الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

هل بات ممكناً رصد فاعليّة العقوبات الأميركيّة على إيران؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
A+ A-

ألم "بلا جدوى" و "عصا بلا جزرة"

يرى البعض أنّ السياسة الخارجيّة للولايات المتّحدة تجاه إيران تعبّر عن حالة "فوضى"، بحسب مدير برنامج الشرق الأوسط في "معهد أبحاث السياسة الخارجيّة" آرون شتاين. يسوق الباحث في مقاله ضمن موقع "وور أون ذا روكس" تحليلاً يقوم على انتقاد سياسة العقوبات الحاليّة موضحاً أنّ الهدف التقليديّ من فرضها هو دفع الدولة المعاقَبة إلى تغيير سلوكها. لكن حين يتمّ تطبيقها بطريقة "مستقلّة عن أيّ إغراء أو استمالة إيجابيّة من أجل تغيير الخيارات السياسيّة لنظام عدوّ، فهنالك القليل من الأدلّة لاقتراح أنّ مقاربة ‘العصيّ فقط‘ تؤدّي إلى تغيير سياسيّ".

ويضيف أنّ مشكلة إدارة ترامب في معاقبة الحرس الثوريّ هي أنّها "تعقّد بشكل بالغ أيّ جهد حاليّ أو مستقبليّ لعرض ‘جزرة‘ على الحكومة الإيرانيّة لتعديل أو تغيير سياسة خارجيّة أو عسكريّة في الشرق الأوسط".

يمكن قراءة تحليلات مشابهة أخرى حول جدوى العقوبات الأميركيّة الحاليّة. بول بيلار من مؤسّسة الرأي الأميركيّة "ناشونال إنترست" يكتب عن عدم وجود "حتى أدنى إشارة" إلى أنّ إيران تريد العودة إلى طاولة التفاوض من أجل التوصّل إلى "اتّفاق أفضل" مضيفاً أنّ الإيرانيّين يعتمدون "المثابرة والمقاومة المتشدّدة" للعقوبات. بيلار وردّاً على مراقبين أميركيّين روّجوا لنجاح خطّة ترامب بناء على الضائقة الماليّة التي يمرّ بها الإيرانيّون وحزب الله، أعلن أنّ جعل حياة الخصوم أصعب أشدّ إيلاماً وكلفة على خصوم واشنطن لا تؤمّن المصالح الأميركيّة.

وأوضح بيلار، صاحب كتاب "لماذا تسيء أميركا فهم العالم" أنّ الألم يخدم هذه المصالح فقط في حال أبدت الدولة المستهدفة استعدادها لتغيير توجّهها، وهذا ما لم تظهره إيران خلال الفترة الماضية.


حسابات إيرانيّة أخرى

قد تثبت هذه العقوبات عدم جدواها في دفع إيران إلى طاولة التفاوض. لكن بالنسبة إلى سياسة "العصا بلا جزرة" التي تعتمدها واشنطن بحسب تحليل شتاين، فهي لا تعبّر بنفسها عن سبب فشل محتمل في هذا الإطار.

بداية، صحيح أنّ الولايات المتّحدة لم تقدّم حافزاً واضحاً لإيران كي تبدي استعداداً لتليين موقفيها الإقليميّ والثنائيّ تجاه الولايات المتّحدة. غير أنّ ترامب لم يمتنع عن إطلاق إشارات في هذا الموضوع، خلال الصيف الماضي، حين أصدر تصريحه الشهير عن استعداده للحوار مع الإيرانيّين من دون شرط مسبق. رفضت إيران الردّ على هذا الطرح مثل إطلاق إشارة أو تلميح مشابهين. ربّما كانت تنتظر ما سيصدر عن المفاوضات الأميركيّة-الكوريّة الشماليّة للبناء على المقتضى، ومراقبة ما أمكن لترامب أن يقدّمه إلى بيونغ يانغ من محفّزات، إضافة إلى الثمن الذي كان عليهاأن تدفعه لقاء ذلك. إنّ الفشل الأوليّ في محادثات ترامب-كيم يمكن أن يكون قد شكّل أحد دوافع إيران إلى عدم الاستجابة للمبادرة الأميركيّة.

على صعيد آخر، لم تكن إيران مستعجلة للانفتاح على واشنطن بما أنّ هذا الانفتاح كان ليتمّ تصويره على أنّه رضوخ للعقوبات الأميركيّة ولترامب نفسه. لعلّ أبرز الحسابات الإيرانيّة في هذا المجال اقتضت تفادي إهداء ترامب نقاطاً "مجّانيّة" حتى ولو تجلّت فقط على صورة مؤشّرات استعداد للحوار أو لتخفيف التصعيد الإقليميّ. لكنّ هذه الحسابات لم تنحصر في الامتناع عن تقديم "الهدايا".

بدت رئاسة ترامب تعاني صعوبات كثيرة بسبب التوقّعات حول إمكانيّة أن يشكّل تحقيق مولر ضربة كبيرة لها. لو تحقّق ذلك، لتمكّن الإيرانيّون ربّما من الاستفادة ممّا سيثيره التحقيق من استقطاب داخليّ وتراجع في الاهتمام بالشؤون الخارجيّة الأمر الذي كان سيرفع جزءاً من الضغط عن الإيرانيّين. لكن اليوم، وبعد صدور نتائج التقرير، قد تكون الحسابات داخل إيران في طور التغيّر، من دون أن تتبيّن نتائجها قريباً بالضرورة.


الانحياز المسبق وعامل الوقت

ما يصعّب على الأميركيّين قياس فاعليّة العقوبات هو عدم قدرة جزء من مراقبيهم على فصل هذه الانتقادات عن السياق العام للانقسام السياسيّ في الولايات المتّحدة. أحياناً كثيرة، ضخّم مناصرو ومناوئو العقوبات الأميركيّة على إيران "إيجابيّات" و"سلبيّات" هذه العقوبات، وخصوصاً تلك التي طالت الحرس الثوريّ، على السلوك الإيرانيّ.

الباحثة سوزان مالوني في معهد "بروكينغز" تشير إلى عدم وجود سبب كبير للاعتقاد بأنّ تصنيف الحرس "سيغيّر قواعد اللعبة". فمن يدعم الحرس بات يواجه اليوم احتمال السجن لمدة عشرين عاماً، وهذا ليس رادعاً إضافيّاً أكثر من العقوبات الماليّة والجزائيّة المفروضة أصلاً على من يقيم علاقات تجاريّة مع الحرس وفقاً لرأيها.

لكنّها بالمقابل، انتقدت "التوقّعات الأبوكاليبتيّة" لمعارضي خطوة ترامب واصفة إيّاها بأنّها "مضخّمة وغير ذات صدقيّة". ولفتت النظر إلى أنّ متبنّي الانفتاح على إيران من الأميركيّين رفضوا جميع الإجراءات ضدّها، أكانت عسكريّة أو ديبلوماسيّة أو اقتصاديّة، بما فيها تلك التي فرضها أوباما، مشيرين إلى مخاوف "ثبتت المبالغات في العديد منها مراراً وتكراراً أو (ثبت) حتى أنّها في غير محلّها".

على أيّ حال، لا يزال الوقت مبكراً للحكم على جدوى العقوبات في دفع إيران إلى طاولة المفاوضات. بالمقارنة مع العقوبات الدوليّة التي فرضها مجلس الأمن قبل التوصّل إلى الاتّفاق النوويّ، قبلت طهران بإطلاق المحادثات مع الغرب حول برنامجها بعد حوالي سبع سنوات على فرضها. وهذا يترك هامشاً زمنيّاً كبيراً للمتابعين من أجل مراقبة تفاعلات إيران مع عقوبات لم تتوقّف عن سلوكها مساراً تصاعديّاً منذ أيّار الماضي.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم