الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

الشاعر يوسف مارون لـ"النهار": الحبّ ينبوع القصيدة

المصدر: "النهار"
أنور الموسى
الشاعر يوسف مارون لـ"النهار": الحبّ ينبوع القصيدة
الشاعر يوسف مارون لـ"النهار": الحبّ ينبوع القصيدة
A+ A-

الشاعر الأكاديمي يوسف مارون، مبدأه في الحياة هو الحبّ الذي يشكّل منطلق القصيدة وجوهر الشّعر الجمالي: "أحببت لبناناً محبة شاعرٍ/ ورسمته شعراً بفيض مشاعري". 

وكان للموت أثر سوداوي انطبع بالأسى في شعره: "حين رحلت ابنتي البكر (ديزي) في شرخ صباها، انداحت أمواج الفرح في نفسي، وصارت الحياة عبئاً ثقيلاً، وتلفّعتْ قصائدي بوشاح السويداء والضّياع، فرحتُ أمشي على أشلائي، ودرب الجلجلة يطول ويطول بفقد والديّ اللّذين كان لهما في شعري سمفونيّات حزينة، مفعمة بالوجع والألم والحيرة."

هذه الصورة السّوداء انسحبت على حياة الشاعر مارون، وتجلّت قصائد متّشحة بوجدان الحبّ المؤرق، والوجدان الهائم، كما كان لفقد الأصدقاء الأودّاء من شعراء ومربّين وأقارب أثر موجع في أشعاره، فرثاهم تعبيراً عن حُرقة قلب، ولهيب وجدان، وحبّ دامع. فالحياة التي يعيشها الشّاعر، كما يقول "هي أشبه بخميلة مفعمة بالطّيب والعسل، كما هي مليئة بالشّوك وإبر النّحل".

فما بواعث التجربة الشعرية عند هذا الشاعر الرومانسي؟ وما مفردات رومانسيته؟ وما موقفه من النّقد والشّعر الحرّ والحركة الشعرية والتراث والأصالة؟ وما جديده وغاياته ورسالته؟

1ـ ما بواعث كتاباتك الشعر؟ وهل من دور للمعاناة؟

نشأتُ في بيئة جبليّة ريفيّة تهوى الشّعر اللبناني باللغة العامّيّة، فنظّمتُ هذا اللّون من الشّعر بين الثّالثة عشرة والخامسة والعشرين، ونظّمتُ بعض القصائد الكلاسّيكيّة في الحبّ والغزل. معظم أشعار هذه المرحلة كانت في مناسبات وطنيّة واجتماعيّة، وأدّت الفطرة والموهبة دوراً في تنمية الذّائقة الشّعريّة، فنظّمتُ قصائد مطبوعة بالعفويّة والحبّ البريء.

معاناتي في البدايات طبعت شعري بالبساطة والبراءة والإخلاص، ولم يكن عندي ثقافة شعريّة تنقّح وتصوّب قبل دخولي الجامعة في السّبعينيات، وفي هذه المرحلة نمت الذّائقة الأدبيّة كثيراً لأنّني كنت من طلاب الإجازة في اللّغة العربيّة في كليّة الآداب، الفرع الأوّل في الجامعة اللبنانيّة، وبدأت أنظم الشّعر الحديث المسمّى بالنّيوكلاسيكي، أو الشّعر الحرّ، وكان معبّراً عن تجربتي في الحبّ والتّغزّل بالحبيبة.

2ـ مَن شجّعك في الكتابة؟ وبمن تأثّرت؟

في البداي، شجّعني شعراء الزّجل اللّبناني وصداقتي بهم على كتابة الشّعر العامّي باللّغة اللّبنانيّة، ولما دخلت الجامعة بدأت بحفظ أشعار من دواوين الشّعراء القدامى والمحدثين، وحفظت، أثناء دراستي في الجامعة اللّبنانيّة واليسوعيّة في بيروت، ما يزيد على عشرة آلاف بيت شعر كلاسيكي، وبتشجيع من الأساتذة الدّكاترة يومذاك، أذكر منهم الشّيخ صبحي الصّالح، أسعد علي، سعيد البستاني وأحمد مكّي.

3ـ في مجموعتك الشّعريّة يتلاقح الوطن والحبّ والطّبيعة... ما الدوافع؟

الحبّ هو الينبوع الذي أستمدّ منه أشعاري، وهو المحور الرّئيس الذي يطبع مجموعتي الشّعريّة، وثلاثيّة الحبّ في شعري تجلّت في التّغزّل بالحبيبة، والتّغنّي بالوطن، ورثاء الأودّاء والأصدقاء، ووضعت في هذه المرحلة "نداء البعيد"، تتمحور فيه ثلاثيّة الحبّ بألوانها المشبعة بالعاطفة، وكانت الطّبيعة المكان الآمن لكتابة أشعاري؛ في قرية ترعرعت فيها ونشأت بين أكنافها، وهي بقرقاشا (بشري) المشرفة على وادي قاديشا، وتكحّلت عيناي بمرأى جمالاتها السّاحرة، ومشاهدها الآسرة.

4ـ لمَ تلجأ في شعرك إلى التّراث والرّموز العالميّة؟

كانت انطلاقتي الأولى من التّراث الشّعري العربي القديم، متأثّراً بأشعار القدامى وبأساليبهم الكلاسيكيّة، فأنا شاعر كلاسيكي بامتياز، انطلقت أشعاري بصوفيّة رمزيّة تنادي الإنسان وما وراء الإنسانيّة الرّهيفة، وتناجي الوطن الشّهيد الحيّ حاضراً ومستقبلاً، وتسمو بالحبّ الجماليّ إلى أعلى مرتقى. فالشّعر الكلاسيكي تجلّى في تهويمات حديثة من غزل، ومراثٍ، ووجدانيّات، ووطنيّات، ومناسبات اجتماعيّة، في مقاربات صوفيّة حزينة. وكان ديوان "روح العناقيد" اختصاراً لمطوّلة عمر، ولغة القلب والرّوح المهوّمة في أتون الحزن.

أمّا الرّموز في شعري فكانت مصدراً قميناً يمدّه بالمعاني التضمينيّة، انطلقت من رحم مطالعاتي ومعاناتي، ترفده ثلاثة عناصر هي: الموهبة، والثّقافة، والتّجارب الذّاتيّة.

5- أنت متحيّز للشّعر العمودي، ما هو موقفك من قصيدة النّثر؟

ينطلق الشّعر من الأصالة أوّلاً، ثمّ يتجدّد في مسار الحداثة، فكلّ حداثة لا تنطلق من التّراث هي حداثة منحرفة وفاشلة، لا تخدم العروبة والعربيّة في شيء، بل تساهم في ضياعها وزوالها.

لقد كتبت الشّعر العامّي، ثمّ الشّعر الكلاسّيكي، حتّى توصّلت إلى كتابة الشّعر الحرّ المفعّل، والشّعر الحرّ المقفّى، وبرز في ديواني "مجامر الشّوق" بدون أن ألغي التّراث والأصالة، فحافظت على هذه الأصالة بالجوهر الجمالي للّغة المنبثقة من مفهوم يقارب الأعماق الصّوفيّة. وهذا الجوهر اللّغوي الأصيل يشكّل في شعري منطلق التّجديد الملوّن بدم الوجدان، وتعب الذّات.

أنا لست معادياً لمن يكتبون قصيدة النّثر، أو الشّعر المنثور، إذا كانت هذه القصيدة تعبّر عن حالة شعوريّة في صورة إيقاعيّة ولغة أصيلة، تساهم في تشكيل المكان والزّمان اللّذين يخلقان التّشكيل الشّعري، كما نرى عند جبران وأمين الرّيحاني في "أعماق الأودية" بديباجة اللّغة الشّعريّة.

6ـ في شعرك حنين إلى القرية، هل تعدّ القرية بمنزلة الرّحم؟

إنّني ترعرعت في قرية جبليّة (بقرقاشا)، عمرها 2500 سنة قبل المسيح، فيها آثار فينيقيّة ورومانيّة. تعلّقي بأرضها كتعلّقي بأمّي، فالطّبيعة هي الأمّ التي تحتضن الشّاعر، وهي ميدان التّشكيل المكاني والزّماني، والشّاعر يحاول خلق نوع من التّوازن النّفسي بينه وبين قريته؛ عن طريق الجمال الرّيفي الّذي يشكّل النّواة الأولى في القصيدة، والموسيقى هي الّتي تهيّئ حالة من الاندماج مع مظاهر التّناسق والإيقاع في البيئة الطبيعية.

لقد لجأت إلى الطّبيعة لا هروباً من الحقيقة، بل تلمّساً بالخيال الّذي أجد فيه الحقيقة.

7- هل للشّعر حدود طائفيّة؟ وما دوره في تعزيز النّزعة الإنسانيّة؟

الشّعر هو الإيقاع الثّقافي الّذي يشكّل حركة إنسانيّة شاملة، بينما لا تشكّل الإيقاعات الأخرى سوى إرهاصات تودّي إلى خدمة المجتمع، فالشّعر ينماز بسمة إنسانيّة لها خصوصيّتها، هو مدرسة كما قلت في إحدى قصائدي، تعالج الإنسان في حياته ووجود.

8ـ ما رأيك في الحياة الشّعريّة حاليّاً؛ لجهة الأمسيات، وما ينشر في وسائل التّواصل الاجتماعي؟

يمرّ الشّعر اليوم بمرحلة صعبة، فالشّعر العربيّ الأصيل هو عرائس مكوكبة بالعناقيد مظلّلة بموسم مُشعّ، ولكنّ الصرعات الشّعريّة المعاصرة تطلّ بقصائد غدت مجالات حبلى بحداثة منحرفة هجينة، وثقافة إلكترونيّة حتّى بات الشّعر الحديث عسراً على يسر، كما بات النّقد في خبر كان، لأنّ حركة النّقد الأدبي باتت عاجزة عن مواكبة تطوّر الشّعر الّذي سار بخطى العمالقة، وذلك لغياب النّقّاد الّذين يحلّلون الشّعر، ويصوّبون ما يعتريه من خلل واعتوار. أمّا الأمسيات الشّعريّة فما هي إلّا منتديات نادرة، روّادها قلّة، تكاد تتحوّل إلى ميدان للتّذهين، أو العصف الذّهني، في عصر العزوف عن مطالعة الكتاب الورقي والصّحيفة اليوميّة، والبعد عن الأصالة الشّعريّة في لغة العرب.

9ـ ما جديدك في الشّعر، وأنت اللّغويّ المخضرم في التّدريس الجامعي؟

مارستُ التّعليم في جميع مراحله وصولاً إلى الجامعة، والتّفتيش التّربوي المركزي، وإعداد المعلّمين في كلّية التّربية، وأطلقتُ ما يزيد على ستّين مؤلّفاً وموسوعة في اللّغة والأدب والتّربية، وتعلّميّة اللّغة العربيّة، والثّقافة العامّة، والشّعر، والكتاب المدرسي، ومراجعة الكتب وتحقيقها توثيقاً ولغةً وترجمةً.

والآن، أقوم بإعداد ما تبقّى من المخطوطات في المقالات الذّاتيّة والنّقديّة، وهي منشورة في الصّحف والمجلّات اللّبنانيّة والعربيّة. أمّا الجديد في الشّعر فهو ديوان "أصداء وأنداء" يجمع قصائد نظّمت حديثاً في الوطن والمرأة والحبّ والوجدان المؤرّق، وللقدس قصيدة بعنوان "حجارة تحت الرّماد"، تعبّر عن إيماني بعروبة هذه المدينة التّاريخيّة المقدّسة.

اقرأ للكاتب أيضاً: إشكالية أدب الأطفال في صياغة الهويّة اللبنانية

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم