الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

"نبع مياه حلوة في البحر قبالة شاطئ جونيه": الدليل صورة، وهنا التّفاصيل

المصدر: "النهار"
هالة حمصي
هالة حمصي
A+ A-

الحديث مائي بامتياز، مهم، مشوّق. صورة واحدة أشعلت التعليقات والمشاركات. إليكم الدليل على وجود "نبع مياه حلوة في البحر قبالة شاطئ جونيه". العلامة بقعة ماء "تميّزت" في البحر، على مقربة من الشاطئ، وجذبت إليها الأنظار. منذ نشر الصورة على وسائل التواصل الاجتماعي أخيراً، تمّ التشارك فيها مئات المرات، وحصدت ردود فعل واسعة، وأبدى أيضاً خبراء في الهيدروجيولوجيا والبيئة رأيهم فيها. ما حقيقة هذه الصورة؟ وهل ما نشاهده فيها "نبع مياه حلوة في البحر، قبالة شاطئ جونيه"، وفقاً للزعم؟ وهل توجد ينابيع مياه حلوة في البحر اللبناني؟

النتيجة: الصورة صحيحة، وتظهر بالفعل "نبع مياه حلوة في البحر"، "قبالة شاطئ جونيه - المعاملتين، أو ما يسمى علمياً "مخرجاً طبيعياً لمياه عذبة منبعثة من صخور كربوناتية كارستية"، وذلك بتأكيد خبيرين لبنانيين في الهيدروجيولوجيا والبيئة، الدكتور سمير زعاطيطي، والدكتور ناجي قديح. ويشكل ظهور "ينابيع مياه حلوة" في البحر اللبناني "ظاهرة طبيعية جداً"، وفق قولهما. و"لأن هذه المياه تكون عادة أبرد من مياه البحر، ينعكس هذا التباين الحراري في ألوان مختلفة نراها على سطح البحر"، على ما يشرح الدكتور زعاطيطي. 

"النهار" دقّقت وسألت من أجلكم

الوقائع: البحر في صورة. والتركيز على بقعة فيه "تميّزت" بالشكل واللون. "هذا نبع مياه عذبة وضخم مقابل شاطئ جونيه وكازينو لبنان. ويحكى عن نبع آخر أهم وأضخم منه مقابل شاطئ شكا - البترون... وبالتأكيد هناك ينابيع غيرها على طول الشاطئ اللبناني"، وفقاً للشرح المرفق بالصورة. وبذلك، انطلقت المناقشة، وتردّد صداها في صفحات وحسابات لبنانية. 

التدقيق:

-الصورة تظهر بالفعل شاطئ جونيه - المعاملتين. "داخونا" معمل الذوق الحراري في الخلفية.

-صورة "نبع ماء حلو في البحر" لا يستغربها إطلاقاً الخبير البيئي الدكتور ناجي قديح. ظهور هذه البقعة المتميزة في البحر قبالة الشاطئ اللبناني "ظاهرة طبيعية جداً"، على ما قال لـ"النهار"، "خصوصاً أن كمية الامطار التي هطلت على لبنان هذه السنة كبيرة جداً، ونتج منها إعادة انطلاق ينابيع كثيرة كانت جافة أو هامدة طوال الأعوام العشرين الماضية". وبالتالي، ليس مستغرباً أن "تتفجّر مجدداً مسارات المياه الجوفية التي من الممكن أن تكون وصلت الى البحر".

ويشرح: "برك رأس العين في صور أكبر نموذج لهذه الظاهرة. وهي موجودة منذ زمن بعيد، ومستمرة على مدار السنة، بحيث تعطي مياهاً حلوة في قلب البحر. وفي الأعوام الأخيرة، لاحظنا أن ظاهرة ينابيع المياه الحلوة في البحر موجودة في أكثر من مكان".

الجغرافيا اللبنانية تتيح ظاهرة مماثلة. "يتميز لبنان بجبال عالية. وسلسلة الجبال الغربية قريبة من الشاطئ اللبناني، وهي غنية بالثلوج والامطار والاحواض والانهار الجوفية ومسارات المياه تحت الارض، واتجاهها نحو البحر. وبالتالي، ليس غريباً ان نشهد ظاهرة مماثلة". بالنسبة إليه، يبقى السؤال الأهم هو "كيف يمكن الحكومة أن تضع هذه الينابيع في البحر  ضمن استراتيجيتها أو سياستها الاستثمارية المائية، للإفادة من مياهها العذبة".

-نتعمّق أكثر في الشرح العلمي مع الباحث في الجيولوجيا المائية الهيدروجيولوجي الدكتور سمير زعاطيطي الذي يوضح لـ"النهار" أن البقعة المتميزة الظاهرة في الصورة المتناقلة تشكل بالفعل "مخرجاً طبيعياً لمياه عذبة منبعثة من صخور كربوناتية قاسية ومشققة تسمّى علمياً "الكارست" (Karst). وتكون عادة هذه المياه أبرد من مياه البحر. وهذا التباين الحراري ينعكس في ألوان مختلفة نراها على سطح البحر".

من خصوصية الصخور الكربوناتية القاسية والمشققة، على ما يفيد، أنها "تذوب بالمياه المتسربة عبرها، وتخلق فراغات ومغاور على غرار مغارة جعيتا". ويقول: "هذه الصخور المسماة علمياً "كارست" تشكل مخازن للمياه الجوفية. وتضربها الفوالق او الكسور الارضية".

في لبنان، تتغذى ينابيع عدة من "هذه المخازن الكربوناتية الكارستية"، وفقاً له. و"لهذه الصخور الممتدة تحت سطح البحر مخارج بحرية". هذه الظاهرة نجدها قبالة جونيه - المعاملتين، على سبيل المثال، "لامتداد الصخور الكربوناتية الكارستية تحت البحر".

كذلك نراها قبالة شكا، "حيث درسها تقرير لبرنامج الامم المتحدة الانمائي (UNDP)، ولدينا هناك نبع بحري دائم، وينابيع بحرية موسمية، ونبع جرادة على البرّ الذي يزوّد منطقة الكورة وشكا بالمياه العذبة". وفي الجنوب أيضاً، "هناك نبع بحري قبالة القاسمية، ويعرفه جيداً الصيادون، ويتزودون منه بالمياه العذبة".

في الشرح الجيولوجي أيضاً، "تغطي المرتفعات الكربوناتية الكارستية حوالى 75% من مساحة لبنان، وهي تشكل سلسلة جبال لبنان الغربية والشرقية وجبل عامل"، على قول زعاطيطي. "إنها مخازن حقيقية للمياه الجوفية، كما وصفها المهندس الراحل إبرهيم عبد العال، ودرستها البعثة الجيولوجية الفرنسية التي عملت في لبنان من 1928 الى 1955".

رداً على قول بعضهم إن مياه الينابيع تذهب هدراً نحو البحر، يقول: "الطبيعة لا إهدار فيها. والمياه موزعة منذ ملايين السنين على السطح مياهاً أنهاراً وينابيع، وفي عمق جبالنا الصخرية مياه جوفية بطيئة الجريان تغذي الينابيع".

وهل يمكن الافادة من مياه هذه الينابيع في البحر؟ يجيب: "أُجريت تجارب استثمار لينابيع مماثلة في فرنسا. وكانت الحصيلة كلفة عالية، والمياه لا تخلو تماماً من بعض الملوحة لصعوبة حصر الينابيع البحرية".

النتيجة: الصورة المتناقلة تظهر بالفعل "نبع مياه حلوة في البحر" قبالة جونيه، أو "مخرجاً طبيعياً لمياه عذبة منبعثة من صخور كربوناتية كارستية"، وفقاً للتعبير العلمي. هذه الظاهرة "طبيعية جداً" في البحر اللبناني، وفقاً لخبيرين لبنانيين سألتهما "النهار". واستثمار هذه الينابيع البحرية "قد تكون كلفته عالية، والمياه لا تخلو تماماً من بعض الملوحة"، وفقاً للدكتور زعاطيطي.  

[email protected]


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم