الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

حديث بوتين عن نهاية الليبيراليّة... يضعه في خانة اليمين المتطرّف؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
A+ A-

مناهضة "الإملاء"

خلال المقابلة، أبدى بوتين امتعاضه من النظام الليبيراليّ قائلاً إنّ الليبيراليّين "لا يمكنهم ببساطة إملاء أي شيء على أي شخص تماماً كما كانوا يحاولون فعله خلال العقود الأخيرة". وأضاف: "هذه الفكرة الليبيرالية تفترض سلفاً أن لا شيء يحتاج لأن يتمّ إنجازه. أن يكون بوسع المهاجرين أن يقتلوا ويسلبوا ويغتصبوا من دون عقاب لأنّ حقوقهم كمهاجرين يجب أن تكون محمية". وتابع في المقابلة نفسها: "على كل جريمة أن يكون لها عقوبتها. الفكرة الليبيرالية عفا عليها الزمن. لقد أصبحت في نزاع مع مصالح الغالبيّة الساحقة من السكّان".

يتبيّن من سياق الحديث أنّ كلامه عن الليبيراليّة جاء في إطار التطرّق إلى ملفّ استقبال المهاجرين واللاجئين وما ينظر إليه الرئيس الروسيّ على أنّه "فرض" من الأحزاب الليبيراليّة على التعاطي مع هذا الملفّ بطريقة أحاديّة. وكان قد وصف طريقة استقبال المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل للاجئين بأنها "خطأ جسيم".



لا يعني كلام بوتين أنّه مؤيّد لليبيرالية بالضرورة. لكن بالمقابل، قد يتفادى الرئيس الروسيّ مهاجمة القيم الليبيراليّة علناً في مقابلة إعلاميّة وقبل انعقاد قمّة مجموعة العشرين في اليابان. لهذا حصر انتقاده للنظام بنقاط قليلة جدّاً من بينها مقاربة الليبيراليّين لهذا الملفّ. في نهاية المطاف، استغلّ بوتين تدفّق اللاجئين خصوصاً من سوريا إلى أوروبا لفرض مزيد من الضغوط على أنظمتها السياسيّة وهذا ما نجح فيه إلى حدّ بعيد. وذكر أنّ موجات اللاجئين من مناطق النزاع في أفريقيا والشرق الأوسط رفعت مستوى الجريمة والضغوط الاجتماعيّة التي غذّت الشعور المناهض للمؤسّسة في أوروبا.


"خمسة أو ستة أدوار جندريّة"

بالحديث عن الليبيراليّة أيضاً، يأخذ معتنقو هذا التوجّه على روسيا عدم احترامها لحقوق المثليّين والمتحوّلين جنسيّاً. ردّ بوتين على هذا الكلام بطريقة واضحة. ففي سياق تحدّثه عن الشعور المناهض للمؤسسة، أشار إلى أنّ الحكومات الأوروبية لم تقم بالخطوات اللازمة لطمأنة المجتمع لكن عوضاً عن ذلك اتّبعت تعددية ثقافية غافلة داعمة للتنوّع الجنسيّ من بين أمور أخرى:

"أنا لا أحاول إهانة أحد لأنّنا اتُهمنا بسبب مزاعم حول رهابنا من المثليّة. لكنّنا لا نملك مشكلة مع أشخاص ‘أل جي بي تي‘. لا سمح الله، فليعيشوا كما يرغبون. لكن بعض الأشياء تبدو مبالغاً بها بالنسبة إلينا. إنّهم يدّعون أنّ بإمكان الأطفال أن يؤدّوا خمسة أو ستّة أدوار جندريّة". وتابع: "دعوا الجميع سعداء. لا مشكلة لدينا في ذلك. لكن يجب ألّا يُسمح لذلك بإلقاء ظلاله على ثقافة، تقاليد وقيم العائلة التقليديّة لملايين البشر الذين يشكّلون أساس السكّان".


هل ينتمي للوسط؟

إنّ انتقاد بوتين للنظام الليبيراليّ هو جزء من انتقادات كثيرة وُجّهت لهذا النظام على المستوى الدوليّ، ولم يشكّل نظرة خاصّة ببوتين وحده. رأى بروفسور العلاقات الدوليّة في "كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسيّة" مايكل كوكس أنّه "بوضوح، نوع النظام الليبيرالي الذي شهدناه حتى سنة 2008 واقع في مشكلة" حيث عبّرت الأزمة الماليّة في تلك السنة عن منعطف بارز سمح للأسواق "بتحديد كلّ شيء". ومع ذلك، قال لهيئة الإذاعة البريطانيّة "بي بي سي" لا تزال معظم دول العالم تتّبع هذا النظام، فيما عنى موقف بوتين أنّ لدى روسيا "نوعاً محدّداً ومختلفاً من الحضارة، حيث تتفوّق السيادة على الديموقراطيّة والوحدة الوطنيّة تتغلّب على حكم القانون وحقوق الإنسان".



من جهة ثانية، وقبل أيّام من مشاركة بوتين في مجموعة قمّة العشرين التي عُقدت في أوستراليا سنة 2014، كتب مراسل الشؤون الدوليّة في شبكة "أي بي سي" الأوستراليّة ماثيو دال سانتو أنّ بوتين ليس متطرّفاً قياساً بموقعه في المشهد السياسيّ الروسيّ. وفقاً لدال سانتو يوازن بوتين بين القوى المتنافسة التي تسعى لنقل روسيا إلى الغرب وتلك التي تحلم بالانتقام السوفياتيّ. وممّا ذكره سانتو في تقريره، مقال لعضو اتّحاد الكتّاب الروس وناشر صحيفة "زافترا" المتشدّدة قوميّاً ومنظّر علنيّ لدمج التصوّف الأرثوكسيّ بالبروباغندا الستالينيّة والحنين السوفياتيّ، ألكسندر بروخانوف في صحيفة "إيزفستيا" الروسيّة تحت عنوان "المسيح قام في نوفوروسيا". ووصف في مقاله منطقة دونباس الأوكرانيّة بأنّها "الناصرة الجديدة" التي تحقّق نبوءة قديمة بأنّ موسكو هي "روما الثالثة". وهذه إشارة إلى أنّ وجود تيّارات داخليّة على يمين أفكار الرئيس الروسيّ.


"إمبرياليّ"

ثمّة أكثر من رأي للخبراء في الشأن الروسيّ ينفي أن يعتنق بوتين الفكر اليمينيّ المتطرّف. رأى الكاتب ليونيد برشيدسكي في شبكة "بلومبيرغ" أنّ بوتين "محافظ ثقافيّاً"، وعلى مستوى التوجّه الجنسيّ، ساهم بترقية أشخاص معروفون بمثليّتهم مضيفاً أنّه سيكون "مبالغاً به" اعتبار المثليّين مضطهدين في روسيا باستثناء الشيشان. وفي الهجرة، يبدو بوتين "أكثر ليبيراليّة من معظم القادة الأوروبيين" حيث رفض دعوات فرض تأشيرات المرور على العمّال المهاجرين من وسط آسيا علماً أنّ غالبيّتهم مسلمة. لكنّ برشيدسكي رفض كلام بوتين بأنّ القيود التي يفرضها على المهاجرين كاحترام القانون الداخليّ أفضل من القيود الأوروبية في هذا المجال.



وأوضح أنّ بوتين هو "إمبرياليّ من المدرسة السوفياتيّة القديمة لا قوميّ أو عنصريّ". هو "بالتأكيد ليس ليبيراليّاً" لكنّه أيضاً "ليس يمينيّاً متطرّفاً أو يمينيّاً بديلاً". وأضاف أنّ ما رآه بوتين منتهياً ليست المقاربة الليبيراليّة للهجرة أو الجندرة أو الاقتصاد بل النظام الليبيراليّ العالميّ المؤلّف من تحالفات دوليّة ومؤسّسيّة ثابتة، حيث لا يريد سوى إبعاد حديث القيم عن السياسات الدوليّة التي يجب بناؤها على علاقات براغماتيّة ذات مصالح محدّدة.

صعوبة التصنيف


قد لا ينتمي بوتين إلى اليمين المتطرّف لكنّ تأييده فصل القيم عن السياسات العالميّة يمكن أن تناقض فكرة برشيدسكي بأنّ بوتين يستهدف ليبيراليّة النظام العالميّ لا الليبيراليّة الجندريّة أو الثقافيّة. وعلى أيّ حال، ينظر الفكر المحافظ بما فيه الفكر الغربيّ نظرة تشكيك إلى هذا النوع من الليبيراليّة. وتمييزه بين طريقة تعامل روسيا مع المهاجرين وطريقة تعامل أوروبا معهم تدلّ أنّ منطلقات موقفه تجاه التعدّديّات الثقافيّة مختلفة عن منطلقات موقف الليبيراليّة الغربيّة. في نهاية المطاف، يبدو صعباً تصنيف بوتين في خانة سياسيّة فكريّة محدّدة، إنّما على عكس سهولة تصنيف مواقفه وأفكاره من النظام العالميّ المعاصر.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم