الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

هسيس اليُتم

أحمد الحجام
هسيس اليُتم
هسيس اليُتم
A+ A-

إلى روح أمي

على غير العادة

عادت السنونوات الى بيتنا

في عزّ الشتاء

رأيتها تسفّ بأجنحة الوجع

على حدّ أفق يطويه المغيب...

هل كانت محض الصدفة؟

أم هو الموعد الذي

رتّبته في السر سلاميات الظلام،

كآخر الصفحات في كتاب

تطبق أمي جفنيها

عبثاً كانت تنفخ

بكلّ ما أوتيت من الأنفاس

فيما تبقى من رماد الشمس الآفلة

هي التي دفأت بالأحجيات أحلامنا

ومن سقوف الليل أشعلت الأفراح

هي التي لم تخلف للصبح عهداً

فلم يسكت فمها الياقوت

عن الكلام المباح،

هي التي أورق الوشم

على ظاهر كفيها أشجاراُ

ومن جوارحها نتفت ريشاُ

للفراخ التي بعثر اليتم أوكارها

قبل أن تزغب بين الأفنان

آه أمي! كيف للصمت الكاسر

أن يخطف من قلبك المكنون

أهازيجه البدوية؟

وقد كنت أعلى الأصوات

في سلم الأغنيات

كيف للسنابل أن تسقط من أهدابك قبل الأوان

وأنت المعمدة بماء "سبو" * السرمدي

أنت التي طالما

زرعت أحواض الضوء والبيلسان

واذخرت ألوان الطيف في الآماق

لغدٍ قد يأتي بلا قوس... بلا ألوان

أنت التي كنت تنسجين جلباب الصبر

لأيام ظلّت تركض عارية

أنتِ... أنت الوشي الذي طرزته أيادي الآلهة

على أكمام الصباحات،

فكيف للدملج الفضي حول معصمك

أن يكفّ عن الرنين

وبين أصابعك انبجست

ينابيع الماء القراح،

أنت القيثارة التي قدت من هسيس الشجر

ومعادن الحكمة النادرة

إلى أي أرض تسوقين الآن

سحابات المساء؟

أعلى حقول القرنفل والحناء ستمطرين؟

أم تراك ستبعثين فوق البراري البعيدة

نحلة أو فراشة

ربما لأنّكِ كنت تعرفين

منذ شهقة الولادة

أنّ الروائح أقوى من الزمن

وأن الزهرة أعلى كعباً

من أقدام غاشمة

لأنكِ حتماً كنت تعلمين

منذ القطرة الأولى للمطر

أنّ لذاكرة التراب نفحاً لا يضاهى

هو أبقى من كل العطور...


* "سبو": نهر مغربي


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم