السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

"حصان طروادة محتمل"... أيّ موقف لزيلينسكي من بوتين؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
A+ A-

المؤشّرات الأوّليّة عرضة للتبدّل

في مؤشّر أوّليّ، قد يكون الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين في موقع أكثر ارتياحاً بعد فوز زيلينسكي. فالأخير، وإن لم يكن متودّداً تجاه الروس، أظهر في السابق أنّ الحوار هو السبيل الوحيد لحلّ المشاكل مع موسكو. ويتكلّم زيلينسكي اللغة الروسيّة إلى جانب الأوكرانيّة وقد شدّد على استخدام كلتا اللغتين خلال حملته الانتخابيّة لجذب أصوات الأوكرانيّين الناطقين باللغة الروسيّة في شرق وجنوب البلاد. وقد اعتمد بوروشنكو لغة متشدّدة تجاه موسكو خلال الحملة في وقت ركّز على اللغة الأوكرانيّة كمحور ثقافيّ-سياسيّ للإعلان عن موقف استقلاليّ إزاء نفوذ موسكو التاريخيّ والحاليّ.

ولن يكون بوتين مستعجلاً لاتّخاذ خطوات جذريّة في النزاع مع أوكرانيا قبل تبيان حقيقة موقف زيلينسكي خصوصاً أنّ الرئيس الجديد انتقل إلى المزيد من التصعيد تجاهه بمرور الوقت. فقد شدّد زيلينسكي على جعل استعادة أسرى الحرب شرق البلاد إضافة إلى البحّارة المحتجزين في روسيا عقب حادثة مضيق كيرتش في تشرين الثاني الماضي أولويّة مطلقة. لكنّ التصريحات لم تتوقف عند هذا الحدّ.

أمل روسيّ حذر

البروفسور المحاضر في كلّيّة الدراسات السياسيّة في جامعة أوتاوا الكنديّة الدكتور إيفان كاتشانوفسكي، شرح ل "النهار" موقف روسيا الأساسيّ: "أعلن بوتين أنّه أمل حصول تغيير في العلاقات الروسيّة-الأوكرانيّة وحلّ النزاع في دونباس فقط حين ستحصل أوكرانيا على قيادة جديدة. ترى الحكومة الروسيّة أنّ هزيمة بوروشنكو الساحقة وانتصار فولوديمير زيلينسكي فرصة لتسوية النزاعات مع أوكرانيا وفي دونباس وفقاً لشروطها وتعزيز أجندتها حول مسائل أخرى مثل ترانزيت الغاز الطبيعيّ والتخلّي عن خطط الانضمام إلى الناتو. كان زيلينسكي كوميديّاً شعبيّاً قبل الفوز بالانتخابات الرئاسيّة، ونقص الخبرة لديه قد يُنظر إليه من القيادة الروسيّة كفرصة للتنازل حول هذه المسائل".

بعد الفوز، أتت كلمة زيلنسكي الاحتفاليّة مقتضبة فشكر زوجته وعائلته وفريقه على دعمهم له كما شكر الأوكرانيّين متعهّداً ألّا يخذلهم خلال مسيرته الرئاسيّة. وعلى العكس منه، ألقى بوروشنكو كلمة مطوّلة اعترف فيها بخسارته لكنّه أكّد عدم مغادرته المجال السياسيّ، مجدّداً عدم ثقته بأهليّة زيلينسكي لمواجهة الروس.

وخلال حديثه إلى صحافيّين يوم الاثنين، رفض الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف تهنئة فوز زيلنسكي قائلاً إنّه من "المبكر جدّاً" الحديث عن ذلك أو عن آفاق التعاون بين البلدين في المستقبل. وكان المرشّح الفائز قد حصل على دعم رؤساء غربيّين من بينهم الرئيس الأميركي دونالد ترامب وقادة آخرين من دول الاتّحاد الأوروبّي. من جهته، قال رئيس الوزراء الروسيّ ديمتري مدفيديف إنّ لدى موسكو فرصة لتحسين العلاقة مع أوكرانيا خلال رئاسة زيلينسكي، لكنّه أضاف أن "لا أوهام لديه" في هذا الشأن.

كلمة تختصر المشهد

إنّ عدم تهنئة بوتين لزيلينسكي يحمل دلالة إلى أنّ الروس قد يتمهّلون في إبداء أي ترحيب بالحوار مع الرئيس الجديد في الأشهر القليلة المقبلة. هذا بالحدّ الأدنى. ومع تشديد زيلينسكي موقفه منهم يصبح استمرار التوتّر أكثر احتمالاً.

تابع كاتشانوفسكي: "بوتين لم يهنّئ زيلينسكي على فوزه. وفي حين قدّم بوروشنكو زيلينسكي كمرشّح مؤيّد لروسيا وحذّر من ضمّ روسيا لبعض الأراضي الأوكرانيّة إليها، لم يعبّر زيلينسكي عن وجهات نظر مؤيّدة لروسيا. إنّ سياسته تجاه روسيا وحرب دونباس لا تزال غير مؤكّدة".

مراقبون أوكرانيّون آخرون احتفظوا بموقف مشابه وفقاً لتعليقاتهم ل "النهار". مراسل الشؤون الدفاعيّة لصحيفة "كييف بوست" الأوكرانيّة إيلْيا بونومارينكو يرى أنّ "هناك كلمة تصف ما يحصل حاليّاً في أوكرانيا حيال رئيسنا المنتخب زيلينسكي. وهذه الكلمة هي ‘اللايقين‘".

تحوّل قد يقلّص الغموض

يفصّل كاتشانوفسكي التحوّل في خطابات زيلينسكي: "لقد أثار في الأساس احتمالَ المفاوضات مع بوتين والتسوية عبر تنازل يقدّمه كلا الطرفين وأعرب عن التزامه باتّفاقيتي مينسك المرتبطتين بتسوية النزاع في الدونباس. لكن في بياناته الأحدث خلال الحملة الانتخابيّة، أعرب عن موقف سلبيّ تجاه روسيا وبوتين ودعا الحرب الأهليّة في الدونباس مع التدخّل العسكريّ الروسيّ على أنّهما حرب مع روسيا وأعلن أنّه لن يقدّم وضعاً استقلاليّاً ذاتيّاً خاصّاً لدونباس التي يسيطر عليها الانفصاليّون و(لن يقدّم) العفو عن الانفصاليّين علماً أنّهما (نقطتان) محدّدتان في اتفاقيتي مينسك. وستبقى قيد المتابعة أي سياسة سيتّبعها زيلينسكي وما إذا كان سيقدّم تنازلات لإنهاء الحرب في أوكرانيا".

تحليل بونومارينكو يتقاطع مع تحليل الأستاذ الجامعيّ في نقاط عدّة. فوفقاً للصحافيّ، "إلى الآن، علمنا فقط أموراً عامّة جداً حول سياساته المستقبليّة تجاه روسيا، الحرب في الدونباس والقرم. إنّ تصريحاته الأكثر حداثة أوضحت بطريقة ما وجهات نظره. على سبيل المثال، وصف زيلينسكي بوتين بوضوح بأنّه عدوّه الشخصيّ وأعلن أنّه لن يوقّع مطلقاً قانون عفو عن المسلّحين المدعومين من روسيا. وخلاف ذلك، كرّر مؤخراً أنّ إدارته ستلتزم بمسارات مفاوضات مينسك ومحادثات النورماندي الأربعة لمواصلة الدفاع عن تسوية سلميّة في الدونباس وأنّه كان ضدّ إعطاء الدونباس التي يحتلّها الروس أيّ وضع إقليميّ خاص داخل أوكرانيا‘"

تنازلات محتملة؟

يجيب بونومارينكو "النهار" لافتاً النظر إلى أنّه "لغاية الآن، تشير تصريحاته إلى أن لا نوايا لديه لتقديم أيّ تنازلات إلى روسيا. وهو في الأساس لا يستطيع تحمّل أيّ تنازلات للكرملين"، شارحاً أنّ جزءاً كبيراً من المجتمع الأوكرانيّ، من ضمنه الجيش، يشعر بشدّة بوجود احتمال في أن يكون زيلينسكي "حصان طروادة روسيّاً" و "خائناً لسلامة البلاد واستقلالها". لهذا السبب، إنّ "أيّ خطوة صغرى تجاه موسكو سيعقبها غالباً اضطراب فثورة ثمّ إطاحته السريعة. لكن عندها مجدّداً – لا نعرف ما الذي سيحصل تالياً على الأرض".

ماذا عن خبرته؟

يرى بونومارينكو أنّ الأوكرانيّين يواجهون "جانباً آخر من اللايقين" عندما يرتبط الموضوع بنقص خبرته السياسيّة، لأنّهم لا يعلمون بعد أسماء من سيختارهم لمناصب أساسيّة متعلّقة بالأمن والسياسة الخارجيّة. وأضاف: "إنّ قدرته على الوقوف بوجه ضغط بوتين تعتمد في كثير من الطرق على قدرته بالحصول على فريق قوي للسياسة الخارجيّة وللتواصل مع القادة الغربيّين الذين أعربوا عن جاهزيّتهم لدعمه".

يعبّر الصحافيّ عن نوع "صامت من التفاؤل" إزاء انتخاب زيلينسكي: "في نهاية المطاف، أفضّل لغاية الآن أن أقف بتفاؤل صامت تجاه مواهبه: هو ليس أحمق آتياً من عالم سرّي غير شرعيّ، هو في الواقع واحد من أبرز أقطاب الأعمال وصنّاع القرار بشأن ملايين الدولارات بشكل منتظم".

بالنسبة إلى بونومارينكو إنّ الوقت وحده سيكشف الوقائع. بالمقابل، إذا كان متوقّعاً أن يتقلّد الرئيس الجديد منصبه رسميّاً في حزيران، فقد لا يكون بالإمكان الكشف عن تطوّرات بارزة في ملفّ العلاقات الثنائيّة قبل تشرين الأوّل المقبل موعد الانتخابات التشريعيّة. ربّما عندما يتحدّد حجم كتلته النيابيّة بعد معركة يُتوقّع أن تكون محتدمة، سيستطيع زيلينسكي تجيير سلطته الرئاسيّة والشعبيّة لوضع أسس سياسته تجاه روسيا. لكنّ وكالة "رويترز" نقلت منذ خمسة أيّام عن السياسيّ الأوكرانيّ المقرّب جدّاً من بوتين فيكتور ميدفيدشوك، وجود أجواء روسيّة مؤيّدة لحلحلة الأزمة مع أوكرانيا وربّما تقديم بادرة حسن نيّة عبر إطلاق سراح البحّارة. وهذا وحده لو حصل كفيل إلى حدّ كبير بتسريع التطوّرات حتى قبل الانتخابات.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم