الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

هذا ما قاله فريدريك نيتشه لـ"بريد السماء الافتراضي": شبيهي ترامب وقد يكمل الفصل الأخير من النيتشوية

أسعد الجبوري
Bookmark
هذا ما قاله فريدريك نيتشه لـ"بريد السماء الافتراضي": شبيهي ترامب وقد يكمل الفصل الأخير من النيتشوية
هذا ما قاله فريدريك نيتشه لـ"بريد السماء الافتراضي": شبيهي ترامب وقد يكمل الفصل الأخير من النيتشوية
A+ A-
عندما شقت المركبة الذريّة تراب الأرض كالسهم، مخترقةً المجال الجوي، لم يكن أمامنا إلا سؤالٌ واحدٌ لا غير: هل ينتظرنا الشاعر والفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه في الموعد الذي سبق أن اتفقنا عليه مع سكرتيرته أم لا؟ آلاف الأسئلة كانت تتموج في الرأس. ولكن، ما إن حطت طيارة الزمن الصغيرة في السماء الخامسة، حتى وجدنا نيتشه نائماً وإلى جانبه حيوان الكوليفا، على تلك الأريكة الموجودة على رصيف الميناء البحري المزدحم بالغواصات وحانات الرؤوس الملتهبة بحمّى الأفكار والكحول ونزوات الحب. نهض نيتشه مذعوراً على صوت المركبة التي نقلتنا إلى هناك. لم يصافح أحداً من طاقم الرحلة. جلسنا أمامه، فيما هو راح بحشو غليونه بالتبغ متأملاً ذلك الحيوان الشبيه بالتنين، في الوقت الذي كان فيه الشرر الناري يتطاير من عينيه. ما إن استقرت عينا نيتشه، وتمت عملية المصافحة الخالية من كل لياقة بروتوكولية، حتى دعانا إلى الاستراحة تحت ظلال الزيزفون. وصلنا هناك، ولم نجد أمامنا سوى خبز مجفف بالقرب من آنيتين من الزيت والصعتر إلى جانب قميص قُدّ من دُبُره مع دفتر مذكرات زُليخا المطبوع حديثاً بعد صدوره عن دار الآخرة للنشر والتوزيع. أجلسنا متقابلين وجهاً لوجه، فطرحنا على الشاعر الفيلسوف السؤال الافتتاحي الأول: * على أي موسيقى سنسلك الطريق إليك من أجل صناعة حوار يليق بالحياة والموت معاً؟- قد تكون حاجتك إلى الزلازل أكثر منها إلى الموسيقى. * لكنك كنت تحب الموسيقى الكلاسيكية وتؤلفها. وقد كتبتَ فيها مؤلفاً فريداً من نوعه، "ولادة المأساة من روح الموسيقى"، عام 1872.- أحسست بأن الموسيقى لم تكن دافعاً قوياً للهدم وتدمير البنى الأخلاقية الوضيعة للمجتمعات الكهنوتية الأوروبية.* أيّ لذّة وجدتها في الهدم؟- لم أكن مأخوذاً بفكرة الهدم التكتيكي لإعادة تصحيح البناء قط. إنما كنت مشغوفاً بفوضى الفناء الاستراتيجي.* هل خيبّ ريتشارد فاغنر آمالكَ بالموسيقي وجمالياتها التي سبق أن وقعت قرباناً لغوايتها؟- الفنونُ مثلها مثل الحروب خدعٌ وأفرانٌ وبشرٌ لا يشبهون إلا المعجّنات القابلة للأكل أو للاحتراق. الأرض وجدت لتكون قبراً عشوائياً لنا جميعاً. فاغنر لم يقم إلا بعمليات تدليس الثقافة الألمانية المريضة عبر الموسيقى.* لكن في السمفونيات سلالم موسيقية، قد لا نجد لها مثيلاً في الحروب. - لا أعتقد بصحة تلك الفكرة. فليست أعظم من درجات سلالم الدمار التي جاءت بمقياس السيد تشارلز فرنسيس ريختر. وهذا الكلام يشمل سلالم الصراخ في أثناء الولادة والموت معاً. فمثلما أن الصرخةَ أمّ الوجود، الموتُ احتواءٌ لصرخة العدم. هكذا تتنوع السلالم الموسيقية من مشقة الولادة إلى سلالم التناغم ما بين النيران واللحوم المتطهرة من آثام أجسادنا في رحلة التبخر إلى هناك.* لكن الصراخ قد لا يصاحب كل ميتة. هناك السكتة القلبية والفالج والقتل المفاجئ بالديناميت...- الموت فيلترٌ لتصفية الكائنات من الأعطاب ومن الدونية التي تفرضها عليه الأسلحة. للموت كواتم صوت. وأغلب الغاضبين من الحياة، عادة ما يقفلون الطريق بالعودة الصامتة، كي لا تستفز صرخاتهم الموتى، ويتسببوا بإزعاجهم في العالم الآخر. فيما الضرورة تقضي أن تمتلئ الأعين بذرات الكعكة الصفراء، لترى عالماً تسوده أفواج المجانين.* هل تعتقد بأن الموت يستثمر وجوده عند الضعفاء وحدهم، وذلك من أجل تجنيدهم للإيمان بالرب وتوابعه ومرجعياته الأرضية؟- أجل. فالموتُ بنكٌ لعملةِ الله وحده.* تقصد أن من لا إيمان له بالربّ، سيكون بلا صرفٍ أو دون تصريف في البنك الإلهي الأخير؟- الوجود الذي كنت على ظهره ماشياً ونائماً وحالماً، لم يكن غير قطعة غيم، ما إن وضعتُ عليها قدميّ، حتى وجدت نفسي، وأنا أقيم الصلوات في مجرى الأرخبيل الجنائزي.* أي صلوات تقصد يا نيتشه؟- لا تظن بأنني كنت أقيم صلواتي مثل صلوات الرعاة في المعابد ومكابس الأديان بالرؤوس. لا. كنت أقيم صلواتي في رأسي الذي طالما أراه أشبه بمنطاد تحيطُ به الكثير من الكائنات الغريبة غير المتحفظة لا بالأمن ولا بالحب ولا بوحدة الدين أو وحدانية الخالق. - الوجود الذي كنت على ظهره ماشياً ونائماً وحالماً، لم يكن غير قطعة غيم، ما إن وضعتُ عليها قدميّ حتى وجدت نفسي، وأنا أقيم الصلوات في مجرى الأرخبيل الجنائزي.* أي صلوات تقصد يا نيتشه؟- لا تظن أنني كنت أقيم صلواتي مثل صلوات الرعاة في المعابد ومكابس الأديان بالرؤوس. لا. كنت أقيم صلواتي في رأسي الذي طالما أراه أشبه بمنطاد تحيط به الكثير من الكائنات الغريبة غير المتحفظة لا بالأمن ولا بالحب ولا بوحدة الدين أو وحدانية الخالق. * أنت تخرج عن طاعة والدك القس، وعن مدرسة الرهبان التي تعلمت فيها، فأصبحت كافراً بلا قساوسة؟- لقد عشتُ 1850- 1856 قساً صغيراً في "أسرة من النساء"، الأم والأخت والجدة والعمتين الأرملتين والخادمة. مع ذلك لم تؤنثني حياتي القديمة، لأنحرف وتضيع ذكورتي.* لكن طفولتك المتروكة في البيت مع ملحقاتها، سرعان ما خرقت البراءة تماماً، لتقفز أنتَ إلى مرحلة الشباب المشحون بطاقات هائلة من التوحش والعدوانية. فما الذي حدث بالضبط؟ - كنت أمام تلال من الأخلاق الميتة والمبادئ النفعية والفلسفات الفارغة، حيث لا بد من أن أكون حادّاً لأخترق الجدران الأسمنتية المسلحة بالماديات والمثاليات التي تبدأ بالرومنطيقية، ولا تنتهي عند حدود الحداثة.* هل الشخصية العدوانية الحادّة هي شكل من أشكال التأسيس لفلسفة العدم؟- العدميةُ نظامٌ يقود في نهاية المطاف إلى الإيمان بالمطلق. أي التفاعل الحسي بالفاشية اللاهوتية التي عادةً ما تقوم في ما وراء الإلحاد. * كيف للشك أن لا يشتت؟- بالمشرط. أي أن تفتح رأسكَ وتجتثّ العقل من هناك وحسب. * هل تسربت...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟ تسجيل الدخول

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم