السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

أوقِفوا هذا الهراء!

عقل العويط
عقل العويط
أوقِفوا هذا الهراء!
أوقِفوا هذا الهراء!
A+ A-

دأبت جامعاتٌ لبنانيّة عدّة على منح شهادات دكتوراه فخريّة، لشخصيّاتٍ سياسيّة، ماليّة، اقتصاديّة، أمنيّة، أو دينيّة، جريًا على تقاليد أكاديميّة مرموقة في بعض الجامعات العريقة في العالم، تكريمًا لإنجازٍ عظيم حقّقه مرجعٌ علميٌّ - ثقافيّ – فكريّ – إبداعيّ... أو وطنيّ، عرفانًا بدورٍ، ووفاءً لجميل، ودائمًا وفق معايير متشدّدة لا غبار عليها ولا شبهة فيها.

أخذت جامعاتنا هذه التقاليد، ونسختها. بل مسختها، في الغالب الأعمّ إلّا نادرًا، من دون أن تنظر عميقًا في الموجبات التي تستدعي منح هذه النِعَم، الموازية، افتراضيًّا، لكرامتها ولصدقيّتها الأكاديميّة ولدورها الطليعيّ في المجتمع. بل أيضًا وخصوصًا، من دون أن تأبه للآثار السلبيّة المترتبّة على ذلك. أقول ذلك بدون تعميمٍ بالتأكيد، مفسحًا في المجال أمام شهاداتٍ فخريّةٍ ممنوحةٍ باستحقاق، في لحظاتٍ مشهودةٍ من تاريخنا الأكاديميّ والثقافيّ، كنّا نشعر خلالها بالاعتزاز لدى سماعنا بحصول رمزٍ ما، وطنيٍّ أو معنويٍّ، على شهادةٍ فخريّة كهذه.

على هامش هذه اللحظات القليلة المشهودة، أمعنت بعض جامعاتنا في التسابق (التنافس!) على توزيع شهاداتها الفخريّة، يمنةً ويسرةً، وفي الاتجاهات والمستويات كلّها، حتى بلغ الهراء هذا مبلغه التسويقيّ – التجاريّ – الاستعراضيّ (الارتشائيّ؟!) غير المسبوق.

في وقتٍ "يغتال" أهل الحكم والمسؤولون ورجال المال والدين والدنيا مواطنيهم، ويمصلون دماءهم، ويرمونهم مع أبنائهم، على أرصفة الأقدار المشؤومة، لا أفهم كيف "تهرق" الجامعات شهاداتها على أمثال هؤلاء، ممّن لم يُعرَف لهم إنجازٌ مهمٌّ في حقلٍ عامً، ولا في حقلٍ خاصّ. رؤساء جمهوريّات وحكومات ومجالس ونوّاب ووزراء وأهل نفوذ ومال وجاه وإقطاع وفساد وإفساد وشخصيّات ممّن هبّ ودبّ، حازوا شهاداتٍ مماثلة، منحتهم إيّاها جامعاتٌ لبنانيّة، في احتفالاتٍ صاخبةٍ، من دون أن يكون كُثُرٌ من هؤلاء قد انتشلوا بلادًا من كبوتها، أو تركوا أثرًا عميمًا، أو أحرزوا نقلةً نوعيّة في حياة مواطنيهم.

ألا يكفينا ما يُزوَّر من شهاداتنا الجامعيّة، الممنوحة بعلم مانحيها أو من دون علمهم؟ وهل يجوز أن تتخلّى الجامعات عن مهاباتها ورصاناتها إلى هذا الحدّ؟ ومن أجل ماذا؟ أمن أجل حفنة دولارات، أم من أجل حفنة مجدٍ تافه؟ أيكون المال هو السبب؟ أم الحصول على حظوةٍ ومكانةٍ ونفوذٍ وشهرة؟ أم تأكيد شرعيّةٍ أكاديميّةٍ ملتبسة، وربّما مفقودة؟

في غمرة ما يعتري أخلاقيّات مجتمعنا وسياستنا من تخلّفٍ وانحطاطٍ وفساد، نهرع إلى الجامعات الرصينة والمرموقة لنتّقي الشرور التي تحاصرنا من كلّ حدبٍ وصوب.

رجاءً، أعيدوا إلى الجامعات مهاباتها ورصاناتها ومعاييرها الأكاديميّة والفكريّة والثقافيّة والإنسانويّة.

بدل هذه الشهادات التي لا تساوي شيئًا يُذكَر في تاريخ الجامعات، والتي تجرّح أملنا الباقي في الحصون الأكاديميّة، رجاءً: انصرِفوا إلى إعادة النظر في معنى الجامعة ودورها ومسؤولياتها، بل تحدّياتها الراهنة والمستقبليّة، وأوقِفوا فورًا هذا الهراء!

[email protected]

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم