السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

انتقاد أخطاء السعودية لا يعني عدم الإطراء على إصلاحاتها

فيصل ج. عباس- رئيس تحرير عرب نيوز
انتقاد أخطاء السعودية لا يعني عدم الإطراء على إصلاحاتها
انتقاد أخطاء السعودية لا يعني عدم الإطراء على إصلاحاتها
A+ A-

في 13 كانون الثاني، نشرت صحيفة "عرب نيوز" السعودية مقالًا كتبَه مدرّب كرة القدم الأميركي الشهير "جاي باتيرنو" تحدّث من خلاله عن رأيه في زيارته الأخيرة إلى المملكة. وقد كان عنوان هذا المقال "زيارتي غيّرت كل أفكاري المسبقة". وفِي الواقع، فقد أصبحنا نسمع هذه الجملة كثيراً من قبل الذين يزورون المملكة لأول مرة. وأعطى رئيس رابطة الدوري الإيطالي غايتانو ميتشيكيه تعليقات مماثلة لـ"عرب نيوز" قبل أيام قليلة، حين لعب نادي "آي سي ميلان" الإيطالي ضدّ يوفنتوس في جدّة في كأس السوبر الإيطالي.

ومنذ عام 2016، فتحت المملكة أبوابَها أمام المزيد من السياح بهدف تنويع اقتصادها بعيداً عن النفط، ضمن رؤية المملكة 2030 الطموحة، وتقوم حاليًا بتجربة جديدة وهي استضافة فعاليات رياضية وترفيهية دولية على نطاق واسع لأول مرة.

وقام باتيرنو بزيارة السعودية في كانون الأوّل الماضي، وحضر أول سباق للفورمولا إي في المملكة، في موقع الدرعيه التاريخي. وشكلت إستضافة الحدث ونجاحه مفاجأة سارّة، ليس فقط لباتيرنو بل أيضًا للسعوديين الذين شهدوا في السنوات الثلاث الماضية تغيّرات لم تشهدها المملكة من قبل مثل الحد من سلطات هيئة الأمر بالمعروف ورفع الحظر المفروض على قيادة النساء وإعادة افتتاح دور السينما، وهذه ليست سوى بعض الأمثلة عن التغيّرات الكثيرة الحاصلة في المملكة.

وفي الواقع، لم يتخيّل باتيرنو أو أي من السعوديين (بمن فيهم أنا) أبداً رؤية نجومٍ مثل إنريكي إغليسياس أو ديفيد غيتا أو بلاك آيد بيز يحيون حفلات في المملكة العربية السعودية– ولكن هذا هو بالضبط ما حدث (للمرة الأولى أيضًا!) خلال حدث الفورمولا إي.

كان هناك شباب يهتفون بحماسة لأبطال السباق، وهم يحاولون يائسين التقاط صور شخصية لنجوم البوب العالميين بحضور آلاف الرجال والنساء الذين كانوا يرقصون طوال الليل. نعم، حصلَ هذا في المملكة العربية السعودية لكنه كان يمكن أن يكون في أي مكان آخر في العالم.

وعلى الأرجح، دفعت هذه المشاهد بباتيرنو ليقول في مقاله بأن هناك الكثير من القواسم المشتركة بين السعوديين والأميركيين. ومع ذلك، بدا أن آراء باتيرنو قد تحولت بطريقة ما إلى مباراة كرة قدم سياسية في مسقط رأسه في ولاية بنسلفانيا.

وطوال الأسبوع الماضي، تابعت بعض التعليقات العنصرية والبغيضة والتي تنم عن جهل، والتي أدلى بها بعض الصحافيين والمدونين والمعلقين الأميركيين المحترمين، تجاه رأي باتيرنو بالمملكة.

وكان ذلك مشابها إلى حد كبير بالانتقادات التي طالت السوبرانو اللبنانية العظيمة ماجدة الرومي، بعد إحيائها حفلاً موسيقياً خلال مهرجان "شتاء طنطورة" الثقافي أخيراً.

ومن الملاحظ أن الاحتراف والاحترام لا يطبّقان عند الكتابة عن المملكة العربية السعودية– إذ أنّ أي مدح، حتى ولو كان مبرراً، يتم انتقاده. في حين أن أي نقد، حتى ولو كان غير مبرر، يتم مدحه لكن ماذا كان يفترض بباتيرنو أن يفعل؟ هل كان عليه أن يكذب لتتماشى الصورة التي تكلم عنها مع صورة السعوديين النمطية السلبية؟ أم أنه كان من المفترض به أن يحوّل مقال حول السياحة إلى مقال جيوسياسي يقيّم فيه العلاقات الأميركية-السعودية؟

أقول هذا لأن بعض منتقديه أزعجهم أنه اوحى أن السعوديين والأميركيين متشابهون (بالطبع ، سيكون من الصعب إقناع بعض الأميركيين بذلك إذا ما كانوا لا يزالون يعتقدون أنّ السعوديين ما زالوا يركبون الجمال ويطيرون بالبساط السحري). ويعتقد آخرون– ربما لم يزوروا السعودية على الإطلاق– أن مقاله كان "غريباً" مشيرين إلى أن تصويره الإيجابي لتجربته كان في الواقع عملاً من أعمال الترويج للبلد وأن فعلته تملي عليه تفسيراً.

بالطبع، وجدت كل هذا النقد غير المبرر مزعجًا ولكنني لا أستطيع أن أقول إنه فاجأني فوفقاً لاستطلاع حديث أجرته عرب نيوز مع يو غوف "YouGov"، إن 81% من الأميركيين لا يعرفون أين يقع العالم العربي على خريطة العالم. اعتقد آخرون كثر أن سلطنة عقرباء Agrabah الخيالية (من قصة "علاء الدين" الكلاسيكية لديزني) كانت دولة حقيقية وأيّدوا حظر سفر الولايات المتحدة على مواطنيها – وبعبارة أخرى، لا يمكن توقّع الكثير من الأشخاص العاديين.

إلا أن النقد لم يأتِ من أشخاصٍ عاديين في أميركا بل من قبل إعلاميين يفترض انهم مهنيون، وهو أمر محزن للغاية.

على أي حال، أنا لا أقول أنه لا يجوز إنتقاد المملكة أو أن الانتقاد غير مبرر في كثير من الحالات. في الواقع، كنّا في "عرب نيوز" من بين أوّل من أدان وانتقد الجريمة الشنيعة التي وقع ضحيتها زميلنا السابق جمال خاشقجي.

وعملنا كثيرًا في الدعوة إلى إلغاء جميع أشكال الوصاية على النساء البالغات، إذ أنها ممارسة تمييزية عدا عليها الزمن.

ومع ذلك، لست هنا للدفاع عن عرب نيوز إذ أن سجلنا يتحدث عنا – ولكن في الوقت نفسه، من الواجب التحذير من عدم الإنصاف وعدم الدقة والنظر إلى المملكة فقط من خلال منظور منتقديها.

فكيف سيشعر الأميركيون إذا تم الحكم على الولايات المتحدة من الطريقة التي يتم بها التعامل مع السكان الأصليين؟ أو من خلال أحداث فظيعة مثل الهجوم النووي على اليابان أو تعذيب العراقيين في أبو غريب؟

من العدل فقط أن يتم تشجيع التقدم والتطور في #المملكة، مثلما يكون من العدل أن تتعرض المملكة للانتقاد عندما ترتكب خطأً ما. بذلك، لا يمكن أن يتعرّض باتيرنو لمضايقات في الولايات المتحدة بسبب آرائه، في حين يتوقع المرء من الناس في بلد مثل أميركا أن يتقبلوا وجهات نظر مختلفة عن وجهات نظرهم.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم