السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

بعد ظهرِ سبتٍ في أقبية قصر العدل

المصدر: "النهار"
عقل العويط
عقل العويط
بعد ظهرِ سبتٍ في أقبية قصر العدل
بعد ظهرِ سبتٍ في أقبية قصر العدل
A+ A-

أمضيتُ بعد ظهر أمس السبت صحبة فريقٍ من "فرح العطاء" يعمل منذ شهر في الطبقة السفلية من قصر العدل، نافضاً غبار الإهمال المتزامن، وململماً قصاصات الحريق الذي اشتعل يوماً في الثمانينات بفعل القصف، وقضى – أو كاد - على ملفات ودعاوى وأحكام واجتهادات تخصّ المواطنين ومصالحهم، وتتعلق بمسار عمل السلطة القضائية.

من عدمٍ تقريباً، عمل هذا الفريق، ولا يزال يواظب، على إعادة تكوين الملفات التالفة والمتضررة.

يا لنباهة هذا العمل!

فوجئت بالنظام. بالتنظيم. بالمنهجية. بالرؤية المتكاملة. بالعقل المنظِّم. بالدأب. بالنشاط. بالحماسة. بالهدوء. بالصمت الذكيّ. حتى لظننتُ نفسي أمام فريقٍ من الخبراء والمختصين بـ"إعادة الحياة" إلى ما لا حياة فيه، وبترميم وتأهيل ما يصعب – بل يستحيل – ترميمه وتأهيله، قياساً بالأعطال والأضرار التي لحقت بالمكان وبمحتوياته وبإرثه القضائي والقانوني.

يجدر بصحافيين استقصائيين محليين وعالميين أن يقصدوا تلك الأقبية، وأن يرافقوا عمل هؤلاء المتطوعين عن كثب، لينقلوا فكرةً إيجابية عما تختزنه هذه الطاقات الحيوية، من فلسفةٍ حياتيةٍ متكاملة، قوامها النبل والفروسية والفرح والعطاء والأمل والتعاون والكَرَم والغنى والاجتهاد والكفاح والحبّ والخير. وهي فلسفةٌ إيجابيةٌ من شأنها أن تقارع فلسفة اليأس والإحباط التي تجتاح مكوّنات المجتمع اللبناني، تحت سطوة الفوضى والإهمال والعبث والظلم والقهر والإفقار والكسل العقلي والروحي، وتحت إرهاب الفساد المستشري، وسلطات صانعيه وحماته ومروِّجيه ومرتزقته.

تساءلتُ في أعماقي، ترى ما الذي يدفع هؤلاء الفرسان المجهولين إلى هذا الفعل التطوعي المجاني الكريم النبيل، في حين أن إدارات الدولة، ومؤسساتها، ومكوّنات سلطاتها، تعجّ بـ"مسؤولين" و"مديرين" و"رؤساء" و"مرؤوسين" و"موظّفين" ثابتين ومياومين، هم عبءٌ رهيبٌ على "فكرة" الدولة، وعلى هيكليتها، وعلى خزينتها، وعلى منطق عملها.

كل هذا الزمن الذي انصرم، بعد انتهاء الحروب بنتائجها الكارثية، المادية والمعنوية، على الأمكنة والناس والأشغال، كيف لم يحرّك خلاله وزيرٌ أو مديرٌ أو مسؤولٌ هنا وهناك وهنالك ساكناً، ليعيد أموراً إلى نصابٍ سابقٍ وعزيز من زمن الإدارة اللبنانية؟!

كيف؟ كيف لم يحرّك أحدٌ ساكنا قبل الآن؟ بل كيف لا يتحركون اليوم؟ بل – انتبِهوا جيداً - كيف يرتضي المسؤولون "إهانةً" معنويةً، من مثل الصفعة التي توجهها "فرح العطاء" موضوعياً وعملياً - من غير قصد طبعاً - إلى إدارات الدولة وإلى العاملين فيها، من رأس الهرم الإداري إلى أسفله؟

كيف لا يؤمر الموظفون الكسالى باستنهاض أجسامهم المترهلة والقيام عن كراسيهم المخلّعة، لينزلوا إلى تحت، إلى الأقبية، عن بكرة أبيهم، رؤساء ومرؤوسين، ليعملوا (يا عيب الشوم) تحت إشراف متطوعي "فرح العطاء"، في حين أن هذا واجبهم ومسؤوليتهم وحدهم، باعتبارهم "أهل اختصاص" وخبرة؟!

التظاهرة، تظاهرة "فرح العطاء" الخفرة، الصامتة، الدؤوبة، المتواضعة، "حرّكت" النيام، وأيقظت بعضهم. يجب القول إن رئيساً أوّل ومساعدين قضائيين يشاركون في هذا العمل، بعدما انضمّوا إلى الفريق.

فحبذا لو يتم تعميم هذه الظاهرة – التظاهرة، على كل الإدارات والمؤسسات، لتنهض مؤسسة الدولة من كبوتها القاتلة... قبل فوات الأوان.





[email protected]


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم