الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

عائلة تروي تجربتها مع ابنها المصاب بالتوحد... طريق السعادة والحب يمرّ من هنا

المصدر: "النهار"
آية سلامي
عائلة تروي تجربتها مع ابنها المصاب بالتوحد... طريق السعادة والحب يمرّ من هنا
عائلة تروي تجربتها مع ابنها المصاب بالتوحد... طريق السعادة والحب يمرّ من هنا
A+ A-

26 سنة مرت وهو بركة البيت. حاز اهتمام أفراد العائلة. لم يتركوه يوماً وحده يحارب ما يسمى "التوحد". محمد صادق حيدر (26 سنة) يعاني من التوحد منذ أن أبصر النور، فكانت سميرة حيدر، والدة محمد أول من لاحظ الاختلاف لدى فلذة كبدها.

تروي الوالدة لـ"النهار" تجربتها مع التوحد، تشاركنا بعض تفاصيلها والمطبات التي اجتازتها العائلة، تقول: "كان وضعه طبيعياً عندما ولد، ولكن بعد 10 أيام لاحظت بقاء عينيه مغلقتين، وكان حين يرى الضوء يبدأ بالبكاء، عندها أدركت وجود شيء غريب". نعم، انه شعور الأم الذي لا يخيب. الأم يجب أن تقارن وضع ابنها من أول يوم، وبخاصة إذا كان لديها أطفال قبله".

بدأت رحلة البحث عن طبيب لمعرفة مما يعاني محمد، فالطبيب الأول وهو اختصاصي في الأمراض العصبية عند الأطفال كان بمثابة صدمة العائلة، كان كلامه قاسياً وصعباً بعدما أخبرنا أن ولدنا أعمى وأصم ولن يعيش طويلاً. بالغ سوءاً في توصيف حالة محمد، لم نتحمل تلك الحقيقة وأصبنا بانهيار لكن بعدها استجمعت نفسي لكي نحسن التصرف".

قصدت العائلة الكثير من الأطباء لمعرفة حقيقة مرض محمد إلى أن وصلوا لطبيب اختصاصي في الأمراض العصبية في مستشفى الجامعة الأميركية بالتعاون مع طبيبة نفسية، واستطاعوا خلال جلستين أن يكتشفوا إصابته بالتوحد رغم أنه لم يتجاوز الشهرين من العمر.

لم تتوقف مشكلة محمد عند إصابته بالتوحد الحاد بل أيضاً هو يعاني من فقدان السمع بإحدى أذنيه والأذن الأخرى لا تعمل إلا بنسبة قليلة، وهذا ما أضعف التواصل بينه وبين الآخرين. تحدِثنا والدة محمد عن المشكلة التي يعانيها مصابو هذا المرض "لا سيما مشكلة التغيير، فلا يمكنك تغيير أي شيء في نمط حياتهم لأن ذلك يشعرهم بالتوتر".

تسترجع معنا ذكريات ووقائع تكشف عن عدم تقبله للتغيير وأهمها انزعاجه من سماعة الأذن التي كان يرميها في كل مرة يضعها.

كما تستعيد بحادثة "حصلت عندما كان عمر محمد 7 سنوات، حيث قررت العائلة اصطحابه إلى مؤسسة داخلية تعنى بالأطفال المتوحدين لكي يعتاد العالم الخارجي. تصف الوالدة ذلك اليوم بالقول: "لم يأكل أحد شيئاً، كان البيت حزيناً، ولم يتكلم أحد. في نهاية اليوم دق جرس البيت فكان محمد ووالده عند الباب، عندها فقط عادت الروح للبيت. وعلمنا أنه أيضاً لم يتناول شيئاً وبقي يبكي، ومنذ ذلك الوقت لا أقبل أن يفارقني". وشددت على عدم "ترك الطفل وحيداً فهو بحاجة لدعم العائلة، وتطلب من الله دائماً أن يمدها بالصبر والقوة لكي تعتني به طوال العمر".

وأكدت الوالدة أن أشقاء محمد ساعدوها كثيراً في التعامل معه وبخاصة شقيقه الأكبر والأقرب علي. كيف لا وهو من نطق باسمه لأول مرة، ويقول علي: "حظيَ محمد باهتمام العائلة كثيراً، وكنت أهتم به اهتماماً مبالغاً فيه. إذا أراد شيئاً معيناً فكنت أحضره له، واصطحبه معي متى أراد ذلك". ويستذكر علي عندما كان يحضن محمد ويغني له الأغاني، وبسبب "ذاكرته المخيفة" استطاع أن يلتقط اللحن، فيقول علي: "كان نصف النهار ينادي اسمي والنصف الثاني يغني، ولكن منذ سنتين توقف عن الغناء".

وخلال اللقاء بدا علي متمكناً من حديثه عن التوحد، هو مطلع على دراسات وأبحاث عديدة تتناول هذا الموضوع. تلقى علي يوماً قرصاً مدمجاً يشرح بالتفصيل عن التوحد والمدارس المعالجة له، عندها أدرك علي كم من الوقت قد خسروا. يبرر علي إطلاعه وبحثه عن مرض التوحد بالقول: "لدينا حالة في المنزل يجب أن نجد لها حلاً ونساعدها كي يخدم نفسه بالحد الأدنى ولكي يقوم بأبسط الاحتياجات".

في السابعة من عمره، كان محمد عنيفاً، وتنتابه نوبات غضب، عندها كان يحرص علي ألا يتعرض محمد لأي أذى، يروي: "عندما يدخل بنوبات الغضب كنت أقترب منه، لا يهم إذا تأذيت أنا المهم ألا يؤذي نفسه لأنه كان يضرب رأسه بالحائط. ولكن بعد 9 أشهر لم يعد عنيفاً إطلاقاً، بدا شخصاً مختلفاً وهادئاً". يتذكر علي أيضاً تعلق محمد بغلاف دواء أو بسدادات غالونات الماء واللعب بها، بالإضافة إلى حبه للعب في الرمل وتناول البطاطا المقلية.

"نحن مجتمع لا يقرأ، نحن بشكل عام نتعاطف إما مع الطفل أو الأهل، وبرغم ذلك نقول عن الطفل إنه معوق ونحكم عليه. الثقافة سلوك وأداء يجب أن يعلم المجتمع أن ذوي الاحتياجات الخاصة هم جزء منه"، وفق علي.

خلال النصف الأول من المقابلة في منزل العائلة، كان محمد نائماً ولكن في النصف الثاني خلال مقابلتي مع شقيقه استيقظ، لم يجلس معنا ولكنه بقي يسير بجانب الغرفة يختلس النظرات. كان محمد يقترب قليلاً ثم يبتعد، وفي احدى المرات لدى اقترابه ابتسم، عندها أدركت ما كانت تعنيه والدته عندما قالت:" إنه نعمة البيت وبركته. عندما عاد من المؤسسة الداخلية عادت الحياة والروح للبيت". نعم، إنهم ينشرون السعادة أينما حلوا.

تقول الاختصاصية النفسية ميادة العريبي أن التوحد هو "خلل دماغي، يختلف من حالة توحد كاملة لحالة توحد جزئي، وهذا الخلل يعيق سلوك الطفل وقدرته على التفاعل والتواصل مع الآخرين واندماجه في المجتمع". ومن أهم أعراضها:

* ضعف التواصل البصري والسمعي

* حركة الجسم المتكررة كالاهتزاز...

* الإصابة بنوبات الصرع والغضب

* التعلق بغرض معيّن وأيضاً عدم تقبل التغيير.

ولغاية اليوم لم تظهر الدراسات والأبحاث السبب الرئيسي المسؤول عن هذا المرض".

وعن أساليب العلاج، أوضحت العريبي أنه "لا يوجد علاج لهذا المرض ولكن يمكن من خلال العلاج الدوائي التخفيف من أعراض الصرع وأيضاً من خلال العلاج السلوكي التخفيف من سلوكيات الطفل ومساعدته في التواصل". وفق العريبي، "على الشخص المصاب بالتوحد أن يشعر بالكثير من الحب والحنان كي لا ينعزل كلياً وبخاصة المصابين بالتوحد الحاد".

وشددت الاختصاصية النفسية على "ضرورة الانتباه في تشخيص المرض لأن هناك حالات تشبه التوحد، لذا يجب تشكيل فريق كامل متخصص لتشخيص الحالة ولإيجاد الحل المناسب لها".

"الحب هو الطريق الوحيد للتوحد"، عنوان حملة إعلانية عمل عليها علي في اطار بحث جامعي تستهدف توعية عائلات المصابين بالتوحد، والمجتمع الأوسع المحيط بهم. علينا أن نغمرهم بالحب ولا نحكم عليهم، فهم السعادة عينها.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم