الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

افتتاح مهرجان انطلياس للكتاب... منصة انسانية ثقافية

افتتاح مهرجان انطلياس للكتاب... منصة انسانية ثقافية
افتتاح مهرجان انطلياس للكتاب... منصة انسانية ثقافية
A+ A-

افتتحت الحركة الثقافية- انطلياس المهرجان اللبناني للكتاب للسنة 38، دورة "المعلم بطرس البستاني"، في القاعة الكبرى لدير مار الياس، برعاية رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ممثلا بوزير الثقافة محمد داوود داوود، وفي حضور النائب زياد حواط ممثلا رئيس مجلس النواب نبيه بري، النائب نزيه نجم ممثلا رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري.

وتحدث أمين المعرض منير سلامة عن اهمية المهرجان، عارضا لبرنامجه، وقال: "في تسمية الدورة باسم المعلم بطرس البستاني، إعادة تذكير بالتحدي الحضاري الذي أطلقه كبار المفكرين في العالم العربي والذي فتح آفاق التطور والتحديث والتقدم في عالم كان يستنقع في التخلف والظلامية".

واعتبر ان "تسليط الضوء في هذه الأيام على فكر النهضة حاجة أكثر من ضرورية بعد ان عاد العالم العربي ليغوص مجددا في مجاهل التخلف والقمع بمختلف وجوهه، وقهر الشعوب وكم افواهها واذلالها وافقارها، ولحث المثقفين الملتزمين على إعادة حمل مشعل التحرر والتجديد، في وقت يتزايد فيه مدعو ثقافة يحملون أقلاما ترتزق لدى أنظمة الفساد والجهل والطائفية والمذهبية والتي هي سبب شقاء هذه الأوطان وهذه الأمم والشعوب".

واكد ان "ما نعيشه في لبنان وفي هذه المنطقة يزيدنا تصميما في الحركة الثقافية- انطلياس على رفع التحدي كما فعلنا دوما على مدى أربعة عقود ونيف".

وشدد على أن المهرجان اللبناني للكتاب هو "المساحة الأرحب في لبنان التي تلتقي فيها النخب في المجالات الفكرية المتنوعة، هو احتفال سنوي بمنجزات قانونية وعلمية وادبية وفنية ومسرحية وشعرية وموسيقية، تضيف غنى على المكتبة اللبنانية خصوصا وعلى المكتبة العربية عموما".

واشار سلامة الى ان "النشاطات تتنوع على امتداد أيام المهرجان، فقبل الظهر ندوات ولقاءات مخصصة لطلابنا في المدارس في مراحل التعليم ما قبل الجامعي، وتتناول لقاء حول تاريخ الجيش اللبناني والتعريف بالكلية الحربية، ولقاءات مع رياضيين وناشطين بيئيين وموسيقيين وسينمائيين بالإضافة الى استكمال النشاطات في مجالات حقوق الانسان التي بدأناها في الذكرى السبعين للإعلان العالمي لحقوق الانسان، عدا عن مسابقات الاملاء والالقاء الشعري باللغتين العربية والفرنسية".

وأعلن عن صدور الجزء السادس من موسوعة "اعلام الثقافة في لبنان والعالم العربي"، والتي "تعد من أهم السجلات الثقافية للنخب الفكرية في لبنان والعالم العربي على مدى الأربعين سنة الأخيرة، عدا كتاب المهرجان والكتاب السنوي وكتيب أعلام الثقافة لهذه الدورة، ونختتم مهرجاننا بأمسية تراثية، موسيقية غنائية تحييها أوركسترا القسم الشرقي وكورال الغناء العربي في المعهد الوطني العالي للموسيقى بقيادة الأستاذ فادي يعقوب".

ثم كانت كلمة لرئيس دير مار الياس الأباتي أنطوان راجح، اعتبر فيها ان "الثقافة هي الطريقة الخاصة التي يمارس بها الأفراد والشعوب علاقتهم بالطبيعة وبإخوتهم، وعلاقتهم بذواتهم، ليتوصلوا الى حالة إنسانية كاملة. فما من ثقافة الا من الانسان وبالانسان ولأجل الإنسان. ذلك يشمل كل نشاط الإنسان، وعقله، وعاطفته، وبحثه عن معنى الأشياء، وعاداته، ومعالمه المناقبية. لذا يفخر دير مار الياس- انطلياس بحركته الثقافية التي تواصل عملها والكفاح منذ إحدى واربعين سنة متواصلة، وتتحصن ببعد أخلاقي داخلي، وبتآلف أعضائها وتضامنهم، وعزمهم المثابر على العمل التطوعي المجاني، الذي يندر هذه الأيام، في سبيل الخير العام، واعتبار الثقافة مناقبية أخلاقية. إنها ثقافة محبة الوطن، ومحبة الانسان. وإن كل عمل في سبيل الوطن والانسانية صلاة تحملها الملائكة. من هنا ارتياح الدير لامتداد رسالته الى هذه الأنشطة الحميدة والواجبة".

وأكد ان "المهرجان عمل أخلاقي، وبادرة حب وشهامة وإنفة، لا يتوقف عند الاتصال بالأشخاص وحسب، بل يهدف الى لقائهم ومخاطبتهم، خصوصا في عالم بات الإنسان يتمركز فيه في عاصمة ال"أونلاين"، حيث تحجر القيم في دوائر الحياة الخاصة. فصحيح أن حركتنا الثقافية تحاول القفز تباعا الى مراحل متجددة، فيها مخاض الجدة وانبهاراتها، فتفك طوق اللحظة، وتلتفت الى ما كان ولن يعود، مستشرفة ما سيكون وليس بعد. وصحيح أنها تثق بما وصفه قداسة البابا بندكتس السادس عشر في التقنيات المتسارعة التي تحتضر معها المجلدات الورقية، إذ قال: "لا تخافوا من التقنيات الحديثة، فهي واحدة من الآيات". وقد دعا قداسته الى الافادة من خدماتها، لافتا في الوقت عينه الى أن دور الآية يقضي بأن تشير إلى ما فوقها وما ورائها، إلى المعنى، لا أن تصبح غاية في ذاتها. إنها لخدمة الانسان".

وقال: "إن حركتنا جادة في استعمار مدوات الإفتراض الرقمية، وتقر بضرورة اعتماد رحلات تسارع الفكر، وتعبر تباعد الأمكنة وتآكل الآنات، ولكنها تبقي على ايمانها بالكتاب الورقي، وتبقي التقنيات في مساءلة أخلاقية، تمنع هيمنة الافتراضي من أن تنسينا القيم الانسانية، ومن أن تغدو آسرة ومعبودة. وهي تمنع الركمجة على شبكة الإنترنت من ثنيها عن الغوص إلى ما تحت المعلومات الجاهزة التي تقدمها محركات البحث، ومن التمسك باللقاءات الانسانية المليئة وحدها بالعبارات الحية".

أضاف: "في التنشئة الوطنية، وهي إحدى خلفيات المهرجان، هل نتكوم في ممكنات قشفة يصورها تصلب شرايين التفكير والتعبير والارادة عندنا، فنكثر الكلام ونعدم الحوار، مجهضين كل بادرة في مسلخ الحسابات الضيقة والشكوك المبيتة، مكتفين بانتظار تبني الجنين، أو المسخ الذي يلد من رحم الدول الكبرى والاقليمية وتسوياتها؟ هل سنرضى بمقارنة أنفسنا بمجاهل بلاد نفتش معها عن بعض تفوق، إذا وجدنا، بعد أن كنا لا نرضى الا بمقارعة أرقاها؟".

وتابع: "لن نكتفي بحصر أقصى الطموح في إدراج أسماء منتشرين ضمن لوائح، مع الإشادة بالجهد المبذول للغاية، ولا بالمطالبة الفورية بحلول جذرية جريئة ومتبصرة، لأزمات زحمة السير، والنازحين، والنفايات، ولأزمات المفتقرين الى القوت والسكن، والعلم والطبابة والاستشفاء والراتب التقاعدي أو الاجتماعي، وما أكثرهم. لا، لن نخفض سقف الأمل. لن نتسول الحد الأدنى، ولن نفرط بحق الطموح، فنكتفي بانتظار شح ما تجود به علينا الأيام. لن نرضى باستبدال منطق الارادة والنضج الذي يجيز حكم الذات بالذات، بمنطق الدلع والولع بالاستغلال والنهم وما تسنح به الفرص، ولا أن تستمر فسحة الأمل بالتقلص، حيث لا يعود العيش يتسع لأكثر من المرارة والقنوط".

وأردف: "مع حركتنا ونظيراتها نتمسك بمبادئ أساسية لناحية الانتماء والفضيلة، ونبقي عقولنا مفتوحة على مصاريعها، لقراءة تاريخية لمفاهيم السيادة والاستقلال، لا تكون مفخخة بالهواجس، ولا مدججة بالانتفاعية الفردانية الأنانية، ولا تقوم على اصطفافات عدائية داخلية، أو على انطوائيات طائفية بغيضة، ولا على نوبات مكابرة وتشنيج وتجييش، أو على ايقاع مزاجية سياسية متقلبة، بل تكون مكللة بالحد الكافي من التضامن والاحترام، ومن التماسك المطلوب في المجتمع الوطني، وبالانتقال من التعايش الحذر، المتربص والمقتنص، الى التعاون الخلاق، وتلقيح منطق الانفتاح برحيق الإبداع".

وختم راجح: "معكم نواصل الاستثمار في الفكر، في الرجاء والارادة، وننظر الى الغد بثقة وعزم، لنسهم من موقعنا الحضاري، في الخروج بالوطن من دوامات الرهانات والتخلف التي أنتجتها وتنتجها الأزمات المدبرة، المتوالدة والمتتالية، ونهدف الى ضياء الفكر، والقول، والعمل، والثبات على ايماننا بالله، وبهذا الوطن".

وفي الختام القى داوود كلمة الرعاية، فقال: "باعتزاز وشرف كبير، كلفني فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بتمثيله في افتتاح مهرجانكم السنوي. مأثرة ثقافية وفصل معرفي حضاري، يتتالى بإيمان للسنة الثامنة والثلاثين".

أضاف: "هذه التظاهرة، فخورون نحن بها على المستوى الرسمي والشعبي، وهي إحدى سمات لبنان، وتشكل استمرارية لدورة النهوض الريادي في العالم العربي منذ مطبعة حروف جبيل ومطبعة قنوبين وثورة الحرف، حتى اليوم".

واعتبر ان "من فضائل المهرجان اللبناني للكتاب، انه شكل ويشكل منصة انسانية- ثقافية، يتلاقى عليها الكتاب والناشرون وجمهور القراء الطامحين الى نعمة المعرفة. ثم هي مناسبة وفاء لكبار أعطوا الفكر والآداب والفنون، في لبنان والعالم العربي، وهجا حضاريا".

وقال: "هذه الاحتفالية التي وسمتموها بدورة المعلم بطرس البستاني، هي وردة إكبار وتقدير لأحد آباء النهضة العربية. هو القامة الموسوعية، صاحب "دائرة المعارف" ومعجم "محيط المحيط" ومؤسس صحائف: "نغير سوريا" و"الجنان والجنينة" ومترجم الكتاب المقدس. فضله كبير هذا المعلم".

وتابع: "ذاكرون انشاءه المدرسة الوطنية في العام 1863 إثر تداعيات رواسب فتنة 1860، بالتعاون مع الشيخ يوسف الأسير ومتنوري تلك الحقبة، والتي جمعت طلابا من كل لبنان وركزت مناهجها على الالفة والاتحاد والولاء للوطن. ولعل اكثر ما يستوقف في فكر هذا الموسوعي، دعوته الى المساواة بين المرأة والرجل في خطابه الشهير 1849: خطاب في تعليم النساء".

وأردف: "اذ نحتفل اليوم بالكاتب عبر الكتاب، فنحن في صميم ترويج المعرفة، التي بفضل وسائل التواصل صارت عابرة للحدود. إننا في قلب القرية المعولمة. ثم لا ننسى، أن اقتصاد اليوم، تحول من مجتمع زراعي، إلى اقتصاد المعرفة وظهور مصطلح رأس المال المعرفي القائم على الذكاء والمعلومة والبحث العلمي".

وقال: "لقد لعبت الثقافة دورا راجحا في تكوين نسيج المجتمع اللبناني- عبر العصور- وتحولت مشروعا حضاريا، طمح كتابنا النهضويون واللاحقون في ترجمته إلى دور ورسالة لبنان في محيطه والأبعد. هذا المشروع الثقافي اللبناني، نعتبره نموذجا لمنطقة الشرق العربي والأوسط، من حيث التلاقي الحضاري- الإنساني- المعرفي وقبول الآخر من خلال الحوار والتآخي. هذا المشروع عبرت عنه منظمة اليونسكو، عمليا، من خلال تبني استحداث المركز الدولي لعلوم الإنسان في جبيل عام 1970، عبر بيان أممي، اعتبر لبنان بصفته الجيوسياسية- الثقافية، جسر التقاء ثلاثي القارات: آسيا، إفريقيا، أوروبا، لحضارات الشرق بالغرب في مدينة مهد الأبجدية: جبيل".

أضاف: "يسعدني هذا المساء، أن ندفئ عقولنا بوهج الحرف وهدي المعرفة وانفتاح آفاق الثقافة، خروجا من الشرانق وارتقاء ثريا إلى رحاب الإنسانية".

وختم داوود: "باسم فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، الذي شرفني بتمثيله هذه العشية، كل التقدير للحركة الثقافية في نشر المعرفة. ونعاهدكم أن يظل لبنان الرسمي حاضن العطاءات الفكرية، والمحفز والداعم الأكيد لكل المبدعين. ويبقى الكتاب أيقونة المعرفة في عقولنا. تحية لأهل الحرف. عاش لبنان".


حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم