لفاتحة السؤال، والحياة خطوة خطوة نرسمها بأسمالها وجمالها لينمو الخيال على هيكل الطبيعة المتجذرة في طقس الخنوع.

كم أنا ملغّم بحضارة الأسماء أبحث عن سعادة مفقودة في مستقرّ الدمع والأناشيد المنسيّة، فيا أيها الواقع ليتك أملس كشعر حبيبتي الصغيرة أو منعش كنسيم الصباح أو بيت دافئ أسكنه كلما تجمّدت التمائم في أحجار المعابد. وتلك المراعي حين أقيّدها بجسد الذرّات الباحثة عن خطوة لتفسير الحزن تصاب تمائم الدفء بداء المسافات ووعثاء الحب، أما شعلة الذكريات فأرمقها ببساطة الخليقة وخيلاء الكلمات الموجعة كدم ثائر يعطي لنفسه هويّة الصبر والبحث عن باب الكتاب المكتنز بأغاني الحضارة والرموش.

هناك من يغنّي لبحر يسافر مع نغمة المساء. هناك من يرقص على ظل مئذنة كلما استراح من عبادة السهو. وهناك من يسافر عاصفاً قشّ الرؤى برمح التخيل، سابحاً في صباحات المراعي المرسومة بصفاف أخضر، لذا كلما داهمني طيف لفاتحة العالم أراوغ صحرائي المقدسة برائحة الجنون، أستلّ من اسمي شوقاً ضارباً في كبد النأي، أقشّر صخرة البسمات بما يشبه الصعود إلى الغصون، وأقلّب الرمل علّه يعلّم خفافيش اللحن كيفية الولوج إلى مدن الله. ومَن أنت كي أنام على أمواج الأبدية؟ أصنع من ثلج مغطّى بقشّة البسمة استراحة عابرة على ضفاف الحواس المفتوحة على أبعادها المضطهدة، فمن يحمل هذه البساطة على أرائك المراعي الصهباء؟ ومن يدجّج غياب اليمّ عن فلزات الأسماء ليركلها بخّور كلمات أو صدأ حضور؟

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم