السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

"ماتريوشكا" فدوى الزياني: أيّتها العيونُ المطفأةُ، يا تعاسَاتي المُختلفة

المصدر: "منشورات المتوسط"
"ماتريوشكا" فدوى الزياني: أيّتها العيونُ المطفأةُ، يا تعاسَاتي المُختلفة
"ماتريوشكا" فدوى الزياني: أيّتها العيونُ المطفأةُ، يا تعاسَاتي المُختلفة
A+ A-

صدرت حديثاً عن منشورات المتوسط – إيطاليا، مجموعة شعرية جديدة للشاعرة المغربية فدوى الزياني، بعنوان "ماتريوشكا". قصائدُ الزياني في هذا الكتاب، لا تُشبه الدُّمية الروسية فحسب، واحدة داخلَ أخرى وهكذا؛ إنَّما تنفلتُ بقسوةٍ من قبضة الوحدة، ذلك الألمُ الذي لا يتشَبَّه، ولا يمكنُ مداراته بين صمتٍ وصخب، بين غيابٍ وحضور، بين لحظةِ حبّ ولحظةِ نكران، وبين البين ابتساماتٌ مُقفلة، وعيونٌ مقفلة، وتعاساتٌ تُحصى بجديّة، كما نقرأ في قصيدة عنوان الكتاب:


لليلةٍ واحدةٍ فقط

أريدُ أن أكونَ جادّةً مع الوحدة

جادّةً مثلَ أزمةٍ قلبية

صارمةً مثلَ صانعِ ألعابٍ روسيّ

ومثلَ قاتلٍ متسلسلٍ مريضٍ بالفُصَام

أُفاجِئ زهوَها بالحياة

أُغطّي وجهَها المذهولَ بوسادة

أسمعُ خُوَارَها الأخيرَ في قَعْر اللعبة

وأخرجُ لأشباهي أُخبرُهم

أيّها الوجهُ الكئيبُ المزخرف،

أيّتها العيونُ المطفأةُ، يا تعاسَاتي المُختلفة

لقد أصبحْنا وحيدين الآن

وحيدين للغاية.


في قصائد فدوى الزياني مزجٌ واعٍ بين أشياء عادية يوميّة، وأساطير وحكاياتٍ تاريخية، تلتقطُ الشاعرة مشهداً مفصلياً منها، أو محاكاة تفتحُ القصيدة على أكثر من جهة. وهي في طريقها لتكتب تاريخها وشعريتها الخاصة، تحضرُ الحروب، كما المعارك الصغيرة الحميمة، يحضرُ اللاجئون والنازحون والموتى والأنبياء الجدد، تحضرُ القصائدُ الطويلة بحجم المسافات التي تقطعها الأقدام الحافية، والأجساد العارية، والقلوب المكسورة، يحضر ربُّ المسافات الطويلة، وتحضر الوحدة مكثَّفة طاغية وثقيلة كقفل صدئ في باب قلعةٍ قديمة.

في قصيدة "في المرَّة القادمة" نقرأ لفدوى:


الكلماتُ عمّالٌ متعبون

الكلماتُ أجنحةٌ للموتى الأطفال

الكلماتُ أرواحُ أُمّي التي لا تُرَى

الكلماتُ شِعْرٌ فارغُ الذرائع

والفكرةُ الخائفةُ حين تُسقِطُنا

تخرجُ بنا إلى الوجودِ أجنّةً ناقصة.


تمنحُ فدوى الزياني، الكثيرَ من نفسها للشِّعر، لقصائد لو رُسمت لكانت بورتريهات متعدِّدَة لشخصِ الشاعرة، لذكرياتها وهواجسها التي تبدأ من سيجارة واحدة قد لا تكفي لإسقاط سقف الوحدة، ولا تنتهي بمآسي الحروب والتشرُّد والضياع بين القتل والدماء وأنانية إنسان هذا العصر. نقرأ ونرى فدوى طفلةً وامرأة ناضجة وعاشقة مجنونة ومحاربة متمرّسة، وبدل أن تكون فراشة تؤثر الحلزون، كما جاء في عتبة الكتاب، لا لشيء سوى لتترك في الطريق، طريقِ الشعر، قصيدتها اللامعة:


الحلازينُ أكثر استجابة للشِّعْر وحكمتِه

لتكونَ شاعراً يحتاجُ الأمرُ سُكونَ حلزونٍ صغيرٍ يتشبّثُ بالعشب

مثلَ رضيعٍ على صدرِ أُمِّهِ، قَرْناكَ واحدٌ إلى الجنوب والآخرٌ إلى

الشمال

لتسمعَ حكمةَ الشجرِ من بطونِها، ظَهرُكَ أملسُ كأنما صَنعتَ

سفينة

من الضوءِ والغيمِ والندى وحمّلتَها نبيَّاً يحمل عبءَ الكونِ وحدَه..

قلبُكَ على الطينِ يخفقُ متى تنهَّدَتِ الأرض

مغموراً في الطّلّ حتى منتهى الوداعة

ساكناً في الصمتِ حتّى منتهى الخيال.

وفي وسطِ كلِّ هذه المشاهد ودونَ أيّ جهدٍ يُذكَر

تمضي ولا تمضي...

وحيثما مضيتَ تتركُ على العشب دبيبَكَ الفضّيّ قصيدةً لامعة.

"ماتريوشكا" مجموعة شعرية هي الخامسة الصادرة للشاعرة فدوى الزياني، جاءت في 112صفحة من القطع الوسط، ضمن سلسلة "براءات" لسنة 2019، التي تصدرها الدار.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم