السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

هجمات سري لانكا... نقطة تحوّل في التنافس بين القاعدة وداعش؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
A+ A-

"لقد قلت لكم ذلك"

حين كان داعش يخطف الانتباه بعد نشأته وسيطرته على مناطق واسعة من سوريا والعراق، قلّصت "القاعدة" هجماتها في الدول الغربيّة. تكتيك نشر الرعب الذي استخدمه داعش أعطاه مكاسب على المدى القصير لكنّه سرعان ما انقلب عليه لاحقاً. ساعده ذلك بداية على إظهار قوّة جذبت الكثير من المتطرّفين حول العالم، لكنّه جذب أيضاً جهوداً دوليّة متضافرة للقضاء عليه. وهذا ما حصل في نهاية المطاف، حين تمّ التخلّص من "الخلافة المادّيّة" المزعومة لداعش.

في هذه الأثناء، تفادت "القاعدة" شنّ هجمات دوليّة كي تتفادى مواجهة تحالف دوليّ منسّق فيتلقى داعش جميع الضربات الغربيّة بالنيابة عنها. ويعتقد المراقبون أنّ هذا التكتيك أتى بتوجيهات من زعيم التنظيم أيمن الظواهري. لكن قبل اعتداءات سري لانكا، برزت تحرّكات للتنظيم أعادت رفع مستوى الحذر من ارتداد "القاعدة" إلى أساليبها القديمة.

أشار كايل أورتون في موقع "عين أوروبية على التطرّف" إلى ظهور بوادر لعودة القاعدة إلى شنّ هجمات على المستوى الدولي. ويذكر حالة المواطن البريطانيّ-البنغاليّ ساميون رحمن الذي يحاكم في الهند بتهمة تجنيد مقاتلين من ميانمار وكشمير بناء على أوامر من الجولاني. وأكد جهاز الأمن الفيديراليّ الروسيّ أنّ الهجوم على سانت بطرسبورغ وموسكو في نيسان 2017 كان موجّهاً من "النصرة". وأدانت محكمة أميركيّة سنة 2018 عبد الرحمن شيخ محمود الذي اعترف بلتقّي تدريب من الجبهة نفسها.

ويرى أورتون أنّ تركيز داعش على حرب العصابات في سوريا والعراق مكّن "القاعدة" من اعتماد خطاب "لقد قلت لكم ذلك" حول عدم استصواب إعلان "الخلافة" في هذا الوقت. وبالتالي هي تحاول "استعادة الأجندة الجهاديّة" على أساس أنّها "الفرع الجهاديّ الراشد والجاد".


قدرة على المفاجأة

نُشر مقال أورتون المتخصّص في الجماعات المتطرّفة قبل يومين على هجمات الفصح في سري لانكا. وإذا أثبتت الأخيرة واقعاً فهو أنّ داعش لا يزال يمتلك قدرات ميدانيّة مفاجئة للغالبيّة الساحقة من المراقبين والأمنيّين. لم يظنّ أحد من هؤلاء أنّ هجماته العالميّة ستختفي، لكنّ الاعتقاد السائد تمحور حول تراجع هذه الاعتداءات نظراً لفقدان داعش الأراضي التي تمكّنه من التخطيط. وإحدى المشاكل التي أبرزتها اعتداءات الفصح أنّ تراجع عدد الهجمات الإرهابيّة لا يعني بالضرورة تراجع فتكها.

إذا قورنت هجمات سري لانكا مثلاً بهجمات باريس سنة 2015، حين كان داعش لا يزال في أوج قوّته، فسيتبيّن أنّ اعتداءات سري لانكا أشدّ فتكاً من الأولى: حوالي 250 قتيلاً (بعد مراجعة عدد الضحايا مؤخّراً) في مقابل 130. بطبيعة الحال ثمّة عوامل أخرى تدخل في الحسابات مثل مستوى الأمن في فرنسا بالمقارنة مع سري لانكا إضافة إلى الخلافات السياسيّة الكبيرة في كولومبو. لكنّ ذلك لا ينفي قدرة التنظيم على استغلال الثغرات وتوجيه المجموعات المحلّيّة من أجل إيقاع العدد الأكبر من الضحايا.


طرده من الباغوز لم يكن كافياً

على الرغم من الوقع الكبير للهجمات الأخيرة في سري لانكا، كان داعش في الفترة نفسها إلى حدّ ما يترك بصماته في سوريا. بعد خسارة التنظيم الأراضي التي سيطر عليها، سادت توقّعات بأن يرسل مقاتليه إلى دول أخرى مثل أفغانستان ونيجيريا وليبيا. لكن يبدو أنّه اعتمد خيارات أخرى متزامنة. فطردُه من آخر معقل له في قرية باغوز الحدوديّة مع العراق، لم يمنع مقاتلي التنظيم من قتل 69 عنصراً من الجيش السوري وحلفائه منذ تحرير القرية في 23 آذار وحتى 20 نيسان وفقاً لأرقام المرصد السوريّ لحقوق الإنسان. وقد سقط نصف هذا العدد تقريباً بين 18 و 20 نيسان فقط، خلال هجوم شنّه داعش وسط البلاد حيث شهدت منطقة الكوم الواقعة شمال مدينة تدمر المعارك الأعنف.

يؤشّر الهجوم الأخير على مراكز تابعة للجيش السوريّ إلى أنّ داعش ينفّذ أجندته في التحوّل إلى حركة تخوض حرب العصابات في سوريا. لكنّ ذلك لم يثنِ التنظيم عن وضع نصب عينيه شنّ عمليّات إرهابيّة واسعة النطاق جنوب آسيا، ممّا يعني أنّه لا يزال يحتفظ بالقدرة على إطلاق تخطيط شامل يتجاوز إقليماً محدّداً. وتضاف إلى ذلك قدرته على تنويع تكتيكاته بدءاً من حرب الكرّ والفرّ في سوريا مروراً بعمليّات خطف وتصفية الرهائن في بنغلادش (2016) ووصولاً إلى مساعدة "مجموعة التوحيد الوطنيّة" على شنّ الاعتداءات في سري لانكا.

مصدر القلق


ليست "مرونة" داعش في أساليب الهجمات الإرهابيّة وحدها ما يدعو للقلق. بالنظر إلى تحليل أورتون، تحاول "القاعدة" تنصيب نفسها مدافعة عمّا تتعرّض له أقلّيّة الروهينغا من مجازر في ميانمار وهي أعادت تأكيد شرعيّة الهجمات على أهداف غربيّة ردّاً على مجزرة كرايست تشيرتش. ويكتب: "في السنوات الماضية، كان من المؤكّد أن يرسل الجهاديّون عنصراً مثل رحمن إلى بريطانيا، لكنّهم أرسلوه إلى شبه الجزيرة الهنديّة".

يضيء هذا التحليل على احتمال أن تكون "القاعدة" في موقع استعادة نشاطاتها الإرهابيّة على مستوى أشمل. بات داعش اليوم تنظيماً إرهابيّاً شبيهاً ب "القاعدة" من حيث افتقاد السيطرة على مناطق حيويّة شاسعة. أمّا قدرة داعش على شنّ هجمات دمويّة هائلة كما حصل في سري لانكا إضافة إلى سيطرته على الخطاب الجهادي فيمكن أن يشكّلا حافزاً ل "القاعدة" من أجل الدخول في تنافس مع داعش لجذب المتطرّفين إليه. وقد يكون هذا التنافس في مراحله العليا عبارة عن العودة إلى التكتيكات القديمة بتنفيذ هجمات "نوعيّة".

في سنة 2014، أسّس عاصم عمر فرعاً للقاعدة تحت اسم "القاعدة في شبه القارّة الهنديّة"، بما يعني أنّ التربة الميدانيّة خصبة أساساً لهذا التنافس. فهل تكون مناطق جنوب آسيا إحدى ساحاته الأبرز في المرحلة المقبلة؟

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم