الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

بستانٌ جَفَل من يدي وقطع عُزلتي

محمد العرابي - المغرب
بستانٌ جَفَل من يدي وقطع عُزلتي
بستانٌ جَفَل من يدي وقطع عُزلتي
A+ A-

لا تضعِ الرّحمة ضمن وجباتك على المائدة،

كُلها كوجبة

سريعة من طبق الحقيقة،

الطبق الذي طرَّزته لك أمُّك من الدُّوم،

رغم كِسَر الخبز القليلة والفتات،

وإن لم تعد تستثِرْ روحك،

أو تُطفئ النار التي تلتهم جسدك.

من غير هذه الرحمة، أنا محطَّم

للغاية كصنَم من الجبس؛

بل إن الغبار أشدّ تماسكا من قامتي

التي أتباهى بها أمام خَلق عظيم

من كذبة يتركون عيونهم في قلبي

لتنهشنه وتسكنّ فيه كخذروف.

أنا لا أدير الخذروف،

أنا لا أراه حتى وهو يحفر الطبق نزولا

إلى الحاسة الوحيدة التي بقيت تعمل

ربما لألحس الملح من شفة الغياب.

كل ما أفعله هو أنني أدير عينيّ

رغم أنهما لا تريان شيئا،

بل توهمان الكائن الموجود قبالتهما أنه مراقب أيضا،

وأن عليه أن يفر إلى الداخل حتى لا يعود مرئيا لذاته.

أين تضع الحاضر يا صنوي،

عندما يتدفّق المطر في شرايينك أول مرة،

ويسقى كل ركن وكل زاوية فيك،

ولا تملك في إبانه غير سِنَّي حليب

وأنت أسعد بما لديك؟

ثمَّ هل تعزف عليه وتترك ما سواه

يتدفق خارجا،

هل ترقص في أشلائك التي لا تشملها الرحمة؟

أظن أني أحتاج لعزلة

كتلك التي يؤمِّنها الفجر لأرتب

أشجاري وأودعها أحلاما عجزتُ عن تحقيقها،

عزلةٍ تدخلني في صراع مع لا أحد،

لأواجه نفسي ذات الألف مرآة.

قد يجعلني ذلك أكتشف أنه لم يكن أمامي غير السراب

وهذه الأنا المثالية في البياض والصمت،

فيما كنت أواصل الخداع على زاوية من سجاد،

في نوع من التكرار، وأحشر رأسي

بين رؤوس حُلقت بشفرة بارود.

لكن بستانا جفل من يدي

وقطع عزلته على سبيل المعاكسة،

انفجرت حشائشه في وجهي،

وقال سنقع معا في بحر أو في نهر،

وسنغسل وريقاتنا واحدة تلو الأخرى

ونزيل عنها الخيبات التي راكمتها الأيام.

لا أخفيك،

أنا مذعور من مقامك في الظلال،

بجانبي،

بل إني أتجمَّد من هذه اللحظة التي لم يعدِ

الحزن يعني لك شيئا فيها،

رغم الإخفاق في الحب وفي الحياة بأكملها.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم