الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

انتظار إيران رئيساً ديموقراطيّاً لفكّ عزلتها... رهان في محلّه؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
A+ A-

موقف فيه بعض الالتباس

جاءت تبرئة المحقّق الخاص روبرت مولر للرئيس الأميركيّ وحملته من التواطؤ مع روسيا لتعزّز احتمالات فوزه بولاية مقبلة، خصوصاً إن لم تطرأ مشكلة اقتصاديّة فجائيّة يمكن أن تقلّص حظوظه. وحتى مع افتراض وصول رئيس ديموقراطيّ إلى البيت الأبيض، يبدو أنّ الاحتمالات في بروز تغيير جذريّ إزاء السياسة تجاه إيران قد لا تكون بالمقدار المنتظر في نهاية المطاف.



ثمة قسم بارز من المرشّحين الديموقراطيّين يخوض حملته على أساس العودة الكاملة إلى الاتّفاق النوويّ مع إيران طالما أنّها ملتزمة به. وكان مساعدون لأعضاء مجلس الشيوخ بيرني ساندرز وإليزابيث وورين وكامالا هاريس قد أعلنوا ذلك في حديث إلى موقع "ألمونيتور"، إضافة إلى عمدة فلوريدا واين ميسام وماريان وليسامسون وهما مرشّحان ديموقراطيّان مغموران نسبيّاً.

بالرغم من ذلك، قال الناطق باسم هاريس للموقع نفسه إنّها "تعتقد أنّه يجب علينا أن ننخرط في ديبلوماسيّة قويّة وإكراهيّة لمحاربة سلوك إيران المزعزع للاستقرار في المنطقة". وأشار مساعد لساندرز إلى أنّه سيكون "مستعدّاً أيضاً للحوار مع إيران حول عدد من المسائل الأخرى".


حظوظ قويّة مقابل تصريحات ضعيفة؟

بحلول أمس الخميس، ووفقاً لتصنيف القوّة الذي اعتمد على عدد من العناصر كتماسك الحملة الانتخابيّة واحتمالات نجاح جمع التبرّعات وغيرهما، أعلنت شبكة "سي أن أن" أنّ المرشّح بيرني ساندرز يحلّ في المرتبة الأولى بين المرشّحين الديموقراطيّين، يليه نائب الرئيس الأميركيّ السابق جو بايدن، ثمّ كامالا هاريس.



من جهة أخرى، أفاد استطلاع رأي بالتعاون بين شبكة "ذا هيل" وشركة "هاريس أكس بول" أجري بين 16 و 17 كانون الأوّل أنّ بايدن يتفوّق على ترامب الذي يتعادل إلى حدّ ما مع ساندرز. كذلك، رأى موقع "فايف ثيرتي أيت" أنّ بايدن الذي يتقدّم بفارق ضئيل على ساندرز يمكنه الفوز بالانتخابات التمهيديّة الديموقراطيّة.

إذاً، إلى الآن، يبدو هذان الرجلان الأكثر قدرة على الوصول إلى المرحلة النهائيّة لمواجهة ترامب. وكما هي الحال مع ساندرز، يبرز بايدن كأحد أشدّ مناصري الاتّفاق النوويّ الذي وقّعته إدارة أوباما حين كان يشغل منصب نائب الرئيس. صحيح أنّه استخدم بعض التصريحات المتشدّدة إبّان المفاوضات مع طهران، كما حصل سنة 2013 حين هدّد باستعمال القوّة لو فشلت المحادثات، لكن يبقى موقف بايدن من الاتّفاق ثابتاً.



عندما انسحب ترامب من الاتّفاق النوويّ في أيّار الماضي، ردّ على خطوته ببيان جاء فيه: "الحديث عن ‘اتفاق أفضل‘ هو وهم. استغرق الأمر سنوات من ضغط العقوبات، ديبلوماسيّة مثابرة، والدعم الكامل للمجتمع الدوليّ من أجل تحقيق هذا الهدف. لا نملك أيّاً من ذلك اليوم".

إنّ عودة الولايات المتّحدة إلى الاتّفاق النوويّ ستعني عمليّاً بالنسبة إلى المرشّحين الديموقراطيّين المؤمنين بهذه الخطوة رفع العقوبات عن إيران. لكنّ هذه العودة تعني خسارة هؤلاء للنفوذ مع الإيرانيّين في حال أرادوا التفاوض معهم حول مسائل أخرى. لذلك، من غير الواضح مثلاً ما إذا كانت إيران ستتنازل لصالح ساندرز في أيّ حوار محتمل تجريه معه بمجرّد عودته إلى الاتّفاق. والأمر نفسه قد ينطبق على هاريس، بغضّ النظر عن إشارتها إلى تطبيق "الديبلوماسيّة الإكراهيّة".


بين النظريّ والعمليّ

بالنسبة إلى رئيس ديموقراطيّ محتمل فوزه بعد سنة، قد لا تكون العودة إلى الاتّفاق النوويّ صعبة من الناحية الإجرائيّة، وهي في المبدأ تتطلّب فقط توقيع أمر تنفيذيّ من الرئيس المقبل. لكنّ البعض يرى أنّ المشكلة لا تكمن في الإجراءات حتى ولو كانت تستغني عن موافقة الكونغرس. إذا كانت التحليلات الغربيّة لأهداف الإدارة الحاليّة تختلف حول ما إذا كانت إسقاط النظام الإيرانيّ أو دفعه للتفاوض، فإنّ محلّلين بارزين يريان هدفاً ثالثاً قد لا يقلّ تشدّداً عن الهدف الأوّل.

منذ ثلاثة أيّام، نشرت مجلّة "بوليتيكو" مقالاً للمحلّل السابق للشؤون الشرق أوسطيّة في وزارة الخارجيّة الأميركيّة آرون ميلر، والمخطّط السياسيّ السابق في وزارة الخارجيّة لعشر سنوات ريتشارد سوكولسكي، يوضحان فيه ما تريده الإدارة الحاليّة.

بالنسبة إليهما، لا تعني سياساتها المتشدّدة تجاه إيران نقض سياسة أوباما وحسب، "بل أيضاً خلق نقاطِ لا عودة حيث لا يمكن للإدارات التي تخلفها العودة إلى مقاربات سابقة حتى ولو أرادت ذلك". إنّ المطالب التي صاغها وزير الخارجيّة مايك بومبيو تجاه إيران أنشأت معياراً ستُحاسَب على أساسه أيّ إدارة مستقبليّة، ديموقراطيّة أو جمهوريّة، خلال تفاوضها مع إيران وأيّ رئيس يفشل بالتزامه سيُتهم بانتهاج سياسات تطمينية وتسوويّة وسيصبح الدعم الداخليّ لاتّفاق جديد أكثر صعوبة. كذلك، سيعزّز هذا الأمر المتشدّدين داخل إيران الذين يرفضون التواصل مع واشنطن وستضعف العناصر التي تريد تحسين العلاقات معها. بعبارة الكاتبين، "الإدارة لا تقتل الاتّفاق النوويّ مع إيران وحسب. هي تمنعه من العودة إلى الحياة".

الصعوبات ستتعزّز في هذه الحالة

إن صحّ هذا التحليل فستواجه أيّ إدارة ديموقراطيّة صعوبات كثيرة في ما ستقدّمه لإيران بغضّ النظر عن رغبتها الضمنيّة. من ناحية الحملات الإعلاميّة وربّما لاحقاً من الناحية العمليّة، سيضطر الرئيس الديموقراطيّ المقبل إلى الانطلاق من موقف دفاعيّ مفاده أنّه حريص على عدم حصول إيران على القنبلة النوويّة وعدم زعزعة استقرار المنطقة. وهذا سيجعل احتمال فرض شروط على طهران قبل عودة واشنطن إلى الاتّفاق أمراً محتملاً جدّاً بغضّ النظر عمّا يقوله المرشّحون الحاليّون في حملاتهم الانتخابيّة.

ميلر وسوكولسكي يناهضان سياسة ترامب الحاليّة تجاه إيران (وتجاه إسرائيل) لكنّهما سردا واقعاً يعمل خصوصاً بومبيو وبولتون على تكريسه بحسب نظرتهما. ولا يستبعدان احتمال أن تعود واشنطن إلى سياسة أكثر اعتدالاً، لكنّه احتمال ضئيل جدّاً بحسب رأيهما و "بالتحديد إذا استمرّت إدارة ترامب في السلطة حتى 2024".

أمّا سبب ذلك فيعود إلى "أنّ الوقت عدوّ لا حليف".

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم