السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

في امتناع الشاعر عن قراءة نصوص معاصريه

أنور الموسى
في امتناع الشاعر عن قراءة نصوص معاصريه
في امتناع الشاعر عن قراءة نصوص معاصريه
A+ A-

لعلّ السّمة البارزة التي يلحظها الناقد في مقابلات كثيرة مع الشعراء، تكمن في وصف الساحة الأدبية بالمتردّية. والقول مثلاً إن أمثال المتنبي وأبي تمام لم يُخلقوا. وكأني بالتعميم في الأحكام بات القاعدة.

والواقع أن أسئلة جمّة تتبادر إلى ذهن الناقد والقارئ في آن معاً في ظلّ التقدّم التكنولوجي المذهل الذي يؤثّر في السلوك القرائي والميول: هل حقاً يقرأ الشاعر نصوص الشعراء المعاصرين له؟ وما حدود هذه القراءة وغايتها؟ ولمَ تخفِ هذه القضية إشكاليات سيكولوجية؟

الفكرة خطرت ببالي أخيراً حين تصفّحتُ صفحة أدبية عبر "فايسبوك"، تشكو مديرتها من أن الشعراء لا يتفاعلون مع قصائد أترابهم، ما أثار ردود فعل متباينة عند الشعراء أنفسهم.

بعض الردود اتخذ طابع التهرّب، فأكد بعض الشعراء أن الوقت لا يسمح لهم بالقراءة لغيرهم من المعاصرين. ورأى آخرون أن القراءة تنكبّ على الدواوين، أو الأشعار القديمة. وادّعى آخرون أن المعاصر مكرور أو ركيك أو ممجوج. وغالى بعضهم في القول: إن المعاصر بلا صدق أو فكر عميق، وإن السابق لم يترك للاحق شيئاً من الصور والأفكار والقوالب الفنية.

الواقع أن العذر الذي يقدّمه بعض الشعراء أنفسهم أقبح من ذنب. إذ أليس بعض الشعر القديم أيضاً مكروراً أو مبتذلاً؟ وهل يعقل أن تطلق أحكام تتّسم بالتعميم؟

ففي النصوص القديمة كما الجديدة مؤشرات إبداعية مهمة، وثغرات جمّة أيضاً. فالجودة لا تقاس بالقِدم أو المعاصرة.

لقد أهملت الردودُ العاملَ النفسي النرجسي الذي يجعل الشاعر يمتنع عن تقديم الإعجاب بالجيد، حتى لا تتزعزع مكانته بالنسبة إلى نفسه.

صحيح أن الأفكار والصور والأخيلة تتوارث عند الشعراء عبر ما يسميه يونغ اللاوعي الجمعي، إلا أن التقليد لا يعدّ عيباً، أو سرقة، لأنه يخضع لمبدأ التّناص، والتّناص قدر كلّ نصّ أدبي. والنصوص كما هو معلوم لوحة فسيفسائية من الاقتباسات التراثية أو الأسطورية أو الدينية أو الفكرية. فإن كان هذا الشأن في النقد القديم يعدّ سرقة أدبية، فالأمر اختلف حالياً مع المناهج الحديثة التي تؤمن بمقولة الحضور والغياب، أي أن النص الحاضر الذي بين أيدينا يؤشّر إلى نصوص غائبة امتصّها الأديب عبر مطالعاته السابقة.

أما القول إن النصوص كثيرة، ولا يمكن قراءتها، فهو زعم غريب، لأن شاعر اليوم لا يقرأ أحياناً حتى العنوان، وقد يقرأ القصيدة بهدف صيد زميله، أو هفواته، فيعلن عنها، فيما يغفل الحديث عن الجودة. فنحن إذاً، نعيش أزمة قراءة حقيقية لها بواعثها ونتائجها.

ومع ذلك، هناك نسبة ليست بالكبيرة تقرأ وتنتقد وتوجّه الملاحظات الإيجابية أو السلبية. ولكن كثيراً ما تتورّط هذه الفئة مع من لا يتحمّل النقد. فتقع المشكلات! وقد يردّ عليها الشاعر بتهكّم أو يحاول الانتقام.

ما ينطبق على صفحات التواصل الاجتماعي الأدبية ينطبق على الواتساب وغيره، من خلال الغروبات التي يقتصر التفاعل فيها على القلّة، ويكون بكلام الثناء عادة؛ هذا إن استمرّت غالبية تلك الغروبات أصلاً مدة طويلة.

صفوة القول إن القراءة تمنح الشاعر أبعاداً منطقية وأخلاقية لا يجوز إهمالها بذريعة أن الشاعر معاصر، وأنّ الأنا هي الأهمّ. لأن من يلغِ الآخرين لا يجد من يقرأ له في النهاية.

والتواضع سنّة الكبار.

اقرأ للكاتب أيضاً: التعليقات الـ"فايسبوكية" على الشعر في ميزانَي النقد والخديعة

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم