السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

هو الساخر

هو الساخر
هو الساخر
A+ A-

هو "الساخر" . من الوجوه التي انطبعت في مخيّلتي والتي تظهر أمامي كلّما تذكرت أيام المدرسة. إنّه غلام في الحادية عشرة من عمره أو تجاوزها بقليل. اسمه الحقيقي "وليد" لكنّه اشتُهِرَ ﺒ"الساخر".

مهملٌ بطبعه، ذو ثقة عالية بنفسه، يعتمد على الآخرين في دروسه وواجباته المدرسيّة، ويصدّق كلّ ما يُقال له حتّى ولو كان ما يُقال غريبًا لا يُصدَّق. يسخر دائماً من صديقي المفضّل "سامر" ويضايقه. لقد رأيت في حياتي أشخاصاً كثيرين غير أَنّني لم أرَ مثل"وليد" أبدًا. إنّه قبيح المظهر، قصير القامة، هزيل كالقصبة، ذو بشرة سمراء. أفطس الأنف، غليظ الشفتين، واسع الشّدق، نافر الوجنتين. أمّا شعره فقد اجتاح نصف جبهته وانسدل كهالة حالكة. ولا تسلْ عن هندامه ... فكلّ زرﱟ من قميصه يدخل عروةً لسواه.

ما إن تُمعن النظر إليه حتى ترى أَنَّ التّكبر يتملّك نفسيته فيظهر في مشيته وهيئته وهمته ونبرة صوته. لا يقدّر قيمة الوقت ولا يباشر عملًا إلّا وأفسده حتى انتهى به الأمر إلى إضاعة فرص كثيرة كانت تهيئ له السبيل إلى النجاح.

ولست أعرف ما الذي يجعل الصغار يحتقرونه: هل هو قبح مظهره أم سخريته من الآخرين؟ لا شكّ في أنّ الجميع يتجنّبونه. إذا التقى أحدٌ به هرب وأصبح اسمه على ألسنة الناس ... فلا تسمع إلاّ: "إنّه وليد الساخر" ..." إبتعدوا ... هذا وليد الساخر"..." يا إلهي ... ما الذي جاء بوليد الساخر؟"... وإذا صودف أَن وقع "سامر" بين يديه، نال نصيبه من اللطم والصفع والكلام المؤذي الجارح...

وذات يومٍ، حصل ما لم يكن في الحسبان! فبينما كان أحد الفتيان يخاطب "سامر" بكلام جارح ومهين ساخرًا منه ومن والديه وإخوته، وعندما رأى "وليد" الدموع تنهمر على وجنتي "سامر" المحمرّتين خجلًا، وثب وليد على الفتى وثبةً جبّارةً مدافعًا عن "سامر". هذه الحادثة أَدهشت الجميع وغيّرت نظرتهم إلى "وليد"...

وبعد تلك الحادثة، طرأ على "الساخر" تغيُّرٌ ملحوظ، إذْ تبدّلت سخريته كلامًا لطيفًا، وعبوسه بشاشة حتى قبح مظهره صار جمالًا لافتًا. ولعلّني تعلّمتُ من هذا الولد أَن أتجنّب السخرية الهدّامة وأَن أتحلّى بالتواضع واللطف ... فالكلمة الجارحة قد تكون أكثر إيلامًا من وخز الإبر ...

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم