الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

باريس تستشرق من جديد بانبهارات متنوّعة

المصدر: "النهار"
باريس – أوراس زيباوي
باريس تستشرق من جديد بانبهارات متنوّعة
باريس تستشرق من جديد بانبهارات متنوّعة
A+ A-

يعود الفن الاستشرافي الى الواجهة في #باريس مع معرض استثنائي بعنوان "شرق الفنانين، من الحلم الى الضوء" يقام حاليا في متحف "مارموتان، مونيه" في الدائرة السادسة عشرة بالقرب من حدائق غابة بولونيا، ويضمّ خمسين تحفة جيء بها من متاحف عريقة فرنسية وغير فرنسية منها متحف اللوفر ومتحف أورسي.

تطالعنا لوحات متفاوتة الأحجام لفنانين كبار عملوا في القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، يجمع بينهم على اختلاف توجهاتهم الفنية انبهارهم بالشرق المتوسطي، أي بالتحديد العالم العربي بمشرقه ومغربه وبتركيا، يستلهمون منه مواضيع جديدة لأعمالهم.

يبيّن المعرض الظروف التاريخية التي ساهمت في توجه الفنانين نحو الشرق، وأهمها الأحداث البارزة التي حفل بها القرنان الثامن عشر والتاسع عشر. نذكر منها حملة الجنرال نابليون بونابرت على مصر عام 1798 واكتشاف الحضارة الفرعونية على يد العلماء الذين رافقوا الحملة الفرنسية، ثم احتلال الفرنسيين الجزائر عام 1830 أيضا وقد نتجت منه زيارة العديد من الفنانين لهذا البلد في إطار البعثات العسكرية والديبلوماسية.

في موازاة الأحداث السياسية تبرز العوامل الثقافية غير المباشرة ومنها ترجمة كتاب "ألف ليلة وليلة" الى اللغتين الفرنسية والإنكليزية وإدراك الكتاب والفنانين أن الشرق القديم هو مهد الحضارات الأولى والديانات التوحيدية وأن زيارته ضرورة حتى تكتمل معرفتهم بهذه الحضارات وبالمدن التاريخية التي نشأت عليها.

لا يتوقف المعرض عند السجالات السياسية حول حركة الاستشراق كما أكدت لنا المشرفة عليه السيدة إيمانويل أميو سولنيي. فقد تناول هذا الموضوع العديد من الدراسات أولاها كتاب "الاستشراق" للباحث الفلسطيني الراحل إدوارد سعيد. الهدف الأساسي للمعرض هو إظهار تنوع أساليب الفنانين الذين زاروا الشرق وكيف ساهم ذلك في مد الفن الأوروبي بدماء جديدة وأسس للحداثة.

بعض الفنانين لم تطأ أقدامهم الشرق لكنهم حلموا به بعدما تعرفوا عليه في كتب الرحالة ومنهم الفنان الفرنسي الكلاسيكي دومينيك إينغر الذي أنجز عام 1828 لوحة بعنوان "داخل الحريم" تمثل امرأة عارية داخل حمام استُهل بها المعرض. مهدت هذه اللوحة للوحته الشهيرة التي تعدّ من روائعه وتعرف باسم "الحمّام التركي" أنجزها عام 1862 وهي معروضة في متحف اللوفر.

أما الفنان أوجين دولاكروا الذي يعدّ من كبار فناني النصف الأول من القرن التاسع عشر ومن رواد الحركة الرومنطيقية، فقد شكلت زيارته للمغرب وللجزائر مطلع الثلاثينات تحولا أساسيا في أسلوبه الفني إذ جعلته يتعاطى بصور مغايرة مع قضية اللون والضوء مما مهد في ما بعد للأسلوب الانطباعي.

تبرز في المعرض أيضا أعمال الفنانين المستشرقين الأكاديميين الذين أهملتهم كتب الفن لأنهم لم يكونوا من المجددين وأشهرهم جان ليون جيروم الذي زار مصر وفلسطين والجزائر وتركيا وركز في أعماله على الصور النمطية للمرأة الشرقية ومنها الجواري كما في لوحة "سوق العبيد" التي أنجزها عام 1866 ونشاهدها في المعرض.

في مقابل أعمال الفنانين الأكاديميين تطالعنا في المعرض أعمال لفنانين مجددين أدت زيارتهم للشرق الى تبدل جوهري في مسيرتهم الفنية. هنا يبرز نتاج الفنان الفرنسي هنري ماتيس الذي عشق الفنون الإسلامية بعد مشاهدته لمعارض الفن الإسلامي في باريس وميونيخ مطلع القرن العشرين ثم جاءت زيارته للمغرب التي فتحت له آفاقا جديدة لم تعرفها أعماله من قبل. وينطبق ذلك على فاسيلي كاندينسكي، الفنان الروسي الذي يعدّ من رواد التجريد. ويؤكد المعرض أن رحلاته الى تونس ما بين عام 1904 وعام 1914 ساهمت في توجهه نحو التجريد وتخليه عن التصوير. بقي أخيرا بول كلي الذي ارتبط بصداقة مع كاندينسكي وزار مثله تونس عام 1914 وبالتحديد مدينة القيروان التي قال يوم دخلها "يا لها من أعجوبة، إنه البلد الذي يشبهني". ومن جمالية الفنون الإسلامية والخط العربي استوحى بول كلي العديد من أعماله التي جعلت من لعبة الأشكال والألوان مبدأ أساسيا لها، فابتعد بذلك عن السرد الانشائي وأسس للغة تشكيلية حديثة في الفن الأوروبي.


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم