الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

الغاضب الجديد على الجدران... مرّت امرأتان دون أن ترمقا رسّام الغرافيتي بنظرة

ترجمه عن الإسبانية: محمد الرشيدي
الغاضب الجديد على الجدران... مرّت امرأتان دون أن ترمقا رسّام الغرافيتي بنظرة
الغاضب الجديد على الجدران... مرّت امرأتان دون أن ترمقا رسّام الغرافيتي بنظرة
A+ A-


تُزيّن رسائله مدينة مدريد الإسبانية. تجدها في كل مكان، على حوائط البنوك وعلى أسيجة الحدائق وفي شوارع بايِّكاس وأَرْغويِّس وبورتاثغو ولابابيس. جرافيتي بسيط رديء مكتوبٌ بخط يبدو كخطّ الأطفال؛ لكنه في نفس الوقت قصائد صغيرة ناقدة وصادمة للوعي.

يرسم الغرافيتي فجرًا، بالتحديد في الساعة الثالثة، لأنه يعلم أن دورية الشرطة الأخيرة تنتهي آنذاك. ثم يعود بعد ذلك دائمًا ليُصوّر ما رسم، تاركًا توقيعًا باسم الغاضب الجديد Neorrabioso.

استحوذت عليه القراءة والكتابة، منذ أن تُوفّيَ والدُه بسرطان الرئة؛ فقرر أن يعمل بَوَّابًا فترة المساء، كي يكرّس دوامه كاملًا للأدب. يقول إنه التهم في عام واحد فقط 400 كتابًا، كما رسم العديد من الغرافيتي في مدريد. لم يعرف جيرانه أن بوّابهم شاعر، ولا أن هذا الشاعر رسّام غرافيتي أيضًا.

كانت درجة الحرارة بدأت ترتفع في حَيِّ برينسيبي بيو عندما وصل ألبرتو باستيرّتشيا مارتينيث الغاضب الجديد Neorrabioso ظهرًا؛ فقد أتى من العمل مباشرة بدون نوم. شاب نحيف ذو ملامح حادّة، لا يبدو أنه صاحب 37 عامًا. جاء مرتديًا قميصًا أبيض وحذاء رياضيًا. يكتبُ الشِّعْرَ منذ 7 أعوام ويرسم الغرافيتي منذ عامين. طلب بيرة وبدأ يتحدث.

لألبرتو فلسفة خاصّة في الحياة؛ فهو لا يؤمن بالملكية الفِكريّة ويتعهّد بألّا يتكسّب من الشعر مفسّرًا: «لا أريد أن أدنّس شيئًا جميلًا في حياتي بالمال». ولذلك يستطيع أي شخص أن يستخدم أو يُعدّل أو ينسب إلى نفسه كل النصوص الموجودة على مُدَونتَيْه (neorrabioso.blogspot.com & batania.blogspot.com).

الشِّعْر المُفْزِع؛ هكذا يسمّي ما يفعله قائلًا: «أنت تقرأه لأنك تجده دون سابق إنذار، فالناس يرفضون كل ما تفوح منه رائحة الشِّعْر» رغم أنه يتفاعل ويحتج على ما يثير سخطه، كما يكتب في واحدة من قصائده الأخيرة «يستغرق الأمر كثيرًا / في السقوط / عن سِقَالة / لو أنك بلغاري، / لو أنك مغربي، / لو أنك روماني، / فكل الصُّحُف / تنشر خبر وفاتك / وأنت لا تزال / عالقًا في الهواء».

«أومن، مثلما يؤمن غامونيدا (1)، بقدرة الشِّعْرِ على تكثيف وعينا». تظهر كتابات ألبرتو دائمًا في أماكن عامة، ولا تظهر مطلقًا على جدران المنازل أو المتاجر الخاصة. ويُضيف: «لم أكن لأكسر زجاجًا أبدًا، وهذا ما يميّزني عن أيّ مُنتسِب إلى الاتحاد الوطني للعمل بإسبانيا».

انتهى من شربة بيرة وبدأ يتحدث عن حياته الشخصيّة: «لستُ كاتبًا ذا رسالة، إنني فقط أكتب منذ وفاة أبي، ولو أعادوه إليَّ لتركت الكتابة». عاش ألبرتو في قرية صغيرة بمقاطعة بيسكاي مع والده وأخواته الثلاثة. وهناك رفضوا تمامًا أن يتزوّج باسِكِيٌّ امرأة من بورغوس. «لقد خسر أبي كل أصدقائه» ولذا يعرف بأنه «معادٍ للباسكية ومعادٍ للإسبانية». وفيما يخصّ اختياره لاسم الغاضب الجديد neorrabioso كتوقيع لأعماله يعلّل: «قيلَ لي في أول جلساتي الشعرية إنني كنت غاضبًا جدًا، وأتحدث كما لو كنا ما زلنا في عصر فرانكو... فكان ردّي عليهم أنني من حيث أتيت باحثًا عن الديموقراطية لم أجدها في أيّ مكان».

أعادت الاحتجاجات الإسبانية عام 2011 إليه الإلهام الذي فقده منذ أن هجرته حبيبته التي لم يحب سواها طيلة حياته بحُجّة أنها مُتعبة من العيشِ داخل قصيدة. خيّم ألبرتو أسبوعًا في ميدان بويرتا ديل سول، ووجد في واحدة من قادة حركة شباب بلا مستقبل (2) مصدر إلهام جديد، ويُعلّق على ذلك: «لقد كانت ثورة حب بالنسبة لي». خصَّ الثائرين بواحدة من كتاباته الأخيرة إذ تُزيّن عبارة «لسنا كلابًا أليفة؛ بل نمورًا شرسة» أحد الجدران القريبة من منزله، حيث مرّت امرأتان دون أن ترمُقاه بنظرة.

الغرافيتي ليس مَضْيعة للوقت؛ بل أسلوب حياة. ويستطرد قائلًا: «بإمكاني الكتابة في المُدوّنة بشكل أكثر استفزازًا» لكن لألبرتو هدفًا آخر إذ يقول بكلّ صراحة ودون أي أثر للسخرية: «أعيش بجنون البحث عن المجد». ويضيف بعد أن نفدت آخر قطرة بيرة: «أقول لنفسي، يا باتانيا [اسمه الفَنّي الآخر]، يجب أن تكونَ عظيمًا، فحاول أن تحذو حذو الشاعر فرانثيسكو دي كيبيدو». وهنا يُبرز برنامج الـ Word تلاعبه بالألفاظ باللون الأحمر:

«حُريّة! أيّ حُريّة؟!،

مساواة! مساواةٌ لمن؟!،

إخاء! متى سيتحقق؟!»

و"غربأين؟ مهاجرين شكرًا". (3)

الهوامش:

(1): أنطونيو غامونيدا؛ شاعر إسباني ينتمي إلى جيل الخمسينيات، وحصل على جائزة ثربانتس للآداب عام 2006.

(2): حركة تهدف إلى توعية الشباب الإسباني بالوضع غير المستقر الناتج عن إجراءات الحكومة الإسبانية لمواجهة الأزمة الاقتصادية منذ عام 2008.

(3): فضَّلتُ أن أترجم العبارة حرفيًا كما هي؛ لكي يبرز للقارئ العربي ما عنيت بـ «التلاعب بالألفاظ»، ولكي يلاحظ هذا الارتباك في بنية الجملة. يتبيّن لنا أن ألبرتو يهدف إلى مزج كلمتين مختلفتين في عبارة واحدة مختزلًا الكثير من المعاني السياسية والاجتماعية المتداولة داخل إسبانيا خصوصًا وأوروبا عمومًا؛ فعلى سبيل المثال «غربأين» ما هي إلا إسقاط على تقسيم العالم إلى شرق وغرب. يستنكر ألبرتو هذا التقسيم ويتساءل: على أي أساس تقسمون العالم وما من حضارة فيه إلا وتأثرت بأخرى، فمن وضع هذه الحدود بيننا؟

النصُّ الأصليّ منشور في صحيفة «إل باييس» الإسبانية من إعداد الصحافية إلسا غارثيا دي بلاس.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم