الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

لن تنتهي تلك الحرب ما لم نستعد "سلطة الأخلاقيّات"

المصدر: "النهار"
عقل العويط
عقل العويط
A+ A-

44 عامًا على اشتعال حرب العام 1975 التي انتهت نظريًا في العام 1990 لكنها، في رأيي، تأبى عملانيًا أن تنتهي.

إننا في هذا العاشر من نيسان 2019، عشية الذكرى الرابعة والأربعين لابتداء الحرب المشؤومة، نعيش ما هو أسوأ من تلك الحرب، وما هو أفظع منها، وأكثر استحالةً. فما الذي يجعلها تظلّ تبدأ باستمرار؟ وما الذي يحول دون انتهائها، مرةً واحدةً، وإلى الأبد؟!

أريد أن أتناقش مع أهل العقل حول السؤال الآتي: ما الذي يجعل لبنان واللبنانيين في عجزٍ تامّ عن الخروج من الحرب، ومن أخلاقياتها، علمًا أن المتاريس أُزيلت من زمان، والمدافع أُسكِتت، والمذابح لُجِمت، والقنّاصة ارتدّوا على أعقابهم، و"الحياة الطبيعية" عادت إلى الحياة الطبيعية، رئاساتٍ، وانتخاباتٍ، ومجالس، ومحاكماتٍ، ومشاريع حكومية، وأعمالًا، وأتعابًا، وأشكال شقاءٍ، وعجقات سير، وصفقاتٍ، وفقرًا، وجوعًا، وتلوّثًا، وأمراضًا، وفضائح نهبٍ وفساد؟

أهي الأسباب المعلنة التي أدّت إلى نشوبها، لا تزال هي الأسباب؟ أم هو الدستور؟ أم هي السلطة؟ أم هو المال؟ أم هم الناس الذين كانوا وقودها، لا يزالون يريدون أن يكونوا وقودًا؟ أم هي الطبقة السياسية؟ أم الأحزاب؟ أم الطوائف والمذاهب والأديان؟ أم الإيديولوجيات والأفكار...؟

أنا الذي عشتُ الحرب، وأحمل أوزارها في قلبي وعقلي، وأتشرّف بأني، وعائلتي، لم نشارك فيها، ولا في "أخلاقياتها"، يمكنني أن أقول إن الحرب التي نعيشها اليوم، منذ إعلان انتهاء تلك الحرب، هي الوجه الآخر لتلك الحرب بالذات، التي تأبى أن تنتهي، والتي تتخذ أشكالًا ووجوهًا وأقنعةً لا تُعدّ ولا تُحصى. بل التي تخترع لنفسها أشكالًا ووجوهًا وأقنعةً... من أجل أن لا تنتهي أبدًا، لا اليوم، ولا غدًا، ولا بعد غد.

مَن مِن قادة الحرب، يريد حقًّا أن تنتهي الحرب؟ مَن مِن ناسها، وأحزابها، وأفكارها، وإيديولوجياتها، وطوائفها، مذاهبها، وأديانها، ووقودها، وقطعانها، يريد أن تنتهي تلك الحرب، ويعمل فعلًا على إنهائها؟!

لا أحد من هؤلاء يريد إنهاء الحرب، لأنه لا يريد إنهاء نفسه.

تنتهي الحرب عندما تُستعاد "سلطة" الأخلاقيات، باعتبارها معايير حصرية لعيش الحياة، الحياة الشخصية والفردية والجماعية والمجتمعية والوطنية، وباعتبارها أصولًا لممارسة السياسة والسلطة، ولتطبيق الدستور والقانون، ولإعلاء مفهوم الدولة.

هل استعيدت الأخلاقيّات حقًّا؟ ومَن استعادها؟ وهل السلطة التي تمارس السلطة، تأخذ بـ"سلطة" الأخلاقيات، وتعمل بموجبها؟

أعطوني مثلًا واحدًا، لأرتدع. ولأسحب سؤال الحرب التي لا تنتهي.

هؤلاء الذين استولوا على السلطة، معسوا سلطة الأخلاقيات. دعسوها بالأرجل. مرّغوها بالأقدام. وبصقوا عليها. ونحروا الخراف ترميزًا للانتصار عليها.

هؤلاء هم حرّاس حربنا الأبدية المتواصلة، وهم أسيادها، وحكّامها، وقادتها، وجنودها، ووقودها، وسلاحها، وأفكارها، وأحزابها، وطوائفها، ومذاهبها، وأديانها.

فكيف، والحال هذه، تنتهي الحرب؟

أسوأ أنواع الحروب تلك التي لا تنتهي. وهي هذه التي نحن فيها الآن.

وسنظلّ في هذا الأتون، في هذه الجحيم، في هذا الموت الدائم. وسنظلّ في هذه الحرب، راكعين، خاشعين، متعبّدين، إلى أن تستعاد "سلطة الأخلاقيّات"، فـ"نقف معًا" بقوة هذه الأخلاقيّات، وبسلطتها، لإنهاء تلك الحرب!

لن تنتهي الحرب، ولا حلّ آخر للبنان، وفي لبنان، إلّا بالأخلاقيّات. فلنقف معًا لكي ننهي تلك الحرب ونستعيد "سلطة الأخلاقيّات".

[email protected]

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم