الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

ارهابي طرابلس "عبد" للرحمن وغير "مبسوط"

غسان صليبي
ارهابي طرابلس "عبد" للرحمن وغير "مبسوط"
ارهابي طرابلس "عبد" للرحمن وغير "مبسوط"
A+ A-

اسمه عبد الرحمن مبسوط. لا اعرف عنه الكثير. غير انه شاب فقير يعيش مع زوجته وولديه في غرفة صغيرة مساحتها ثلاثة امتار مربعة. انتسب الى "داعش" وسجن في لبنان لمدة قصيرة واطلق سراحه منذ فترة. لا شك ان هذا الشاب الذي ولد في بيئة متدينة وفقيرة، حاول ان يكون اهلا لاسمه. اي ان يكون "عبدا" للرحمن و"مبسوطا" في آن واحد. لم ينجح على الارجح. فهو لم يقدر ان يكون "مبسوطا" بسبب ظروف الحياة القاسية ولا سيما في الاحياء الشعبية في طرابلس. ولم يستطع ان يكون "عبدا للرحمن" لانه كان يعتقد ان الله لا يريده ان يكون "مبسوطا"، وفي الوقت نفسه كان يسعى بطبيعته الانسانية لأن يكون "مبسوطا".

للخروج من أزمته الوجودية هذه، لعله قرر الخروج من الحياة وعليها، والاتكال على الله ليقرر عنه. وبما انه لا يستطيع ان يلتقي بالرحمن، لجأ الى الذين يتكلمون باسمه والذين يتصرفون كأنهم فعلا "عبيد" له، ينفذون اوامره دون سؤال او تفكير. هكذا اختار "داعش" وانخرط في صفوفه. ولانه غير "مبسوط" سهل على "داعش" عملية تطويعه وزرع الكراهية والنقمة في قلبه. ولانه يطمح ان يكون "عبدا" للرحمن، سلّم عقله لـ"داعش" الذي تكفل ان يدربه كيف يكون هذا العبد المطيع لاوامر الله والذي يدعي هو احتكار معرفته به.

هكذا وإنفاذا "لاوامر الله" بحسب "داعش"، قتل عبد الرحمن مبسوط في ليلة وقفة العيد، عسكريين ورجال امن في طرابلس قبل ان تتمكن القوى الامنية من قتله.

يبدو المسار مقنعا ومنطقيا ولو ان حيثياته الاولى متخيلة ومفترضة. مع احتمال ان تأتي معلومات جديدة ودقيقة، تعدل في مسار التحليل في مجمله. لكن الثابت ان هذا الارهابي، صدرت عنه اربع سلوكيات لافتة، بالمقارنة مع السلوك "الداعشي" المعتاد. فهو لم يطلق النار الا إضطراريا على افراد مدنيين، بل ركز في اجرامه على القوى الامنية. حتى ان احد المواطنين صرح بأنه حين حاول الخروج من محله، فانتهره الارهابي وطلب منه العودة الى محله مطلقا النار جانبا.

إحترام للمدنيين غير المسلحين؟

قبل ان يقوم "بغزوته في سبيل الله"، اعلم زوجته بذلك عبر تسجيل صوتي، معتذرا منها، ومبلغا اياها انه يطلقها وانه يمكنها ان تستخدم التسجيل الصوتي للدلالة على الطلاق امام المعنيين.

مشاعر انسانية وتسهيل لحياة زوجته بعد مماته؟

الملاحظة الثالثة هي ان الارهابي كتب الى صاحب البيت الذي اقتحمه للاحتماء فيه، قائلا له: سامحني اخي المسلم قدر الله. احبك. فالله لم اقصد". التعابير لافتة ولا سيما انها مكتوبة: سامحني، احبك، لم اقصد.

مشاعر انسانية متناقضة، إنقياد، ضياع، ندامة؟

الملاحظة الاخيرة هي ان الارهابي قرر ان يفعل فعلته في وقفة العيد.

أرغبةً منه في تمضية العيد في الجنة ام هربا من تمضية العيد مع زوجته واولاده في ظل ظروف البؤس والعوز؟

طبعا لن يتوقف المسؤولون عند هذه التساؤلات. ليس لأنهم يعتبرونها تبريرا للقتل والاجرام، وهي ليست كذلك على الاطلاق، بل محاولة، متسرعة ربما، للتساؤل حول شخصية الانسان الذي يتحول الى ارهابي.

فالمسؤولون مشغولون بالمماحكات السياسية، وخصوصاً بين "التيار الوطني" و"تيار المستقبل"، وكيفية استخدام دماء العسكريين لتغذية الصراعات في ما بينهما ومراكمة شروط السيطرة على مقدرات البلد.

بعضهم يريد حصر المسألة بموضوع "الارهاب الداعشي" لما لهذا الموضوع من قدرة على نبش الاحقاد المذهبية وامتداداتها الاقليمية.

بيئتنا اللبنانية لا تحتضن الارهاب، كما يكرر البعض، بل تنتجه، لأنها تنتج الفقر والطبقية والعنصرية والمذهبية والفساد والتبعية للخارج.

اسوأ ما تنتجه بيئتنا وتحتضنه، هو هذه الطبقة السياسية التي تعتاش على دماء الشهداء، الموتى والاحياء.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم