الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

الشاعر والفنان غسان علم الدين كان حاضرًا في أربعينه بسيدني

سيدني – أمان السيد
A+ A-

شهدت قاعة وايت كاسل على كانتبيري رود في لاكمبا، مركز جمعية كفرحلدا، في سيدني، حشدا حافلا من الشخصيات الإنسانية، شاركوا في حفل التأبين الذي أقامه الأصدقاء للشاعر والفنان اللبناني الأوسترالي غسان علم الدين، في ذكرى أربعين غيابه، هو الذي كان علما من أعلام الشعر والأدب، والفنّ، ورمزا من رموز الحداثة الشعرية، والأصالة الفنية.

قدّم للحفل الإعلامي عدنان مرعي، وتكلم الدكتور مصطفى علم الدين، كريمة الفقيد سارة علم الدين، الدكتور رغيد النحاس، عمر علم الدين، الشاعر شربل البعيني، السيدة لويزا رومانوس، السيد مصطفى حامد، رافق العقابي، الفنانة غادة ضاهر علماوي، أدّت مع فرقتها "الأندلس العربية " عددا من الموشحات الأندلسية، وختمت الأديبة أمان السيد زوجة الفقيد، وأنهت بإلقاء مقاطع شعرية من أحدث ما سيصدر للفقيد الشاعر في لبنان، جمعها عنوانان "شمس مختبئة في صدري"، و"المدن".

ومما قالته أمان السيد: "غسانُ الشاعرُ، الفنّانُ، الموسيقيُّ، المُلَحِّنُ، المثقّف، الرائدُ في أيّ مجال استدعاهُ، أحبّكُم، وأحبَّ الجميع، أكادُ أسترجعُه الآن، وهو يتّصلُ بأصدقائه فردا فردا ليُثمّنَ حُضورَهم مناسباتِه، غسانُ، الإنسانُ الذي تسربلَ بعباءة الطفولةِ، والمَنبِتِ، الذي عشقَ - المِنيةَ - مُنيةَ روحِه، فصارتْ له المَنِيّةَ، وتولّهَ بطرابلسَ وبلبنانَ بجُمعِه، وبتاريخِهما، وإحباطاتِهما، كان يحمّلني رسائلَ، يُعيدها مراتٍ، ومراتٍ، ثم يختبرني مثلما يُختَبرُ التلاميذُ، فهل تُراه كان يريدُ أن يتأكدَ أني وَعِيتُ أحداثَ طفولتهِ وأهلهِ وجيرانهِ جيدا، فهنا كان بحرُ المِنيةِ يتباهى بأمواجه العسليّةِ المُشذّبةِ بزُرقةِ السماء يخبِطُ نافذتَه وهو غارقٌ في عَتمةِ البيت الكبير مع كتبه، وعُودِه، وعبدِ الوهابِ، وأسمهانَ، وأطيافِ أمّهِ وأبيه، وإخوتِه الذين تشتّتتْ بهم الأصقاعُ، والأرجاءُ، هنا بيتُ خالتي خدّوج التي لا تسكت عن كلمة الحقّ، هنا جيرانٌ لنا حيث الديكُ يزعجُ الفجرَ الآنِسَ، ويمحقُ الضّياء، هنا بيوتٌ لأقربائي، آل علمِ الدينِ أعلام المَنطِقة، أنسابهم، وسُلالاتهم، تجبُّرهم، وِغلظتهم تِجاه من تُوسوِسُ لهم رغائبُهم تشويشَ دمائِهم، تشبّثُهم واستقواؤُهم ببعضِهم، هنا دُكّانُ ديبِ الشّرّ بطلِ روايتِه التي لم تكتمل، هنا خفايا اطلع عليها منه وهو حَدَثٌ لم يبلغِ التاسعةَ من عمره، ما جَرُؤَ على البوحِ بها لأخيه الأستاذِ أحمدَ، أخي أحمد خيرُ من أنجبَ آلُ علمِ الدينِ، ومَنْطِقَتُهم، وهنا أرضٌ تحتفي بكثير من الكنوزِ والآثارِ التاريخيةِ، والدينيةِ، وهنا كانت بساتينُ الليمونِ التي غدرَ بها أصحابُها لُهاثا وراء التّحضّرِ، واكتراءِ المال".

ومما قرأت له: الشمسُ الّتي خبّأتهُا دهورًا في صدري/ ها تبزُغُ طوابيرَ بشرٍ/ يغادرونني بلا أدنى التفاتةٍ،/ بلا حتى ولو إشارة/ كأنّني ظلامُ القاعِ الرّهيب،/ كأنّني القاعُ،/ كأنّني الرّهيب/ أشعّتي الّتي ذات بردٍ وشتاءٍ عاصِفَين/ أذابتْ جبالَ الجليدِ هناك:/ ثبّتوا نَظراتِهم في قُرصِ ظهيرتِها،/ لم يرفَّ لهم جفنٌ./ رغم ذلك حمّلتُهم برتقالِي،/ وُرودِي، زَيتوني، تُموري،/ مَضَوا،/ لم يترُكوا لي برتقالة، حبّة زيتونٍ،/ ثمرةً، وردةً واحدة./ وقفتُ في صحراءِ حضورِهم،/ أتصارعُ وبقاياهُم المرميّةَ،/ كالفرسانِ الفارّينَ من المعركة،/ ألملِمُهم حَطباً لا يصلُحُ حتّى ولو وَقُودًا،/ حينما إِبَرُ الصَقيعِ وَنَدفُ الثّلجِ/ في الجبال يخترقانِ العِظام./ انظُرُوا:/ ها هي الدّروبُ الّتي نكتوي بنارِ الظّهيرة،/ ونحن نجتازُ مَسافاتِ الوَهمِ،/ في طريقنا إلى أحضانِ العشيقات".

يُذكر أن غسان علم الدين أمضى حياته متنقلا ما بين لبنان وأستراليا، وكان همّ الوطن، والعوالم الإنسانية شغله الشاغل، وكان الشوق إلى أهله المغتربين البعيدين عنه يقضّ مضجعه، فلا يجعله مستكينا، ولا هادئا إن في أوستراليا، أو في لبنان. عانق الحداثة في ما كتب من الشعر، فضاهى، بل تفوق على الكثيرين ممن تغصّ بهم الساحات الإعلامية ظهورا خاويا، فلم يكن يعنيه ذاك النوع من الظهور، بل اكتفى بالنزف وهو يكتب عن المستضعفين، والمهمشين، والمقهورين، وعن بلدته المنية التابعة لطرابلس، ضمن أسلوب يحمل من الشفافية والعمق، وثقافة الفكر ما لم يتأتّ لسواه. نهل من الكتب، والمكتبات العربية، والعالمية جلّها، وحمل عوده ليوقّع عليه الأصالة التي انحدر منها، والتي رافقته طوال حياته، فكان محمد عبد الوهاب سمير جلساته، وتوهّجه البكر، وأسمهان ضالته المنشودة في المرأة الأسطورة بجلال حضورها، وعطائها، وتمرّدها، فراح في أوستراليا يعزف لهما ولغيرهما من العمالقة الشرقيين مستجلبا إلى حفلاته الذوّاقة من المستمعين الذين لا يزالون يقدّرون الفن العتيق، ويُثرونه، وقد يكون ذلك طغى، فجعله يُغفل نشر ألحان كثيرة ألّفها لشعراء معروفين، عمالقة ضمن مشروعه الذي لم يكتمل "أغنّي النثر" كان من بينهم محمد الماغوط، كمال جنبلاط، وديع سعادة، عقل العويط، بول شاوول، عبده وازن، محمد علي شمس الدين، شوقي بزيع، زاهي وهبي، وعباس بيضون، وكان آخر ما لحن قصيدة "إغراء" لصديقه الدكتور رغيد النحاس في سيدني. وكان الراحل قد افتتح أكاديمية شرقية لتعليم الموسيقى، وكتابة الشعر، وعاد إلى تدريس العزف على آلة العود في سيدني، وكانت له أحلامه وآماله النديّة في يقظة الفن الأصيل، وإرشاد الشباب إليه، سلاحا أبيض يواجهون به عناكب الظّلمات.

درس الموسيقى أكاديميا في بيروت، وكتب الشعر، والمقال، وعمل في الصحافة في بيروت في أشهر صحفها، وفي أوستراليا، وكما يقول إنه حمل إلى السّلمية في سوريا أول قصيدة له إلى الشاعر الكبير محمد الماغوط الذي شجّعه بحماسة، قدّرها علم الدين بالفضل، والاعتزاز، والذّكر الدائم، أما عن دوواينه الخمسة المنشورة، التي عنونها بشاعرية مطلقة، جاءت قصائد هايكو بديعة المعنى والروح، "خيط بياض"، "حين سرب فراشات اصطدم بزجاج النافذة"، "أخضر في سهول الجراد"، "يساورني ظنّ أنهم ماتوا عطاشى"، و"محرمة الساحر المطويّة". للشاعر الفنان الفقيد عشرة كتب ترجمها عن الإنكليزية منها، "شجرة الحياة حكايات شعبية من التيبت"، "رجل العشب الأخضر حكايات شعبية من ويلز"، "سيدة البحيرة حكايات شعبية من ويلز"، "سيرة حياة بنازير بوتو ابنة القدر" "أحمد بن حنبل"، "سلسلة الرواد الإداريين في العالم"، "تحطيم الأسطورة"، بالإضافة إلى قصائد كثيرة ومخطوطات لم تتسن له طباعتها، ورواية تتبنى في قصورها وأكواخها مراحل متعددة من حياة الفقيد، وبلدته المنية، بسراديبها، وبمباهجها، رواية كان يقول عنها دائما: "كلما غصتُ فيها أحسست أن بإمكاني أن أنتهي، ولا تنتهي".

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم