الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

الغريب عن "...النازحين" و"القوات" الأقرب

المصدر: "النهار"
محمد نمر
الغريب عن "...النازحين" و"القوات" الأقرب
الغريب عن "...النازحين" و"القوات" الأقرب
A+ A-

استخدم "حزب الله" وزارة الدولة لشؤون النازحين لإطلاق سهامه نحو "القوات اللبنانية" وتحديداً وزير الشؤون الاجتماعية ريشار قيومجيان من دون أن يسميه. وقال مسؤول ملف النازحين في الحزب النائب السابق نوار الساحلي بعد لقائه الوزير صالح الغريب: "نستغرب ما سمعناه من أحد الوزراء منذ أيام قليلة، وطرحه موضوعاً يتعلق مباشرة بوزارة شؤون النازحين وليس وزارته، وطلبه من المجتمع الدولي الضغط على الدولة السورية. نطالب الوزير بالضغط على المجتمع الدولي لمساعدة الدولة السورية استقبال أهلها من النازحين في لبنان على عكس ما يقوم به". ما يدفع إلى التساؤل: طالما هي مسؤولية وزارة شؤون النازحين، ما علاقة الساحلي بالملف، خصوصاً أن حزبه ساهم أيضاً في تهجير السوريين؟

وفي وقت لا يزال الغريب يحضّر ورقة العمل "السرية" بعيداً من الإعلام، كان قيوجيان قد عرض أكثر المبادرات منطقية وموضوعية تجاه النازحين السوريين، تنسجم مع رؤية رئيس الجمهورية ميشال عون "عودتهم قبل الحل السياسي"، ومع رئيس الحكومة الذي يخشى قتل النازحين وتعذيبهم على يد النظام، والأهم مراعاتها "شؤون" النازحين. وتألفت المبادرة من خمس نقاط. ويبدو أن ما استفزّ الوزير الغريب و"حزب الله"، 3 نقاط:

أولاً: "طاولة الحكومة المكان الوحيد لبحث حل عودة النازحين"، ثانياً: "تشكيل لجنة من وزارات معنية لبحث الموضوع"، أما أهم النقاط فهي التي تحاكي واقع النازحين (ثالثاً): "تشجيعاً للعودة، على الحكومة الطلب من المجتمعِ الدولي مزيداً من الضغط على النظام السوري لتسهيل العودةِ وإظهارِ حسن النية عبر إلغاء الخدمة العسكرية الإلزامية والغرامات المالية في حال التخلّف عنِ الخدمة، كما إعادة النظرِ بالقوانينِ المتعلّقة بإثبات ملكية العقارات كالقانون ٤٢ وغيره، وضمان عدم التعقبّ والملاحقات والاستدعاء الى التحقيق والاعتقالات التعسفية. ومن ضمن حملة وطنية لتسجيل ولادات السوريين، يتم الضغط على النظام لإلغاء الرسوم المتوجبة عند تسجيل الولادات في السفارة السورية والاعتراف بوثائق الولادة الصادرة عن السلطات اللبنانية". ويضاف إلى ذلك: "الأمن العام اللبناني، فالأخير هو الجهاز الصالح لتنسيق عودتهم عبر الحدود".

ولتحفيزِ العودة، تلغي الحكومة اللبنانية رسوم تسوية أوضاعِ الإقامة للسوريين العائِدين الى بلادهم". نقاط "القوات" إذا ترجمت فإن اللاجئ السوري لن ينتظر أي مبادرات بل سيعود إلى بلده بقرار منه، هارباً من حالة اليأس التي يعيشها في لبنان.

يبدو واضحاً أن عمل وزارة الدولة لشؤون النازحين بات مقتصراً على "إعادة النازحين" وليس الاهتمام بشؤونهم، فمن يطّلع على نشاط الغريب، سواء عبر صفحاته على مواقع التواصل الاجتماعي أو البيانات الرسمية التي يتم توزيعها، لا نلاحظ أي صورة للنازحين، ولم يقم الغريب بزيارة إلى مخيم، أو يبدأ بدراسة عن أسباب بقاء النازحين في لبنان. فمن يسمع "اللاجئ" (وفق التصنيف الدولي) يفهم تماماً أنه لا يتمسك بتمضية بقية حياته في خيمة تغرق بالمياه في الشتاء وتتحوّل فرناً في الصيف، فاللاجئ السوري يعاني الأمرّين في لبنان، سواء معيشياً أو حتى لجهة الإجراءات التي تضعها الدولة لتعجيز تشريع وجوده.

لم تتضمّن الأيام الأولى للغريب أي زيارة "للنازحين للاطلاع على شؤونهم"، لكنه أسرع ليسجل الخرق الأول للبيان الوزاري، بزيارة إلى سوريا تلبية لدعوة "رسمية" كما وصفها الغريب، فيما كان البيان الوزاري واضحاً في هذا الشأن: "ستواصل الحكومة العمل مع المجتمع الدولي للوفاء بالتزاماته التي أعلن عنها في مواجهة أعباء النزوح السوري واحترام المواثيق الدولية، بتأكيد كل ما عبّر عنه رئيس الجمهورية بوجوب إخراج هذا الموضوع من التجاذب السياسي لما فيه مصلحة لبنان التي يجب أن تكون فوق كل اعتبار، مع الإصرار على أن الحل الوحيد هو بعودة النازحين الآمنة إلى بلدهم ورفض أي شكل من أشكال اندماجهم أو إدماجهم أو توطينهم في المجتمعات المضيفة. وتجدّد الحكومة ترحيبها بالمبادرة الروسية لإعادة النازحين السوريين إلى بلادهم، وتعمل على إقرار ورقة سياسة الحكومة في اتجاه النازحين".

وحاول الغريب إحياء المجلس الأعلى اللبناني – السوري بلقائه رئيسه نصري خوري في وقت بات فيه واجباً حلّ المجلس بعدما تحولت العلاقة إلى ديبلوماسية بين سفارتين، والسؤال: "لماذا لم نشهد صورة تجمع الوزير الغريب بالسفير السوري علي عبد الكريم علي؟".

تبدو واضحة محاولة دفع لبنان إلى التطبيع مع النظام السوري عبر ملف النازحين، في وقت لا يزال فيه مستقبل الرئيس السوري بشار الأسد مجهولاً، فالمسودة الروسية تتحدث عن انتخابات نزيهة، والموقف المصري يصرّ على التزام النظام بالقرار 2254 الذي يتضمن روحية "جنيف -1"، فيما السعودي عبّر أخيراً عن موقفه عبر وزير الدولة لشؤون الخارجية عادل الجبير: "من السابق لأوانه إعادة سوريا لعضوية الجامعة العربية،  وإعادة فتح السفارة في دمشق يعتمد على تقدم العملية السياسية".

كما أن الحديث عن مستقبل الأسد يستدعي فقرة في الصفحة 25 من "الرواية المفقودة"، مذكرات وزير الخارجية السوري السابق فاروق الشرع، أحد المقربين من حافظ الأسد، وفي سياق حديثه عن مرحلة حكم الشيشكلي يقول: "على الرغم من أن هذه الفترة، أي فترة حكم الشيشكلي، منحت سوريا نوعاً من الاستقرار، فقد شابها بعض القيود وكبت للحريات وفشل في إنهاء تمرّد شعبي في جبل العرب، ومعالجته المتهورة من طريق الجيش وبالقصف ذهب ضحيته عشرات المواطنين. انتهى حكم الشيشكلي في شباط 1954 بالتفاهم الضمني بين المؤسستين العسكرية والمدنية وإلا فإن الانقسام الذي حصل بين شمال متمرد يقوده العقيد مصطفى حمدون البعثي ورفاقه، ووسط يقوده أديب الشيشكلي بظهر مكشوف في الجنوب سينتهي حتماً بالصدام الدامي. شعر أديب بحجم الكارثة فآثر الخروج الآمن من البلاد تجنباً لسفك الدماء لكن الأخذ بالثأر لم يوفر له الأمن الشخصي الذي توخاه في البرازيل بعد 20 سنة من تخليه عن الحكم في سوريا". هذه الفقرة تستحضر في ذهن القارئ سريعاً مرحلة حكم الأسد التي زيّنها بفائض قيود وكبت للحريات وأيضاً استخدم الجيش والقصف بالبراميل المتفجرة والكيميائي لإخماد التمرد الشعبي.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم