السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

صورةٌ تلتقطُ صورة

محمد شحادة
صورةٌ تلتقطُ صورة
صورةٌ تلتقطُ صورة
A+ A-

- سيّارةٌ آتيةٌ من أمامي سُرعتها صفر،

وباصٌ مدرسيّ من ورائي متّجه نحوي بسرعة 220 كلم بالساعة،

وأنا في المنتصفِ أشربُ الشايَ، أَنتظرهما يصطدمان بيدي اليمنى وأنفجرُ.

- لا جدوى، أعِدِ المشهدَ مرّة داخلَ مرّة.

- أنا أسيرُ بسرعة 220 كلم باتّجاه باصٍ مدرسيّ، وسيّارة أجرة واقفة دونما ركّاب، ودونما سيّارة.

- لا جدوى.

- أعِدِ المشهدَ مرّة أخرى!

- حدثَ خطأ، السيّارةُ تعطّلت قبل وصولها إليّ بسنتمتر واحد، والباصُ فقدَ السيطرةَ على السّائق فمات السائقُ، وانحرفَ الباصُ نحو حانةٍ مصطدماً بزجاجةِ فودكا موضوعة على ركبة امرأة تقلّمُ أظافرها وتنظرُ إلى أصابعها البيضاء ترفعها قليلاً قليلاً، ولسوء حظّها نسيتُ أصابعي السوداء على زجاج الباص، هكذا اصطدما ببعضهما حتّى أصبحا بيانو.

- سيارةٌ آتية نحوي بسرعة 220 كلم، وباصٌ مدرسيّ متّجهٌ نحوي بسرعةِ صفر، وأنا في المنتصف يصطدمان بي، وها أنا انفجرتُ وهما أكملا اصطدامهما...

- تمهّلْ، تمهّلْ!

بعوضةٌ دخلتْ في عيني ولم أرَ ما حصل

باببببب!

حصلَ خطأ مرّة أخرى، لم أُكمل آخرَ كرعة من كوب الشاي ،

والصّوتُ فقط اصطدمَ بي.

-المشهد يعيدُني،

أنا متّجهٌ نحو الباص المدرسيّ بسرعة 219 كلم،

وأنا أيضاً متّجه نحو السيّارة بسرعة 1 كلم،

وكوب الشاي في المنتصف،

تبّاً لكوبِ الشاي،

لقد اصطدموا جميعا بقلبي...

الحبُّ

كأنْ تجد فسحة للوقوف بسيّارتكَ الفولز موديل 1960 على طريقٍ ليس فيها أيّة سيّارة،

فلا تقفْ لتركنَها ولا تمضِ بها

- تحرقها وتمضي سيراً بلا أقدام...

***********************

الطقسُ ملائمٌ للموت


ضَحِكُ الأطفالِ أمامَ البيتِ،

ولادةُ جارتنا التي نَفضَتني عن الغبار.

المكنسةُ بيدِ جارتنا الثانية في الطابقِ الثالثِ

طب طب طب

تنفض السجّاد ثمّ تعودُ وتنفضُ المكنسة بالسجّاد.

هذا الصّوت الذي يخرجُ من بين السجّادة والمكنسة يشبهني تماماً،

التّصادُم،

هكذا جئتُ إلى الحياةِ صاعداً ولستُ نازلاً إلى بطن أمّي، حيث اصطدمتْ يدُ الطبيب بمؤخّرتي فلم أبكِ، لكنّي تنفّستُ، وحيث اصطدم رأسي برحم أمّي رأيتُ لافتةً تقول: "لن تستطيع الدخول ثانية". عَدّلتُ السيناريو وبقيتُ واقفاً إلى الأبدِ.

لو أنّ والدي قررَ في تلك الليلة أن يشاهدَ التلفازَ لربع ساعة، أو تأخّرتْ أمّي في صنع القهوة ونسيتها على النّار جرّاء التهائها بتقشير الليل عن فاكهة تضيءُ على عامود البلديّة، ولو أنّ الأرضَ تَوقّفتْ تُدَوِّخُ القهوةَ، كلّما توقّفت الملعقةُ عن تحريكها تبدأُ بالفورانِ، كانت أُمّي ستلتهي بمسحِ القهوة عن الغازِ...

لكنْ، لسوءِ الحظّ، ظلَّ كلّ شيء يدورُ، إلى أن مسحت أمي الغازَ عن القهوة.

في تلك الليلة كانت جرّة الغاز فارغة،

ولم ينوجد قهوة في البيت إذ إنّ جارتنا توفّيت إثر ولادتها، وبعد ذلك انتحرت بعد موتها من الطابق الثالث ولم يتبقَّ شيء من القهوة عندنا.

"الجوّ ملائمٌ للموت"، يقول أبي وأمي،

أقول: "هكذا ولدتُ، ميتاً،

ونتيجة اصطدام الموت بالموت، سأحيا.

***************************

بيت يطرق الباب

عندي فندق مؤلّف من موظّف بلا عمل، وغرفة واحدة بلا شبابيك، وينقصهُ سقف.

عندي فندق بلا فندق، وقد اشتريتُ له جداراً جديداً وعلّقتُه على لوحة.

لديّ سماء عرَضتُها للبيع في أحد مزادات بيع القنابل عندما أتيتُ متأخّراً وقرأتُ لافتة معلّقة على الكلمات: "القنابل تحمل الطائرات، وتُسقِطُها، طائرةً طائرةً، فوقَ كلمةِ "فوق".

ببطء ركضتُ مستعجلاً، طرقتُ باب القاعة، سألني القائمُ على المزادِ: "مَن أنت؟"،

قلتُ : سيّدُ نفسي، وإذا أردتَ نادِني بالسيّد لا أحد،

لديّ سماء وبعضٌ من مسافة الإحتكاك بين القنابل والأرض للبيع،

قال: أدخلْ إلى الخارج وابدأْ بمناقشة السّعر،

قلتُ: لا يهمّ.

رفعتُ قدمي، علّقتُ الورقة عليها (كنتُ قد كتبتُ فيها السّعر: صفر).

الجميعُ رفعَ إصبعه إلّا سيّدة عمياء تملك عكّازاً تشير نحوي، رفعتْ رجلَها،

وصرختْ: أنا أشتري، أنا أنا أنا أناااااااا.

كانتْ لا تملكُ المال الكافي، دفعتُ نصف المبلغ الذي هو صفر، ثمّ ردَدْتُ لها المال وأخذتُ عكّازها عوضاً عن ذلك، بعدها قايضتُ العكّاز بسقف ومضيتُ عائداً إلى ذهابي المستمرّ نحو قدمي.

قدمي بيتي، عليّ قطعُ مسافة بعيدة جدّاً للوصول إليها: حوالي ميلمتر واحد، وقذيفة، ولغم، وأنتِ.

أُشعِل التلفاز، أُطفِئ ذبابة.

هناك مشهد في غرفة النوم لعاشقيْن يقبّلان بعضهما وهما يخلعان أوّل لباسهما، حتّى يأتي الحدث المثير أكثر: دعاية لكلب طائر ينكح وطواطاً. ربّما سرقتُ عينيّ من الدعاية وتركتُهما مفتوحتيْن على أشياء مغلقة إلى الأبد.

لي قلب بخمسة ثقوب ورصاصة في منتصفه،

يمكنكم أن تلعبوا فيه الروليت الروسيّة،

هكذا الأرض تفعل بالجميع

الأرض قلبي،

الجبل يتسلّق الحبل

والحبل يتسلّق يديّ،

لا أعلم من أيّ واد أصمّ سرقتُ صوتي، وشوّهتُ صورة الماء حين فسّرتُ صعوده نحو مخيّلتي،

قائلاً: كلّ مَن شرب الماء ميت، وكلّ من مشى عليه غرق الماء فيه.

أقشّر سكّيناً وأنتظر أن تذوب الفاكهة حين يسيل الحديد منها،

مَن سوف يدري بوجع الصّخرة اذا تفتحت فيها قطرة الماء؟

ومَن سيُعيد البيت إلى بيته والبحر إلى الصّدَفة الصّغيرة؟

ومَن يُعيد كلمة إلى "يُعيد"؟

مَن سيحمل كلمة عنّي"؟

لَكَمْ مشيتُ عنّي

مشيتُ إلى كلمة "إلى"،

ومشيتُ، إيهههه، مشيييتتتُ، كنتُ جالساً حين مشيتُ،

ولَكَمْ وقفتُ وأحصيتُ الرقم واحد.

رأيتُ عجقة إشارات السير تنظّمها سيّارة بضوء أخضر مكسور،

كان هناك مظاهرة لدواليب احتجاجاً على طريق تمشي عليها، بشكل مثلّث أزرق، تحترق،

وزّعتُ الشتائم:

شتيمة زرقاء،

شتيمة خضراء،

وواحدة بلا لون للدولة وللحياة.

ابتلعتُ الضّوء الأحمر ومضيتُ.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم