السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

عودة التنافس الإقليمي على الساحة اللبنانية

المصدر: "النهار"
خالد الربيع- أستاذ جامعي
عودة التنافس الإقليمي على الساحة اللبنانية
عودة التنافس الإقليمي على الساحة اللبنانية
A+ A-

من يعتقد أن الحكومة اللبنانية التي تألّفت يوم 31 كانون الثاني 2019 بعد تسعة أشهر من المشاورات أنها حكومة وحدة وطنية يكون مخطئاً، بل هي حكومة "حزب الله" الممسكة بالقرار السياسي والاستراتيجي. ويأتي تشكيل الحكومة الجديدة بعد مخاض استمر 252 يوماً تأكيداً لانتصار محور طهران الممتد من المنطقة الجغرافية بين إيران والبحر الأبيض المتوسط ، ولما يمثله الحزب من قاعدة عسكرية في المنطقة.

إن عهد الوصاية على لبنان مستمر، فقد بدأ بعهد الوصاية السورية وانتهى بالإيرانية فتقويض الدولة اللبنانية كان في بداية الثمانيات 1982 واستمر حتى اغتيال الشهيد رفيق الحريري 2005 والحرب اللبنانية - الإسرائيلية ومغامرة "حزب الله" 2006 حتى الذهاب إلى اتفاق الدوحة، والذي بناء عليه أعطي "حزب الله" الثلث المعطل والذي يستطيع بواسطته إقالة أي حكومة متى شاء؛ وخير شاهد على ذلك عندما رفض رئيس الوزراء سعد الحريري خلال زيارة إلى إيران في 2010 الوصايا الإيرانية والتي تتمثل في (توقيع اتفاقية دفاع مشتركة بين إيران ولبنان وإعفاء الإيرانيين من تأشيرة الدخول للبنان والسماح لإيران بدخول النظام المصرفي اللبناني) .

ما تشهده الساحة اللبنانية من سيطرة لـ "حزب الله" وحلفائه ما هو إلا ميزان قوى مختل نتيجة لتراكمات من تنازلات استمرت لعقود من فريق 14 آذار، هذه السيطرة تجسدت  في تعطيل في تشكيل الحكومة وانتخاب رئيس الجمهورية واغتيال ممنهج ومنظم لقيادات معارضة أو فرض قانون انتخابي "التمثيل النسبي" الذي جاء بمجلس تشريعي كانت الغلبة فيه دائماً لـ "حزب الله" من طريق احتكاره القرار الشيعي أو نتيجة تحالفه مع المكون المسيحي من طريق التحالف مع رئيس الجمهورية الحالي ميشال عون و"التيار الوطني الحر" "نتيجة توقيع ورقة التفاهم مع الحزب في 6 شباط 2006" أو مع سنّة 8 آذار، جل ذلك كان يهدف لوضع حد لعدم تنفيذ القرار 1559 الصادر عن مجلس الأمن ومن أهم بنوده سحب سلاح "حزب الله".

لبنان بلد التنوع السياسي والديني والطائفي والديموغرافي لا يرغب المجتمع الدولي في انهياره فقد يكون تشكيل الحكومة الحالية رغم التشوهات والصعوبات أفضل من الفوضى ويكون لبنان تحت المظلة الدولية والإقليمية.

فمكاسب "حزب الله" وحلفائه كبيرة في تشكيل الحكومة إضافة إلى الثلث المعطل (الذي يعطيهما القدرة على تعطيل أي من القرارات الحكومية المهمة)، فللمرة الأولى يحصل على ثلاث وزارات بدلاً من اثنتين من ضمنهما وزارة الصحة والتي لها رابع أكبر ميزانية ومع فرض تمثيل السنة المعارضين للحريري كاسراً بذلك احتكار الأخير تمثيل السنة منذ عام 2005؛ ومن المؤكد أن تشكيل الحكومة هو بمثابة واجهة لسلطة "حزب الله"، فهندسة وإخراج هذه الحكومة كانت تحت أنظار قاسم سليماني وعلي المملوك. وما تعيين صالح الغريب وزير شؤون النازحين وحسن مراد وزير دولة للتجارة الخارجية لهو دليل على استئناف النفوذ السوري بلبنان. كل ممارسات "حزب الله" وحلفائه ومن خلفهما إيران تسعى لتقويض وانهاء اتفاق الطائف والذهاب إلى عقد اجتماعي جديد، مبررين ذلك بأن الاتفاق قد حرم المسيحيين حقوقهم وأعطى الكثير للتيار السني.

فقد تواجه الحكومة اللبنانية الخامسة والسبعون بعد الاستقلال والثالثة التي يرأسها سعد الحريري معضلتين: تتمثل الأولى في استيعاب التوترات الناتجة من الدور الإقليمي لـ "حزب الله"، حيث يتمتع الحزب بثقل على الساحة اللبنانية يستقيه من دعم إيراني كبير أتاح له التزود بقوة عسكرية ضخمة استخدمها في تقديم دعم ميداني كبير للنظام السوري وهو التنظيم الوحيد الذي لم يسلم سلاحه بعد انتهاء الحرب الأهلية (1975-1990) إضافة إلى كيفية التعامل مع العقوبات المفروضة عليه من الإدارة الأميركية والمصنف إرهابياً ووضع حد لاختراق "حزب الله" القرار 1701 بعد اكتشاف الأنفاق داخل إسرائيل والالتزام "بإعلان بعبدا" الموقع بين الأحزاب اللبنانية عام 2012.

أما المعضلة الثانية اقتصادياً، فقد بلغ حجم الدين العام في لبنان 85 مليار دولار أي ما يعادل 141% من إجمالي الناتج المحلي وهي من أعلى النسب في العالم. ونتيجة للصعوبات الاقتصادية والسياسية وتراجع معدل النمو في السنوات الثلاث الماضية إلى 1%، فقد كان في 2011 أكثر من 8% وثلث الشعب اللبناني تحت خط الفقر (أقل من 2 دولارين دخل الفرد يومياً).

وقد وعد المجتمع الدولي بتقديم 11.5 مليار دولار كقروض وهبات خلال مؤتمر "سيدر" الذي عقد في باريس في نيسان 2018 مرتبط بإصلاحات اقتصادية ومعالجة هيكلة لبعض قطاعات الدولة التي ستكون بناءً عليها الحكومة ملزمة بتصحيح مالي بما لا يقل عن واحد في المئة سنوياً من الناتج المحلي الإجمالي على مدى خمس سنوات من خلال زيادة الإيرادات وتقليل الإنفاق وخصوصاً إذا ما اعتمد تقرير "ماكنزي" (المعتمد على الاستدانة بـ 17 مليار دولار وزيادة الضرائب وتخفيض الرواتب).

قد يكون المعسكران (الاعتدال- الممانعة) يراهنان على المتغيرات الإقليمية والدولية سواء في البيت الأبيض أو التغيرات الإقليمية الداخلية، وقد تكون اليد الطولى في الوقت الحالي لمصلحة إيران وحلفائها نتيجة واقع سياسي يفرضه توازن قوى على الأرض والإقليم.

فالتفاهم الأخير بين إيران والاتحاد الأوروبي في شأن وضع آلية جديدة للالتفاف حول العقوبات الأميركية المفروضة على إيران بعد إلغاء الرئيس ترامب الاتفاق النووي الموقع بين إيران والولايات المتحدة في عهد الرئيس أوباما، إيران ترى نفسها منتصرة في سوريا والعراق ولبنان بدعم من روسيا مع تردد أميركي وأوروبي أو قد يكون وسيلة لابتزاز العرب سياسياً واقتصادياً مع حضّهم على التطبيع مع الكيان الصهيوني كما حدث في مؤتمر وارسو. 

لقد دعمت دول الاعتدال معسكر 14 آذار والذي تمخض عنه اتفاق الطائف 1989 بعد حرب أهلية استمرت 15 سنة والذي انبثقت منه صيغة عيش مشتركة بين مختلف الطوائف والمذاهب اللبنانية لتقاسم السلطة والذي يفهم من التحركات الأخيرة عودة لهذا المحور بعد زيارة مبعوث جامعة الدول العربية وزيارة المبعوث السعودي والذي وعد برفع الحظر عن عودة السعوديين إلى لبنان ومع وعود بعودة المنحة الأمنية المقدرة بـ 4 مليارات دولار والاستثمار في سندات الخزانة اللبنانية وتفعيل أكثر من 20 اتفاقية مع لبنان، جاء ذلك بعد زيارة وزير خارجية إيران محمد ظريف إلى لبنان والتي استمرت يومين من أجل كبح نفوذ إيران في الساحة اللبنانية.

في عالم متحرك ينبئ بتحالفات وظهور قوى إقليمية على الساحة ومع عودة الحرب الباردة مع تأكيد أميركا بعدم التخلي عن حلفائها في المنطقة ومع الانتخابات الإسرائيلية المقبلة والتي لن تسمح بقيام مظلة إيرانية في لبنان، قد تكون الفرصة سانحة لعمل عربي معتدل وفاعل للقيام بدور مهم وحيوي على الساحة للبنانية يعيد مشهد تكتل 14 آذار التاريخي وليس دوراً يعتمد على ردود الأفعال.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم