الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

أرشيف "النهار" - حلول عملانية للرسوب المدرسي

المصدر: أرشيف"النهار"
Bookmark
أرشيف "النهار" - حلول عملانية للرسوب المدرسي
أرشيف "النهار" - حلول عملانية للرسوب المدرسي
A+ A-
1- الرسوب - لغة - هو السقوط. وهو، في اصطلاح اهل التربية: الفشل في بلوغ الغاية، اي في نجاح التلميذ وفوزه بالرضى والقبول بحسب مقاييس النظام التعليمي. والرسوب المدرسي يفيد حصول ذلك الفشل في سياق التعليم النظامي او المدرسي. وهذا لا يعني بالضرورة رسوبا في الحياة بصفة عامة، او تقصيرا في تحصيل التربية غير النظامية (Informal education) او في بلوغ السوية المهنية والعملية، ولا يعدو ان يكون مؤشراً تشخيصيا غير حاسم، على المصير الاجمالي التربوي والاجتماعي للشخص المعني به. والنظام التعليمي يتعامل مع هذا الرسوب بصفته هذه، اي باعتباره مؤشرا ودليلاً. 2- النظام التعليمي يفيد اندراج التعليم في نظام محدد، او منظومة (Systeme) فان اضيفت التربية الى المهمة التعليمية الاصلية، جاز وصف المنظومة بصفتي التعليم والتربية، على السواء. 3- التعليم مصدر علم، اي احدث واكثر العلم. اما التعلم فمطاوعة التعليم، قبولا واستجابة. 4- التربية مصدر ربّى يربّي، وهو المتعدي من ربا يربو، والمعنى الحاصل اكثار واعلاء وتحسين. وهذا المعنى هو المقصود والمفضّل اليوم. وفي الماضي اشتقوا التربية من الثلاثي المضاعف ربّ يَرُبّ، ونحن ننبذ هذا المذهب لدلالته على الربوبية، وهو يشير الى هيمنة المربي على المتربي، ويعرف في الاصطلاح الغربي بالبطريركية او الابوية:(Patriarcalism or paternalism)، وينشعب من المذهب التسلطي (Directivity)التقليدي. معالجة الرسوب الرسوب المدرسي - اذن - احد الاعراض الرئيسية للنظام التربوي او التعليمي. واجتنابا للوقوع فيه، اقيمت المنافسة، فجاءت في صيغتين معروفتين باتتا كلاسيكيتين: الاول على هيئة تسابق متصل بين فريقين توزع اليهما مجموعة التلاميذ (الصف او الفصل الدراسي) لدى تعاملهم مع المعلم. فيقاس اداء كل فريق منهما باداء الآخر، ويكون المعيار علم المعلم. - والصيغة الثانية في شكل امتحان، يكون فيه كل تلميذ في وضع مقايسة، لا مع علم المعلم، بل مع مستوى افتراضي، يرسمه المجتمع (ممثلا بالدولة)، او تعيّنه الجهة المملوكة والمالكة (المدرسة الخاصة) او يحدده الطرف المستهلك للمخرجات (Out - Put). وهذا كان المنطلق الموضوعي لولادة مناهج التعليم، لانه يقتضي ان يعلم المدرس، ومعه التلميذ واولياء امره، المدى المطلوب للتنافس، اي اواليات الفوز وميادينه، ومعايير التصحيح والتقييم (تحديد القيمة)، واستطراداً آفاق التقويم (اصلاح الخلل...) وليس ما يمنع من تلاقي الصيغتين وتكاملهما، بحيث تأتي المنافسة المدرسية مثابة حافز او محرك للتعلم، ويكون الامتحان باشكاله المختلفة اطار اختبار (Test) وتتويجا للنجاح في بلوغ التعلم والتعليم الارب، اي الغرض المقرر سلفا، والمكمّم في معدلات. ويعلن الرسوب لدى تعذّر النجاح. وفي الماضي كان الرسوب يعالج بالاعادة فان فشلت فبالتسرب (اي ترك المدرسة تركا كليا). وتفنن رعاة النظام التعليمي في اساليب اخراج الاعادة، وفي تكتيكاتها التربوية. ومن ذلك: 1- عزل الراسبين المعيدين عن المرفَّعين (اي سائر الصف) بغية معاملتهم معاملة تناسب اوضاعهم. 2- خفض العدد في الصف، واللجوء المكثف الى التكنولوجية التعليمية. 3- والتدبير الاحدث (والارقى): فرز الراسبين، سندا الى الروائز والاساليب التكنوعلمية الى مقبولين لاعادة والى ممنوعين عنها، ميؤوس منهم، او الى اسوياء عطلتهم طوارئ موقتة عن تحقيق معدل العلامات المطلوب، والى معاقين اعاقات دائمة، متفاوتة الحدة والشدة، يقتضي لهم علاج مناسب سيكولوجي و/او طبي و/او تعليمي و/او تربوي واجتماعي... لكن نجاعة هذه المعالجات المخلصة والمنوعة، ظلت محدودة: فلم تف الاعادة تماما بالغرض منها لان التحدي الرسوبي صمد في وجه التحايل والمعالجة السطحية، واصاب الرسوب بدوره اسلوب الاعادة نفسه، فلبثت معلقة تنتظر حلا جذرياً! فلما قام التمدرس الالزامي، التطوعي منه (الحالة اللبنانية مثلا) او الاكراهي (وهو الاكثر شيوعا) امتنع التسرب، وبقي التلاميذ الراسبون تحت مسؤولية المؤسسة التربوية. فخسرت عملية الاعادة مصداقيتها، وذلك لفقدها التغطية (بل قل التعمية) التي كان التسرب يضمنها لها، فيحجب عجزها الموضوعي عن ان تكون اسلوبا فعالا في تصويب التمدرس والتدريس، واصلاح امر التربية. فما السبب، او الاسباب الحقيقية والبعيدة، لهذا الرسوب؟ وما العلاج البديل من الاعادة، وربما استطراداً البديل من الامتحان ومن المنافسة التقليدية؟ ازمة النظام اولا- الفحص السريري ان تحليلا رصينا ومتجردا للنظام التعليمي في حالته الحاضرة يكشف في ثناياه بعض العلل القاتلة التي تستوجب تجاوز المسكنات والحلول الجزئية، وتتطلب معالجة جذرية، وربما جراحية. ولما كان الامر لا يقتصر على لبنان، فلا يصح التذرع بما عرفه هذا البلد الصغير من حروب داخلية (1975 - 1990) او خارجية (1982) لتعليل ازمة مستحكمة في غير بلد، احالت المنظومة التعليمية من اطار ايجابي لمعالجة الكثير من مشكلات زماننا، كالترقية بالمعرفة، واعداد المواطن الديموقراطي والمنتج والمستهلك العصري (احالت الازمة المنظومة) الى عقبة يتعثر بها التقدم كله، بدليل الرسوب المدرسي وما يخفي وراءه من فشل التربية المعارة ومنظومتها "العصرية"!... وقد بلغ الاحباط تجاه تعثّر التربية النظامية والتعليم المؤسسي، وتجاه الانسداد في الافق وسرابية المعالجات التي جرى اختبارها حتى الآن مبلغا يداني اليأس. وهو ما لمسنا اصداءه بل صرخاته ونذائره المتشائمة، في ما قرره "ايفريت رايمر" من موت المدرسة. وفي ما نادى به "ايفان ايلليتش" من توجب الاستغناء عنها اساساً! 1- فمن نحو، تداخل العلم والعمل عبر التكنولوجية، منذ قيام النهضة الاوروبية، بدءا من القرن السادس عشر على وجه التزايد المتسارع، فما عادت المعابد كافية للوفاء بما قامت به سابقا من امر التعليم، وتنامى دور المدرسة كمؤسسة واحتلت الشؤون الدنيوية موقع الصدارة بين اهتماماتها، وساد الكلام على علمنة التعليم وسائر المجتمع. واستمر هذا المنحى في التصاعد والرسوخ، الى ان زحمت الدنيا الدين في التعليم المدرسي...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟ تسجيل الدخول

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم