الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

لماذا يولع المصريون بالفتوى؟

المصدر: "النهار"
القاهرة- ياسر خليل
A+ A-
وجاءت الفتوى رداً على سؤال وجهه أحد المواطنين للشيخ حازم جلال خلال لقاء تلفزيوني على قناة "المحور" الفضائية، تداولته وسائل الإعلام باهتمام، الخميس. وأكد جلال أن رده يستند إلى فتوى رسمية صادرة عن دار الافتاء المصرية.

وهذه ليست حالة فريدة. في شهر رمضان الماضي تلقت جهة دينية واحدة، وهي مركز البحوث الإسلامية التابع للأزهر، قرابة 73 ألف فتوى، وعقد وعاظ المؤسسة الدينية العتيقة نحو 111 ألف لقاء مباشر مع المواطنين.

وإلى جانب الأزهر والمنظمات التابعة له، تتلقى دار الإفتاء مئات الآلاف من الفتاوى كل عام. في عام 2017 وحده تلقت الدار 700 ألف فتوى، بحسب إحصائيتها الرسمية. كذلك يستقبل عشرات الآلاف من أئمة وزارة الأوقاف، والبرامج الدينية التلفزيونية والإذاعية والمواقع الإلكترونية كما يصعب حصره من الأسئلة الدينية.

هذا الإقبال اللافت يطرح تساؤلاً حول سر ولع نسبة كبيرة من المصريين بالفتاوى الدينية، في وقت يواجه المجتمع الكثير من الأزمات الاجتماعية والأخلاقية التي يستشعرها ويعترف بها قطاع كبير من المواطنين والساسة في مستوياتهم المتباينة.

عقل المجتمع

يقول الدكتور سعيد صادق أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأميركية بالقاهرة لـ"النهار": "إن العقل في أي مجتمع له مكونات أساسية، ومن ضمنها: العادات والتقاليد، والعلم والمعرفة، إلى جانب الدين. المكونات الثلاثة موجودة في أي مجتمع، ولكن بنسب متفاوتة، فعلى سبيل المثال، المكون الديني في المجتمع الغربي نسبته منخفضة إلى درجة كبيرة، وكذلك العادات والتقاليد ستجد أن نسبتها قليلة، والغالب هو العلم والمعرفة".

ويضيف عالم الاجتماع البارز: "المجتمعات العربية نسبتها تتفاوت، فقد تجد في بعض المجتمعات الخليجية على سبيل المثال، أن الدين يمثل قرابة 70-80% من العقل المجتمعي، والنسبة المتبقية موزعة بين المكونين الآخرين. وفي مصر، منذ العام 1967، بدأ المكون الديني يطغى بصورة واضحة".

ويوضح صادق: "في هذا العام منيت مصر بالهزيمة، وتم تفسيرها بأنها نتيجة ابتعاد مجتمعنا عن الدين، وتوجهنا إلى الشيوعية، لذا بدأت الجرعة الدينية تتزايد، واستمر الأمر إلى يومنا هذا، لذا تجد الدولة اليوم تفتح أكبر جامع وأكبر كنيسة (في العاصمة الإدارية الجديدة) وليس أكبر جامعة".

"المظاهر الدينية ارتفعت للغاية بالمجتمع، وبتنا نسمع أسئلة دينية متكررة في وسائل الإعلام" يقول أستاذ علم الاجتماع، "هناك نسبة جهل وأمية واسعة. الناس ترغب في أن تدخل الدين في كل شيء، لذا بتنا نستمع إلى أسئلة مثيرة للاستغراب، والإعلام يفتح المجال ليملأ الفراغ. زيادة الجرعة الدينية جعلت قطاعاً غير قليل من المواطنين (متدروشين). المظاهر الدينية منتشرة، لكن الدين غائب، فمثلا، من الصعب أن تجد من ينفذ مقولة (من عمل منكم عملا فليتقنه)، و(النظافة من الإيمان)، لكنك تجد الحجاب والنقاب منتشرين بصورة كبيرة".

وعن التأثير الذي يمثله السلفيون المتشددون الذين تزايد انتشار أفكارهم ووجودهم خلال العقود القليلة الماضية في مصر، يقول أستاذ الاجتماع بالجامعة الأميركية بالقاهرة: "السلفيون حاليا هم جزء من المشهد السياسي، وجاء وجودهم للرد على اتهامات جماعة الإخوان المسلمين للسلطة بعدم التدين، ومعاداة الإسلام، وما إلى ذلك. وهذا تكرار لما حدث مع الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، حين اتهمته الجماعة بأنه علماني وكافر، فقام بافتتاح إذاعة القرآن الكريم".

ابحث عن المال

كشفت دراسة نشرها مركز "بيو" الأميركي للأبحاث، في منتصف العام 2018 أن قرابة 72% من المصريين قالوا إن الدين يمثل أهمية كبرى بالنسبة لهم، وهذه نسبة تتقارب إلى حد كبير مع بلد يحكمه الملالي مثل إيران (78%).

في العقود الخمسة أو الستة الماضية، نشطت تيارات الإسلام السياسي على نطاق واسع، وتواكب مع نشاطها انحداراً أخلاقياً ومجتمعياً لافتاً، دفع بعض الكتاب والمتخصصين في علوم الاجتماع والإعلام إلى طرح سؤال متكرر، بصيغ مختلفة: "ماذا حدث للمصريين؟".

وقد دعم صعود الحركات الإسلامية، مثل "الإخوان المسلمين"، والحركة السلفية بشقيها الجهادي والدعوي، منظومات مالية ضخمة، تقدر بمليارات الجنيهات كل عام.

اعتمدت تلك المنظومة على التمويل الخارجي القادم من بعض الدول والشخصيات المؤيدة لتلك الجماعات، من جانب، لكنها من ناحية أخرى استغلت المجتمع المصري نفسه في النمو والصعود مالياً وسياسياً.

انتشار مئات الجمعيات، وعشرات الآلاف من عناصر تلك الجماعات في مناطق متفرقة من مصر، ونفاذ بعضها إلى المؤسسات الدينية، بخاصة الأزهر، سهل لها استقطاب المزيد من الأتباع والمؤيدين، وضاعف من قوة تأثيرها الاجتماعي، وإلى جانب هذا تمكنت تلك الحركات من جني كميات هائلة من الأموال بدافع فعل الخير، ونشر الدعوة الإسلامية، وبناء المساجد، والمستشفيات والعيادات الخيرية وما شابه.

وأضيف إلى هذه المنظومة النشطة، في العقدين الأخيرين، شبكة كبيرة من القنوات الفضائية، ومواقع الإنترنت، وأشرطة الكاسيت والأقراص المدمجة والكتب، التي ساهمت في جني المزيد من الأموال.

اتساع المساحة التي يحتلها الدين في عقل المصريين، كمكون رئيسي، حسبما أشار الدكتور سعيد صادق، لا يعني فقط تزايد القوة السياسية لتلك الجماعات، التي تروج نسختها الخاصة من الدين، وتهاجم نسخ منافسيها على الساحة، بل يعني حصولها على حصة أضخم من الأموال، ونصيب أكبر من الاستفسارات والفتاوى التي تتدفق على خطوط الهواتف التجارية في قنواتها وبرامجها التلفزيونية والإذاعية، ونسبة مبيعات أوسع من الكتب، وزيارات أكثر لمواقعها.

وعلى الرغم أن ثورة 30 حزيران 2013 أطاحت جماعة الإخوان المسلمين وأغلب حلفائها الإسلاميين من السلطة، وكشفت الكثير من خطط تلك الجماعات، وجوانب متعددة من حقيقتها، إلا أن المساحة التي تشغلها النسخ المتعددة من الدين في عقل قطاع كبير من المجتمع، بخاصة النسخة السلفية الأكثر تشددا، ما زالت طاغية، وتزيح ما دونها من المكونات الأخرى، لا سيما العلم والمعرفة.

هذا القطاع من المصريين يطلب الفتوى في كل شيء تقريبا، ويستهلك طاقته الذهنية في التفكير في أسئلة أجيب عنها مرات عدة، فهو لا يكلف نفسه عناء البحث والقراءة، لذا ظهرت فتاوى مثيرة للجدل نتيجة أسئلة طرحها مواطنون أو إعلاميون، كالتي أحدثت ضجة كبيرة في السنوات الأخيرة، مثل: جواز أكل لحم الجن، وإباحة مضاجعة الزوجة المتوفاة، ورضاعة الكبير، وشرب بول الإبل، وإباحة تدمير الأهرامات وأبو الهول وآثار الفراعنة باعتبارها أصناما.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم