الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

الأحزاب المناهضة لأوروبا... "لم تعد مناهضة لأوروبا بعد اليوم"

المصدر: "فورين بوليسي"
"النهار"
A+ A-

ما أسباب التحوّلات؟

سنة 2016، وصل عدد الأحزاب التي خاضت حملتها في أوروبا على أساس إجراء استفتاء لخروج بلادها من الاتحاد إلى 15 حزباً بحسب "المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية". هذه الرسالة غير موجودة عمليّاً اليوم. عوضاً عن ذلك، وفي انعطافة ساخرة، تتشابك أيدي الأحزاب القومية في الاتحاد الأوروبي تحت راية نائب رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو سالفيني الذي يطالب ب "أوروبا المنطق السليم": وهي عبارة لا تعني نهاية بل تغييراً في الاتحاد الأوروبّيّ، بحيث يصبح اتّحاداً يركّز أكثر على الأمن ويدير الهجرة عن كثب ويتبنّى مقاربة "الأمة أولاً" بالنسبة إلى الاقتصاد.

في أحد الجوانب، هذا التطوّر في الرسالة هو تأثير من "البريكست". لا تعتبر الاضطرابات السياسية العميقة الناتجة عنه موضع حسد كي يتم وعد الناخبين به. بالطبع، يعني هذا أيضاً، أنّه إن غادرت بريطانيا بطريقة غير كارثيّة، فإنّ الأحزاب الأخرى المناهضة للاتّحاد الأوروبيّ ستعود سريعاً إلى خطابها الأساسيّ. مع ذلك، هنالك دوافع أعمق بالنسبة إلى هذه التحوّلات، وهي دوافع سيكون من الحكمة أن تدرسها هذه الأحزاب.

فهمت الأحزاب الشعبويّة أمرين أساسيين بشأن الناخبين الأوروبيين سنة 2019. هي تعلم أنّ هذه الانتخابات ليست في الواقع معركة بين رؤيتين متنافستين لأوروبا عالمية ومنفتحة في مواجهة أوروبا قومية ومنغلقة. تبقى الهوية الأوروبية قوية. ويشعر الأوروبيون بمستوى من الحماية داخل الاتّحاد الأوروبي لا يريدون خسارته. لكنّ هذا لا يعني أنّهم مسرورون بالستاتيكو. بالفعل، من أجل التواصل بنجاح مع الناخبين، على هذه الأحزاب تقديم نفسها كمدافعة من التغيير.


الهويّة الأوروبية لا تزال مهمة

إنّ استطلاع "يوروباروميتر" الذي أجري مؤخراً يظهر رقماً هو الأعلى في ثلاثين سنة لدى الذين يعتقدون أنّ العضوية في الاتّحاد الأوروبي كانت جيّدة لدولهم: 68% بين شباط وآذار. أجرت شركة "يوغوف" للأبحاث استطلاعاً أوروبياً موسعاً ل "المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجيّة" خلال الأشهر الأربعة الماضية أظهر أنّ الهويّة الأوروبّيّة تبقى مهمّة جداً للأوروبيين. أعربت الغالبية في كل دولة عضو أنّ الهوية الأوروبية كانت على المستوى نفسه من الأهمية مقارنة مع الهويّة الوطنيّة. ما يراه المواطنون الأوروبيون قيمة في عضوية الاتحاد الأوروبي أصبح واضحاً حين أجابوا على سؤال ما ستكون الخسارة الكبرى إذا اندثر الاتّحاد.

تمحورت أكثر الأجوبة حول منافع كون البلد جزءاً من السوق الموحدة وحول القدرة على العيش والعمل والسفر إلى الدول الأعضاء في الاتّحاد الأوروبي. وكانت شعبيةً أيضاً فكرة كون الاتّحاد لاعباً عالمياً حيث يتعاون أعضاؤه على الأمن والدفاع لتشكيل تكتّل ضدّ القوى العظمى مثل الولايات المتحدة والصين. وبشكل مثير للاهتمام، لم تتمحور خيارات الناس على ما يقدّمه الاتّحاد الأوروبي وحسب بل أيضاً حول ما يمثّله. ركّزت ثالث أعلى مجموعة من الأجوبة على الالتزام بالقيم الأوروبية: حماية الديموقراطيّة وحكم القانون.

إنّ النظرة الإيجابية إلى الاتحاد الأوروبي أتت أيضاً عبر السؤال عمّا إذا كانت العضوية تحمي المدنيّين من تجاوزات أو إخفاقات الحكومات الوطنيّة، أو عوضاً عن ذلك، منعت هذه الحكوماتِ الوطنيّة من التصرف وفقاً لمصالحها الفضلى. غالبية المستطلعين دعمت فكرة الدور الحمائي للاتّحاد الأوروبي – مع تقديم رومانيا وإسبانيا والمجر وبولونيا هذا الجواب بالأعداد الكبرى. وهذا يجب أن يكذّب أي فكرة حول أنّ دول الرباعي في أوروبا الوسطى هي الأقل التزاماً بالمشروع الأوروبي حالياً.


أين الشعور القوميّ؟

ينطبق الأمر نفسه على شعبيّة القوميّة. حين يرتبط الأمر بالجزء "المنغلق" من الرؤية التي من المفترض أنّ الأحزاب الشعبوية تريدها، لا يبدو أنّ هنالك طلباً كبيراً عليها أيضاً. في كل دولة عضو أجرى فيها "المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجيّة" استطلاعاً للرأي باستثناء المجر، لم يتم تعريف الهجرة كواحد من أبرز تهديدين لأوروبا. عوضاً عن ذلك، كان الجواب الأكثر انتشاراً هو التطرف الإسلامي، بما يعني أنّ الناخبين قلقون بالأكثر حول الاندماج والتلاحم الاجتماعي عوضاً عن السيطرة على الحدود. في النمسا والمانيا واليونان، تم تحديد القومية على أنها تهديد لأوروبا بمقدار ما هي عليه الهجرة.

في هذه الأثناء، تشكل الهجرة إلى الخارج في مجر فيكتور أوربان وإيطاليا ماتيو سالفيني كما في اليونان وبولونيا قلقاً كبيراً مثل استقبال المهاجرين. في اليونان وإسبانيا، إنّ المخاوف من هذه الهجرة عظيمة لدرجة أنّ الغالبية قالت إنّ على حكوماتها دراسة سياسات تمنع نظراءها من المواطنين من مغادرة البلاد لفترة طويلة من الزمن: 63% في اليونان و 60% من إسبانيا. سبب هذا القلق معقّد: مزيج سام من هجرة العقول التي تعيق النمو الاقتصادي، ابتعاد الأجيال الأكثر شباباً وانهيار المجتمعات التقليدية.


مستقبل أبنائهم أسوأ من مستقبلهم

ما يظهر عموماً من استطلاعات الرأي هو أوروبا تريد مزيداً من الدعم لدمج المهاجرين والمزيد من الدعم للسكان الذين يمتصون التغيير – أكان من الوافدين الجدد أو بسبب تناقص السكان المحليين. إذا كانت الأحزاب المناهضة للمنظومة قد فهمت أنّ وجهات نظر الناخبين حول الهجرة أكثر تعقيداً مما ظهرت عليه في ذروة أزمة الهجرة سنة 2016، فإنها فهمت أيضاً بوضوح أنّ الأوروبيين سئموا من الستاتيكو.

في استطلاع "يوغوف/المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجيّة" في شباط الماضي، قال ثلاثة أرباع الناخبين الأوروبيين إنّهم يؤمنون بأنّ نظامهم السياسي الوطني أو النظام الأوروبي أو كليهما منهار. يعتقد ثلثاهم أنّ مستقبل أبنائهم سيكون أسوأ من مستقبلهم الخاص. إنّ الوعد بإجراء المزيد من الشيء نفسه لن يعالج أبداً فقدان التواصل بين الناخبين والنظام السياسي.

هذه هي قوة فكرة سالفيني عن أوروبا مختلفة ذات "منطق سليم": هو يدفع أحزاب التيار السائد إلى الدفاع عن الستاتيكو وهو ربما تكتيك ذكي لسياسي يشكل جزءاً من حكومة وطنية حالية كي لا يتعرض لرد فعل عنيف من الناخبين في الانتخابات البرلمانية الأوروبية.

لقد آن الأوان للأحزاب المؤيدة لأوروبا كي تستخدم تكتيكات ذكية أيضاً. من أجل أن تنافس بذكاء في هذه الانتخابات، تحتاج هذه الأحزاب إلى مقاربة تشمل هاتين الحقيقتين أيضاً. عليها إظهار أنّها تعترف بالمستوى العميق لغياب التواصل بين الناخبين والأحزاب كما عليها تقديم رؤية لمستقبل أوروبي يجعل الأغلبية الصامتة تشعر بأنّ الأمر يستأهل التصويت في نهاية أيار. وتختم الكاتبة بالإشارة إلى أنّ الأوان لم يفت للقيام بهذه الخطوة، لكن مع أقل من ثلاثة أسابيع على الانتخابات، قد يفوت أوان ذلك فعلاً.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم