الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

برلين تنتقد ترامب... لكن حين تدافع عن مصالحها تتصرف مثله

المصدر: "المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية"
"النهار"
A+ A-

قلق فرنسيّ

كانت فرنسا قد أعلنت قبل يوم واحد نيتها دعم المقترح غير أنّ باريس وبرلين توصّلتا إلى نوع من التسوية. لكنّ الحدث أظهر عزلة ألمانيا المتزايدة في هذه المسألة. لدى باريس مصلحة مباشرة في "نورد ستريم 2" عبر انخراط شركة "إنجي" فيه. لكن قلق الحكومة الفرنسية ينصبّ بشكل أقل على المصالح التجارية مما هو عليه لجهة قيام المشروع بدفع دول أخرى في الاتحاد إلى أحضان ترامب. إنّ الحكومات المشككة بالاتحاد مثل تلك الموجودة في إيطاليا ترى هذا المشروع مؤكداً لوجهة نظرها حول أنّ قواعد النادي الأوروبي تتكيف وفقاً للمصالح الألمانية التكتيكية.

على الأرجح، لم يتّجه المقترح لمنع بناء بناء خط الأنابيب مباشرة بل كان سيجعله أكثر كلفة وشفافية. وكان سيعطي الدول الأوروبية القلقة رأياً وازناً حول المشروع والمفوضية الأوروبية دوراً محورياً في مراقبة عقود الطاقة بما سيقلل قدرة "غازبروم" على ليّ سوق الغاز الأوروبية. حين تقدمت فرنسا لدعم المقترح، لم تنظر إلى الموضوع على أنّه إهانة لألمانيا. لقد جذب خط الأنابيب انتقاداً متزايداً من دول أوروبية كما من الرئيس الأميركي.

ما مفاعيل التسوية؟

إنّ رقابة أوروبية أكبر على المشروع كانت ستسمح لألمانيا بتفادي الكثير من الإدانات من دون أن تبدو وكأنّها خضعت لترامب. لو تم تخطي الانقسام السياسي، لما تقلصت العزلة السياسية لألمانيا وحسب، بل كان خطر استغلال واشنطن للخلافات الأوروبية سيتضاءل هو الآخر. لكنّ ميركل ضاعفت الالتباس بمواقفها غير المتناسقة حول القضية. أسقطت أول محاولة للمفوضية لتغيير القواعد الأوروبية المنظِّمة للطاقة في تشرين الثاني 2017، لكنّها اعترفت في الربيع التالي بضرورة معالجة المخاوف الأمنية التي تبديها أوكرانيا ودول أخرى من هذا المشروع.

فرض الرئيس الألماني فرانك فالتر شتانماير وميركل ضغطاً مباشراً على باريس وخصوصاً بوخارست التي تترأس الاتحاد حالياً لإضعاف المقترح. منعت التسوية الناتجة تمتّعَ دول أوروبية أخرى والمفوضية الأوروبية بأي تأثير على عمليّة تفويض المشروع. لا تزال "غازبروم" مضطرة لتحويل الملكية التشغيلية لشركة أخرى على الأرجح مرتبطة بها وللسماح لمقدّمي خدمات آخرين بالوصول إلى خط الأنابيب. لكن لن يتغير الكثير مع هذين البندين. سيكون لشركة فرعية كهذه، الفرصة لاستخدام سياسيين موالين كأعضاء في المجلس الإداري وبذلك توسيع شبكة الفساد الروسية في ألمانيا. أمّا مؤمّنو الخدمات الآخرون فلن يستطيعوا الوصول إلى خط الأنابيب لأنّه يقع في قاع البحر. إنّ قرار إدخال شركات روسية أخرى في المشروع هو في يد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. بالتالي، إنّ المقترح المخففة صيغته لن يكون سوى تسوية بمعنى أنّها أفضل من لا شيء.


خمس "أكاذيب"

بحسب الكاتب، تبيّن كذب العديد من البراهين التي وضعتها برلين دعماً ل "نورد ستريم 2".

1- "نورد ستريم 2" هو مشروع تجاريّ

تقول الحجّة إنّ خط الأنابيب ستتناسب مع إطار العمل القانوني للاتحاد الأوروبي وإنّه لن يكون هنالك أسس للتدخلات في شؤون في مبادرات الأعمال طالما أنّها لا تخرق القواعد المرعيّة الإجراء. لقد بات واضحاً الآن أنّ الحكومة الألمانية تتدخل بنشاط للحفاظ على النظام البيئي التنظيمي الذي يمكّن المشروع من الاستمرار.

2- إمدادات الطاقة الألمانية منفصلة عن السياسة الخارجيّة الألمانية

لن تستطيع خطوط الأنابيب الألمانية أن تبصر النور إلّا بسبب الدعم السياسي الكبير. وهذا يجعل الثقة بمحافظة ألمانيا على العقوبات تتآكل لسببين: أوّلاً، إنّ حقل الغاز في شبه جزيرة يامال الذي يغذي خطوط الأنابيب يصعب استغلاله ولن ينجح المشروع على المدى البعيد إلا برفع العقوبات عن قطاع الطاقة الروسي. ثانياً، يتم منع الدول الأصغر من التعامل التجاري مع روسيا لكنّ برلين تؤمّن الغطاء السياسي للتعامل مع الدولة التي ترى التعامل معها استراتيجيّاً.

3- أكبر حزبين ألمانيين مختلفان حول المشروع

في الماضي، فتح كوادر "الحزب الاشتراكي الديموقراطي" الباب أمام الدفاع علناً عن المشروع، لكنّ المستشارية بقيت صامتة. أمل العديد من الحلفاء الأوروبيين أن تتخذ الحكومة الألمانية الجديدة مقاربة مختلفة أو أن تبدو ميركل وآخرون جديرين بالثقة لأنّهم لم يملكوا مصلحة شخصية لتشجيع المشروع. لكنّ المستشارة دافعت شخصياً عنه مستخدمة الحجج الاعتيادية لجماعات الضغط المؤيدة له.

4- الحكومة الألمانية مدافعة عن النظام المبنيّ على القواعد

يُظهر سلوك ألمانيا أنّها تقبل القواعد فقط حين تناسبها، وإلّا ستستخدم تكتيكات متنمرة أحادية للحفاظ على الثغرات التنظيمية التي تحفظ المصالح الألمانية. في حين أنّها تحب التحدث بصخب حول سلوك ترامب التخريبي، لا تتصرف الحكومة الألمانية بشكل مختلف حين تكون مصالحها على المحكّ.

5- دول الاتحاد الأوروبي تتمتع جميعها بحقوق متساوية

يُنظر إلى "نورد ستريم 2" بشكل واسع على أنّه مثل إضافي عن المعايير المزدوجة التي تحابي ألمانيا. لقد منع الاتحاد إيطاليا وبلغاريا والمجر واليونان وسلوفاكيا من الانخراط في مشاريع أنابيب ثنائية مع روسيا وفقاً لقانون "حزمة الطاقة الثالثة" الذي أصدره الاتحاد. لكنّ ألمانيا استخدمت ثغرة في التنظيمات الأوروبية لإطلاق المشروع الذي تم رفضه لآخرين، كما لتعزيز موقعها في سوق الغاز الأوروبية.


من التشكيك إلى العداونيّة

في حين تنظر دول الاتحاد الجنوبية إلى المشروع كدليل إضافي على الهيمنة الألمانية في الاقتصاد الأوروبي، ستتبنى الدول الأوروبية الشرقية والشمالية موقفاً أكثر تشكيكاً، إن لم يكن عدوانياً إزاء برلين، حول المسائل الأمنية. إنّ دور برلين كمدافع عن "غازبروم" في أوروبا مدمجاً مع إخفاقاتها في الالتزامات الدفاعية، يعززان المخاوف من أنّ الود الروسي-الألماني في حقبة شرودر هي سمة أساسية لاستراتيجية برلين. إنّ جهود مواجهة النفوذ الألماني ستصبح أكثر جوهرية في أوروبا ما بعد البريكست. قد تعترف بولونيا بأنّ الاصطفاف بجانب الولايات المتحدة في حرب تجارية ضد ألمانيا سينتج تداعيات سلبية عليها، لكنّ مخاوفها الأمنية ستسبق مصالحها الاقتصادية على الأرجح.


المخاوف التجارية ثانوية أمام تلك الأمنيّة

في هذه الأثناء، ستختبر بيلاروسيا وأوكرانيا غالبية التداعيات السلبية للشراكة الروسية-الألمانية. سيجعل "نورد ستريم 2" خطوط الأنابيب التي تمر في أوكرانيا وبيلاروسيا زائدة عن الحاجة. لكنّ مخاوف البلدين لا تقتصر على خسارة أموال الترانزيت. يستند النظام الروسي إلى صادرات النفط والغاز. والاعتماد على الوصول إلى خطوط الأنابيب في بيلاروسيا وأوكرانيا تقيّد حالياً النشاط العسكري الروسي في هاتين الدولتين. على سبيل المثال، امتنعت موسكو سنة 2014 عن تأمين الدعم العسكري لمجموعات انفصالية مؤيدة لها في خاركيف لوجود منشآت مهمة لنقل الغاز في شمال وشمال غرب المدينة.

لكن بعد البدء بالمشروع الجديد، بدأت روسيا تعسكر منطقة بلغورود-كورسك الحدودية ناشرة الفرقة 20 من الحرس العسكري عبر الحدود. تحت الضغط المتنامي للتنازل عن سيادتها للروس، قد تقبل بيلاروسيا بحضور عسكري روسي متزايد على أراضيها وإخضاع قواتها العسكرية لهيئة الأركان العامة الروسية. وهذا من شأنه تغيير الوضع الأمني جذرياً في بولونيا وأوكرانيا وليتوانيا.


نظرتها كنظرة ترامب إلى التغير المناخي

من هنا، لا معنى جدياً لحجة برلين في أنّ روسيا شكلت مورّداً موثوقاً به للغاز إلى ألمانيا حتى خلال الحرب الباردة. في ذلك الوقت، لم يكن لنظام تأمين الغاز تأثير على سيادة أو أمن أي دولة حيادية أو حليفة، الأمر الذي سمح بإمكانية الفصل بين سياسة الطاقة والسياسة الأمنية. لكنّ الأمور لم تعد كذلك. لا ترى ألمانيا روسيا خطراً مباشراً لذلك تميل المؤسسة السياسية في ألمانيا إلى تجاهل التداعيات الامنية للمشروع.

ليس لألمانيا قدرة أو تفويض داخلي للتعامل مع الآثار الناتجة عن خياراتها في ما يخص "نورد ستريم 2". لا تستطيع منع روسيا من ابتلاع بيلاروسيا ولا تصعيد الحرب مع أوكرانيا. في هكذا مناخات سياسية، يشدد القادة الألمان على أنّه يجب على المرء ألا يلتزم بسياسات لا يستطيع السيطرة على تداعياتها. ويخلص غريسل إلى أنّه وفي صورة تعكس مقاربة ترامب للتغير المناخي، تخضع ميركل ببساطة للعناد العقيدي ولجماعات الضغط التي تشكّلها الصناعات الداخلية ومجموعات المصالح الخاصة.


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم