السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

مؤتمر ميونخ للأمن... العلاقات الأميركيّة-الأوروبية تغدو "أكثر جنوناً"

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
A+ A-

مؤتمر ميونخ 2018.. خلاف داخليّ

ترك مؤتمر الأمن في ميونخ بصمته على سياسات البيت الأبيض في السنتين الأخيرتين. ففي شباط 2018 أغضب مستشار الأمن القوميّ السابق أتش آر ماكماستر الرئيس الأميركيّ حين أطلق تصريحاً على هامش هذه المناسبة. فقد ذكر وجود أدلّة ثابتة على التدخّل الروسيّ في الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة، ممّا دفع ترامب للردّ عليه عبر تغريدة كاتباً أنّه "نسي قول إنّ نتائج انتخابات 2016 لم تتأثّر أو تتغيّر وإنّ التواطؤ الوحيد كان بين الفاسدة هيلاري، اللجنة الديموقراطيّة الوطنيّة والديموقراطيّين...". وكان ذلك التصريح بداية العدّ العكسيّ لأيّام ماكماستر في منصبه الرسميّ الذي غادره بعد حوالي شهر ونصف.

اليوم، تنتقد القوى الأوروبّيّة البارزة الرئيس الأميركيّ على قراره بشأن سوريا بعدما رفضت دعوة نائب الرئيس الأميركيّ مايك بنس للانسحاب من الاتّفاق النوويّ كما رفضت حضور مؤتمر فرصوفيا على مستوى وزراء الخارجيّة، باستثناء بريطانيا التي غادرت الاجتماع في وقت مبكر.


القرار حُسم

لم يمرّ الموقف الأوروبّيّ الأخير من دون ردّ ولو غير مباشر من ترامب. ففي تغريدة مسائيّة يوم السبت، كتب أنّ "الولايات المتّحدة تطلب من بريطانيا، فرنسا، ألمانيا وحلفاء أوروبّيّين آخرين استرجاع حوالي 800 مقاتل من داعش ألقينا القبض عليهم في سوريا وتقديمهم إلى المحاكمة" مهدّداً بأنّه في عدم حصول ذلك، ستضطر واشنطن إلى إطلاق سراحهم.

وأضاف أنّ الولايات المتّحدة لا تريد التفرّج على هؤلاء المقاتلين وهم يتغلغلون في أوروبّا مشدّداً على أنّه "آن الأوان لآخرين للدخول وإتمام مهمّة هم قادرون عليها. نحن ننسحب بعد انتصار (بنسبة) 100% على الخلافة!". بذلك، عاود ترامب تأكيد أنّ قراره حول سوريا قد حُسم وأنّه ينبغي على أوروبا لا التكيّف مع هذا الواقع وحسب بل الاستعداد أيضاً للتعامل مع تداعياته ومن بينها محاكمة مقاتلي داعش، علماً أنّ حكوماتها غير متحمّسة لهذه المسألة بما أنّها قد تثير ردّ فعل سلبيّاً من الرأي العام.

اختلاف في الأولويات

بحسب البعض، تختلف الأولويّات الأمنيّة بين الأوروبّيّين والأميركيّين. فواشنطن تركّز كثيراً على ملفّات الشرق الأوسط وإيران، على عكس بروكسيل التي ترى أنّ روسيا والصين تفرضان تحدّيات كبيرة في المدى المنظور. كذلك، يبقى الأوروبّيّون قلقين من غياب التلاحم بين دول الاتّحاد الأوروبّي نفسه. بالمقابل، هنالك صورة مختلفة قدّمها مؤتمر ميونخ هذه السنة.

ذكر غريف ويته ومايكل بيرنباوم في صحيفة "واشنطن بوست" أنّ حلفاء واشنطن شنّوا انتقاداً واسع النطاق ضدّ سياسات ترامب. وتولّت ميركل التي تكون عادة حريصة على عدم استفزاز الرئيس الأميركيّ قيادة هذه الانتقادات خصوصاً لجهة ميل واشنطن إلى معاملة حلفائها كخصوم. من جهة ثانية، رأى الصحافيّان أنّ خطابها عبّر عن "تنفيسة" كانت بحاجة إليها كثيراً قبل أن ينقلا عن رئيس "مجموعة أوراسيا" للأبحاث أيان بريمر قوله إنّ الحلفاء تفادوا السنة الماضية الحديث علناً عن هذه التوتّرات. لكنّ ذلك اختلف هذه السنة مع عدم مقدرة إدارة ترامب على فهم "أنّ هذا لا يتعلّق فقط بحجم ما يدفعه الناس. إنّه مرتبط بالعلاقة، الثقة، كيف تخاطب (الحلفاء)، وبالقيم المشتركة".

ترامب ليس وحده المسؤول

اليوم، يناقش وزراء خارجيّة الاتّحاد الأوروبّي سياسة ترامب في سوريا. بغضّ النظر عن نجاح أو فشل هؤلاء في وضع أسس لرؤية خارجيّة مشتركة حول دورهم في تلك البلاد بعد الانسحاب الأميركيّ، يبقى أنّ جوهر المشكلة لا يكمن فقط في طريقة مقاربة الملفّات الشرق أوسطيّة بين الطرفين. صحيح أنّ طريقة تعاطي ترامب مع الحلفاء الأوروبّيّين أطلقت عصراً من غياب أو تقلّص حجم الثقة بين ضفّتي الأطلسيّ، لكنّ ذلك لا يعني بحسب البعض أنّ أوروبّا معفاة عن المسؤوليّة.

رأت الباحثة البارزة غير المقيمة في مركز "كارنيغي" -أوروبا جودي ديمبسي أنّ القادة الأوروبيين لا يؤدّون لنفسهم خدمة عندما يهاجمون ترامب وتضيف أنّه حتى ولو هُزم الأخير، فالتغيير في البيت الأبيض لن يطلق تغييراً جذريّاً في ديناميّات ما يحصل في أوروبا أو خارجها. "هذا لأنّ أوروبّا، متجسّدة في الاتّحاد الأوروبي، تفتقر إلى الأدوات الاستراتيجيّة، العقليّة، والقيادة لإعادة تشكيل العلاقات مع الولايات المتّحدة خصوصاً والغرب عموماً". وتابعت: "بعد أكثر من سبعين عاماً من الدعم الأميركيّ الثابت لأوروبّا، لا يزال الاتّحاد الأوروبّي كتكتّل خارج أي موقع لصياغة سياسة خارجيّة، أمنيّة، أو دفاعيّة"، مشيرة إلى أنّه يصعب أن يُحدِث الاتّحاد "فرقاً" في نقاط التوتّر المختلفة حول العالم.


ماذا سيحصل العام المقبل؟

لفت عدد من وسائل الإعلام النظر إلى أنّ كلمة ميركل وانتقادها لترامب حصدا تصفيقاً حاراً من الحاضرين في المؤتمر، وخصوصاً أمام أنظار وعلى مسامع ابنته إيفانكا. لكن عمليّاً، لن يُصرف هذا التصفيق في حسابات السياسة الخارجيّة لألمانيا أو الاتّحاد الأوروبّي مع الولايات المتّحدة. "التنفيسة" أو كمّيّة التصفيق، وبشكل عام سياسات الردود المتقابلة تظهر أن إيجاد حلول مشتركة لأزمة غياب الثقة بين الطرفين لا يزال بعيداً. عوضاً عن ذلك، إنّ ما تظهره هذه السياسات هو ابتعاد عن الحنكة التقليديّة في معالجة المشاكل، واستغراب وزير خارجيّة لاتفيا إدغار رينكفيتش ما يحصل في هذا المؤتمر قد يكون دليلاً على ذلك:

"الأمر يصبح أكثر جنوناً. لا أعلم ما الذي ستجلبه ميونخ العام المقبل".


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم