الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

أرشيف "النهار" - ميشال شيحا، قراءة في الميثاق

المصدر: أرشيف "النهار"
Bookmark
أرشيف "النهار" - ميشال شيحا، قراءة في الميثاق
أرشيف "النهار" - ميشال شيحا، قراءة في الميثاق
A+ A-
قال الراوي:مسؤول رفيع المقام، لم يعد رفيع المقام في بلد قريب من لبنان، سأل ذات يوم المغفور له الأمير مجيد ارسلان:"ما هذا الذي تسمونه الميثاق، تتغنون به، ماذا يعني؟".أجابه الأمير، ولم يكن يومها متحزماً بسلاحه كما في صورة له بريشة أمين نخلة(1):"الميثاق يعني: بطلو المسيحيين يغنو فرنسا ام الدنيا عموم، وبطلو المسلمين يغنو انت سوريا بلادي، وصرنا نغني كلنا للوطن".هذا الميثاق المعبر عنه بهذه البساطة، وكدت أقول بهذه البراءة، كان له فيلسوف، وهذا الفيلسوف: ميشال شيحا. ولا أدّعي ابوة هذه الكلمة، انها للاستاذ غسان تويني(2) الذي يعود اليه ان يحدّد مدى انطباقها.اسمحوا لي في مستهل كلمتي هذه بان أتوجّه بتحية شكر وتقدير الى صاحب الدعوة الذي أتاح لنا هذه العشية الطيبة. واسمحوا لي ايضاً، في ما يشبه الاعتذار سلفاً، بأن لا يأتي حديثي اليكم على شكل محاضرة او اطروحة في فكر ميشال شيحا أو في ما ارتسمت عليه حياته، بل سيكون في الغالب تنقلاً بوهيمياً، بغير لحمة او تمهيد، بين محطات طبعت فكره وارتسامات تلك الحياة.الميثاق، الأرض والموقعهذا الميثاق يظل ارضاً محددة الحدود منذ ما قبل دستور 1943 ومنذ ما قبل دستور 1926 بل قبلهما منذ اعلان لبنان الكبير في اول ايلول 1920: شرقاً سلسلة الجبال الشرقية، وغرباً السفح ينبسط على بحر هو بحيرة قارات ثلاث. اما جنوباً فجار عدو لا يريح. وشرقاً شمالاً جار شقيق لا يستريح... هذه الارض، شمسها لا تحرق، وشعبها كما في انشاد شعري، جار للعالمين وأهل. أو هكذا كان... أو يجب أن يكون...فالبحر والجبل هنا توأمان، في السياسة كما في الاقتصاد، فنسمع ميشال شيحا ينادي: هيهات الاضطلاع بسياسة لبنانية وباقتصاد سياسي اذا نحن انتقصنا دور البحر ودور القارات في وجودنا. فالانظار التي لا ترى سوى السلسلة الشرقية والأفق هناك هي مصابة بالكلل. وما أشبه لبنان الشرقي بستار من الاشجار يواري الغابة، لكنه ستار أجرد. مهمتنا هي ان نبعث في تلك السفوح والمنحدرات، اعماراً من الخضرة والناس، يمهر لبناننا بغير حدود الصحراء والريح(3).من قصره الذهبي على تلة من الجمال والدلال، نزل ميشال شيحا الى الساحة بقبوعته الفرنجية وبقلمه الأنيق، يجوب شوارع المدينة – عنيت شوارع المجتمع والسياسة والاقتصاد – مفكراً ومرشداً وكاتباً للدستور، والى ذلك متمرداً.ميشال شيحا كاتب الدستورأبدأ بميشال شيحا كاتباً للدستور، لماذا؟لأن بعضاً من غير خاصة التاريخ يشكك في ان يكون ميشال شيحا هو الذي كتب دستور سنة 1926، وان الفرنسيين هم الذين "نقلوا" الى اللبنانيين دستور جمهوريتهم الثالثة لسنة 1875، فانساقت اليه لجنة صياغة الدستور آنذاك وعملت به... إلا ان الرأي الراجح مجمع على ان كاتب الدستور سنة 1926 هو ميشال شيحا وان مساهمته كانت هي الأكبر والأفعل والأقوى. وعلى هذا دلالات حسية وشهادات حيّة لا تُمحى.فالدستور اللبناني سنة 1926 حرّر بالفرنسية، وما من احد في لجنة الصياغة، ذلك الزمان، كان يدانيه فيها تضلعاً واتقاناً. هذا وان كان الدستور كتب باللغة الفرنسية فليس صحيحاً انه مجرد استنساخ للدستور الفرنسي. فلقد سبق انكباب لجنة الصياغة على عملها تحقيق واسع ازاء ما يريد اللبنانيون ان يكون نظامهم، شمل هذا التحقيق العديد من المرجعيات المحلية، رؤساء طوائف وموظفين كباراً وهيئات وشخصيات مرموقة، فوردت اجوبتهم عن اسئلة وجهت اليهم في هذا الخصوص – بلغ عدد هذه الأجوبة مئة واثنين وثلاثين كما لخصها مقرر اللجنة شبل دموس – تصب في مصب الحكم الجمهوري والنظام البرلماني. وكان من ابرز نقاط الابتعاد عن الدستور الفرنسي مسألة صلاحيات رئيس الجمهورية كسلطة تنفيذية في تعيين الوزراء وتسمية رئيسهم واقالتهم، الى مسألة الطائفية كبند اساسي في الدستور، حيث لا شيء من هذا في الدستور الفرنسي. واذا كان دستور 1926 قد استوحى، على صعيد التقنية القانونية، بعضاً من مبادئ دستورية عالمية وبخاصة فرنسية، فلا يعني ذلك انه اكتفى بنقلها نقلاً أميناً ومتطابقاً، غير آبه لمعطيات المجتمع اللبناني او مغيباً واقعه وتطلعاته.وثمة دليل حسّي يتصدر الأدلة الأخرى على مساهمة ميشال شيحا الشخصية في كتابة الدستور، نسخة عن الدستور مضروبة على الآلة الكاتبة تتخلل كل سطرين من سطورها تصحيحات وكتابات لاصقة بها بخط ميشال شيحا، تتناول القسم الأكبر من تلك المواد إن لم يكن كلها جميعاً(4).هذا الى شهادات حيّة لمعاصريه كيوسف السودا(5)، والأمير خالد شهاب، العضو السني في المجلس التمثيلي، ويوسف سالم، العضو الكاثوليكي في لجنة الصياغة، اللذين افادا في تحقيق لجريدة "النهار" سنة 1975 بالآتي(6):- قال الأول: ان اللجنة التي عهد اليها في وضع مشروع الدستور اختارت وكلفت، بتأييد من مجمل اعضائها، عمر الداعوق وعمر بيهم وغيرهما من زملائهما المسيحيين، ميشال شيحا صياغة المشروع لعلمها بثقافته ووطنيته وتفوقه في اللغة الفرنسية، ما أسلس الطريق امامه وسهّل له القيام بالمهمة خير قيام.- وقال الثاني: ما من أحد من اعضاء لجنة الصياغة الا وأدلى بدلوه. الا ان اكثرهم نشاطاً وسهراً ومتابعة ميشال شيحا، الذي كان في سباق دائم مع اجوبة المرجعيات والهيئات المحلية، لا ينتظر ورودها اليه فيسارع الى كتابة النصوص دونما انتظار. وما ان ينهي مادة من المواد حتى كان يعرضها على مقرّر اللجنة موسى نمور، فيحيلها الأخير على الاعضاء للمناقشة.ويورد يوسف سالم ان مشادة – نذكرها لأنها تضيء ناحية من فكر ميشال شيحا – نشبت بين موسى نمور وصبحي حيدر من جهة وميشال شيحا من جهة أخرى، إذ كان نمور وحيدر يحبّذان توزيع الوظائف العامة على اساس طائفي، في حين كان ميشال شيحا يعارض ذلك بشدّة معتبراً ان التمثيل الطائفي موجود في الدستور وفي قانون الانتخاب – وهو ضروري في بلد كلبنان – بيد ان لا ضرورة له في توزيع المناصب العامة، لأنه يقف حائلاً دون تطوّر البلاد وتقدمها. ولم ينفع وقوف يوسف سالم الى جانب ميشال شيحا، فاعتمدت اللجنة الرأي المخالف، وجاءت المادة 95 آنذاك تقول: "بصورة موقتة، وعملاً بالمادة الأولى من صك الانتداب، والتماساً للعدل، تمثل الطوائف بصورة عادلة في الوظائف العامة"... إلا ان هذا "الموقت" أو "غير الدائم" ما زال دائماً منذ ثلاث وثمانين سنة، مع وعد بتصحيحه في دستور الطائف سنة 1990. أقول هذا ومن غير ان أشرّع نقاشاً هنا حول ما اذا كان لبنان...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟ تسجيل الدخول
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم