الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

جعجع: المرحلة تتطلب الابتعاد عن سياسة المحاور

جعجع: المرحلة تتطلب الابتعاد عن سياسة المحاور
جعجع: المرحلة تتطلب الابتعاد عن سياسة المحاور
A+ A-

اعتبر رئيس "القوات اللبنانية" سمير جعجع أن "المرحلة الدقيقة تتطلب الابتعاد عن سياسة المحاور وسياسة التفرد في اتخاذ القرارات خارج الإجماع الحكومي. إن مصادرة القرار الاستراتيجي للدولة تؤدي في نهاية المطاف الى خراب البصرة. إن إغراقها بمئات الآلاف من النازحين يؤدي الى تذويبها. إن سوء إدارة الدولة يؤدي إلى فقدانها لمناعتها واهترائها. إن انتشار الفساد، لا سيما على المستويات السياسية في الدولة، يعطل الدولة وينهش لحم مواطنيها. ونحن في لبنان وللأسف نعيش هذه الظواهر ونعاني منها كلها".

وقال جعجع في احتفال نظمه حزب "القوات اللبنانية" في ذكرى الإبادة الأرمنية ومجازر "سيفو"، في مقره العام بمعراب، تحت عنوان "جلجلة أزهرت ربيعا": "كنت أفضل في هذه المناسبة ألا اتكلم باعتبار أن كل ما يمكن أن يقال يبقى أقل بكثير من الفظاعات التي ارتكبت. جلجلة فعذابات فمقاومة فقيامة. معاناة وانتصار يختصران مسيرة شهداء المجازر الأرمنية ومجازر سيفو. من ألم آبائكم واجدادكم أزهر ربيعكم، ومن عمق جراحاتهم ومعاناتهم تفتحت براعمه، ومن عرق نضالهم وزرعهم المبارك كان الحصاد وفيرا. إن هذه الثمار الصالحة من ذلك الزرع المقدس في أرمينيا ومرعش، وكيليكيا، وسيس، وسنجق وشرشبوك وآراكس وطور عبدين وديار بكر والرها وماردين، إن هذه الأشبال من تلك الأسود".

أضاف: "في الذكرى ال104 للمجازر الأرمنية ومجازر سيفو التي حصلت بحق الشعوب السريانية والأشورية والكلدانية، 104 تحيات وتحية لشهداء الحق والواجب والإنسانية. 104 تحيات وتحية من مقر القوات اللبنانية، ومن كل منطقة لبنانية عرفت مثلكم معنى النضال والشهادة والبطولة والحرية.

وتابع: "نلتقي اليوم هنا كما في كل سنة، لا لنحيي ذكرى المجازر فحسب، بل لنجدد الولاء للقضية الأرمنية والقضية السريانية والأشورية والكلدانية التي لم تمت ولن تموت، رغم السنين والعقود. يكفيها فخرا أنها لم ترتو من الخلود والمجد والذكرى، رغم عشرات السنين، بينما المجرمون لن يشبعوا موتا وبلاء ولعنات الى ابد الآبدين. يكفي هذه القضية فخرا أنها عادت وتزينت مؤخرا بأيقونة المطرانين بولس اليازجي ويوحنا ابراهيم ولن تنزعها قبل إطلاق سراحهما أو الكشف عن مصيرهما. يكفيها فخرا أن شعوبا مثل شعوبكم، تضاف إليها مجموعة كبيرة من الشعوب الصديقة، تحمل هذا الإيمان وهذه الصلابة وهذا الالتزام تتبنى تلك القضية وتبقيها حية وتحفظها أيقونة مقدسة في قدس أقداسها على مر الأجيال".


وأردف: "إن كل ليل يحمل في طياته بذور فجره ونهاره، وكل استشهاد يحمل في ذاته بذور قيامته وانتصاره، وكل جلجلة تحمل بذاتها بذور ربيعها، وكل شهيد من آبائكم وأجدادكم حمل لكم بدمائه بذور الأمل والرجاء بغد أكثر إشراقا، وعدالة وإنسانية. صحيح أن شهداء المجازر خسروا حياتهم، لكنهم ربحوا خلود ذكراهم. صحيح أنهم خسروا أراضيهم وممتلكاتهم، لكنهم ربحوا شرفهم وكرامتهم. صحيح أنهم قاسوا كل أنواع القهر والعذابات بسبب قناعاتهم وإيمانهم، لكنهم أقبلوا على حمل صليبهم بفرح عظيم".

وقال: "لا تبكي يا أرض أرمينيا التاريخية ويا أرض مذابح سيفو في ذكرى شهدائك الأبرار، بل افرحي وهللي اليوم بأبنائهم وأحفادهم الأحياء الذين صمدوا، ضمدوا جراحاتهم وكفكفوا دموعهم، ولملموا ذكرياتهم المبعثرة، وتسلحوا بإيمان يزحزح الجبال، وحملوا محبة وطنهم والقضية في قلوبهم حيثما حلوا، وأكملوا المسيرة حتى يتذوقوا نصرا ولو بعد حين، أو يكونوا شهداء للحق حيث الموت عرس فخر للأبطال. إنما النصر صبر ساعة، وانتصار قضية الشعوب المشرقية المقهورة سيكون مدويا وحاسما ونهائيا لأنه صبر أجيال وأجيال".

وتوجه إلى شهيد المجازر بالقول: "أما أنت يا شهيد المجازر فنم قرير العين، فأنت لم تعد ملك شعبك فقط، بل شهيد كل الشعوب وكل الإنسانية، والبشرية جمعاء. نم قرير العين يا شهيد المذابح والظلم والقهر والتجويع من أرمينيا الكبرى الى لبنان الكبير وما بينهما، فالذين يتابعون مسيرتك حراس ساهرون مؤتمنون على إرثك وتضحياتك ونضالك، وما رح ينعسوا الحراس. نم قرير العين فتضحياتك وحدت الشعوب المشرقية في المعاناة والوجدان والاستشهاد ووحدت إحساسها بالمصير المشترك وقربت المسافات بينها. نم قرير العين ولا تقلق لأن القضية الإنسانية العظمى التي حملت لواءها ستزهر حرية وديموقراطية وعدالة ومساواة فوق التراب المشرقي الذي جبل بعرقك ودموعك ودمائك، وقد بدأت تزهر فعلا. هذا هو وعدنا وعهدنا لك اليوم وحتى انقضاء الدهور. نم قرير العين لأن المجرمين الذين اعتقدوا أن بإخراجهم الشعوب الأرمنية والسريانية والاشورية والكلدانية من الجغرافيا يحجزون لهم مكانا في التاريخ، قد نبذهم تاريخهم بالذات قبل أي تاريخ. نم قرير العين فبدمائك خطيت العناوين العريضة بالأحرف الأولى لشرعة حقوق الإنسان، ووضعت ضوابط أخلاقية وقيمية في التعاطي الإنساني، حتى ولو بقي الشر يذر بقرونه من هنا وهناك ليعيد تذكيرنا بوجوده بين الحين والحين. كما فعل مؤخرا في نيوزيلندا وسيرلنكا. نم قرير العين لأنك لم تختر الهوان ولم ترضخ لمنطق الذمية والانهزام والاستسلام، بل قاومت، وباستشهادك انتصرت، واختزنت لنا من بعد رحيلك ب 104 أعوام فائضا من الشموخ والعزة والعنفوان يكفينا مئات السنوات، فإلى روحك الطاهرة الف تحية وتحية وسلام".

أضاف: "اللقاءات الأهم هي التي تحصل على مستوى الروح قبل التقاء الشعوب والأفراد، وبين "القوات اللبنانية" وبينكم التقاء روحي عميق عمره من عمر المقاومة المشرقية المحقة في هذه الأرض، حتى قبل أن يهجر اجدادكم الى لبنان ويتلاقون في الجيرة والجغرافيا مع اللبنانيين، وقبل أن تحمل المقاومة اللبنانية اسم "القوات اللبنانية" الحالي".

وتابع: "إن قضية الشعوب الأرمنية والسريانية والأشورية والكلدانية لم تبدأ اواخر القرن التاسع عشر وتنته في اوائله فحسب، وإنما هي بدأت مع قايين وهابيل، واستمرت مع كل كرامة إنسانية منتهكة وكل حق مغتصب وكل حرية مسلوبة. وإن مقاومة هذه الشعوب المشرقية لا تنحصر عند حدود المجازر الأرمنية ومجازر سيفو فحسب، بل تشمل كل شعب مضطهد ومظلوم في كل مكان وزمان".

وأردف: "صحيح أن وحشية السلطنة طالت الأرمن والسريان والأشوريين والكلدان بشكل أساسي، لكنها لم توفر في طريقها القوميين العرب والشعوب العربية واللبنانيين، فتساوى الجميع، مسلمين ومسيحيين، في المظلومية، وتلاشت كل عصبية دينية أمام هول الوحشية وأمام وحدة القضية الإنسانية. من أرمينيا الى لبنان مرورا بسوريا، إنسان واحد، معاناة واحدة، قضية واحدة. صحيح أن العدالة بمفهومها القضائي والسياسي لم تتحقق لكم بعد، إلا أن بعضا من حقوقكم المعنوية قد وصلكم بمجرد أن شعوبا وأمما بأكملها، ومنها الشعب اللبناني، قد تبنى قضيتكم وتضامن معكم وآمن بأحقية ومشروعية أهدافكم. إن بعضا من حقوقكم المعنوية قد وصلكم ايضا، بمجرد أن شعوبا وأمما وسياسات دولية تعامت عن آلامكم وصمت آذانها عن اوجاعكم، وعادت وأقرت بحقوقكم المشروعة في النهاية. وما بين البداية والنهاية عمل كبير، وإصرار أكبر، والتزام وصمود من قبلكم أكبر وأكبر وأكبر. فهنيئا لكم كل هذا الإيمان. إن التعتيم الإعلامي ومحاولة إخفاء معالم الجريمة الكبرى وسياسة اللامبالاة التي رافقت وتلت مراحل جلجلة الشعوب المشرقية، عادت وتفجرت اليوم تغطية إعلامية كبيرة وانخراطا على مستوى المنظمات الحقوقية أعاد تظهير فصول هذه المعاناة واستحضارها لدى الرأي العام الدولي، ولو بعد قرن من الزمن. ففي النهاية، لن يصح إلا الصحيح وها هو قد صح".

وقال: "إن شهداء الإبادة الأرمنية وشهداء سيفو ليسوا شهداء المسيحية المشرقية فحسب، بل شهداء كل الشعوب المشرقية، وشهداء الإسلام المعتدل الذي يناضل خصوصا اليوم بدوره أيضا حتى تعم روح المحبة والإخاء والسلام والمساواة في هذا الشرق".

أضاف: "صحيح أننا اليوم نحيي الذكرى ال104 للمجازر الأرمنية ومجازر سيفو، لكننا في الوقت ذاته نحيي الذكرى ال25 لاعتقال رئيس "القوات" وحلها واضطهاد مناصريها، وإذا كانت المناسبتان تحملان إلينا ذكريات أليمة محزنة، إلا أن تزامنهما هذه السنة مع اسبوع القيامة يعيد تذكيرنا من جهة ثانية أن النصر هو دائما حليف المقاومين المثابرين الملتزمين، والقيامة هي دوما قدر المؤمنين، مهما كانت درب الجلجلة طويلة والصليب كبيرا، فاطمئنوا ولا تخافوا، لا على الوجود، ولا على المصير. إن "القوات اللبنانية" التي هي امتداد طبيعي للمقاومة اللبنانية التاريخية عبر الزمن تختزن في ذاكرتها كل معاناة الشعوب المشرقية وتحجز لهذه الشعوب مكانا متقدما جدا في وجدانها، وكل كلمة نتلفظ بها في هذا الاحتفال تنبع من هذا الوجدان بالذات ومن القلب والروح ووحدة القضية والمعاناة. إن كل رفيق من الطوائف الأرمنية والسريانية والأشورية والكلدانية في "القوات اللبنانية" هو قيمة مضافة لها، لأنه يتحدر من آباء واجداد كانوا في نضالهم ومقاومتهم وبطولتهم قواتا، ولو في مكان آخر وزمان آخر. إن الأرمن والسريان والأشوريين والكلدان بشكل عام، هم قريبون من القوات بالفطرة لأنهم بشكل عام يحملون في عقلهم ووجدانهم ودمائهم ولحمهم التجربة التاريخية نفسها، والمعاناة نفسها والقضية نفسها".

وتابع: "اما عن شهداء المقاومة اللبنانية من السريان والأشوريين والأرمن والكلدان، فيطول الكلام، وكأن الأثمان الباهظة التي دفعها آباؤكم واجدادكم في أزمانهم دفاعا عن الحرية والإنسان لم تكفكم، فقررتم بدمائكم وصمودكم ونضالكم وتضحياتكم أن تضيفوا فوق وزناتهم، في أزمنتنا، مئات الوزنات والوزنات. من كرم الزيتون وحي السريان والسد وبرج حمود والفنار الى انطلياس والنقاش وزحلة والبقاع، وكل حبة تراب من ال10452 كلم مربع، ابطال أعطوا المقاومة اللبنانية بعدها المشرقي الجامع، واتحدت دماؤهم بدماء رفاق لهم من الأشرفية وعين الرمانة وزحلة وقنات وعيون السيمان وشكا، ليصح فعلا القول: قضية واحدة في كل زمان ومكان".


وتطرق جعجع إلى الأوضاع العامة فقال: "ليس بالسيف وحده يموت الإنسان، بل بكل عمل يؤدي الى إضعاف دولته، وبالتالي وجوده. إن هذه المرحلة الدقيقة تتطلب الابتعاد عن سياسة المحاور وسياسة التفرد في اتخاذ القرارات خارج الإجماع الحكومي. إن مصادرة القرار الاستراتيجي للدولة تؤدي في نهاية المطاف الى خراب البصرة. إن إغراقها بمئات الآلاف من النازحين يؤدي الى تذويبها. إن سوء إدارة الدولة يؤدي إلى فقدانها لمناعتها واهترائها. إن انتشار الفساد، لا سيما على المستويات السياسية في الدولة، يعطل الدولة وينهش لحم مواطنيها. ونحن في لبنان وللأسف نعيش هذه الظواهر ونعاني منها كلها".

وتابع: "نحن في القوات اللبنانية واعون تماما لهذا الواقع الأليم، وسنكمل صراعنا ضد تلك الأمراض كلها حتى النهاية. لن نتراجع أمام اي تهديد، وسنكمل ولو بقينا وحدنا. لن نستكين قبل بلوغ الهدف المنشود: دولة لبنانية بكل ما للكلمة من معنى، بيدها وحدها قرار السلم والحرب. جمهورية قوية. قوية بحسن إدارتها ونظافة مسؤوليها. جمهورية بتصرف شعبها، تسهر على مصالحه، على أمنه، على مستقبل أولاده، لا جمهورية شكلية تسلم قرارها للآخرين، ينخرها الفساد، ويعشعش في زواياها الفشل. ولكي نبلغ الهدف المنشود، نحتاج إلى مساعدة جميع اللبنانيين، فالسعي نحو جمهورية فعلية قوية هو سعي وطني جامع شامل، وليس هدفا حزبيا ضيقا".

واقتطع جعجع جزءا من صرخة الألم الأرمنية التي عبرت عنها اغنية هاروت باموبجيان "اين كنت يا الله" التي يقول فيها: "أين كنت يا الله، لما تلاشى ايماننا ومناشدتنا، اين كنت يا الله لما دمروا هذا البلد الجميل، لما الألم الذي لا يطاق جعلنا نتضرع آمين... اين كنت يا الله لما صرخاتنا من أجل الخلاص هزت السماء... كنت صامتا يا الله، لما كنا معلقين على الصليب ونحن نصلي آمين...".

وختم: "هذه الكلمات أعادتني بالذاكرة إلى سنوات الزنزانة والاعتقال والظلم الأعمى، وتذكرت ما قلته أمام قوس المحكمة في عام 1998: "لا يعتقدن معتقد أن الله قد مات أو أنه لا يتدخل في التاريخ، ومهما يكن من أمر فأنا كلي إيمان، لا بل أعمق وأبعد من الايمان بعد، بأنه مهما تكن الطريق طويلة وصعبة، شاقة ومتعرجة، فإنه في نهاية المطاف لن تكون إلا مشيئته، وكما في السماء كذلك على هذه الأرض".

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم