السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

"مشروع النهوض العربي– رؤية وحدوية" لساسين عساف: "لم نقرأ تاريخنا بل قرأوه لنا"

المصدر: "النهار"
عدنان برجي
"مشروع النهوض العربي– رؤية وحدوية" لساسين عساف: "لم نقرأ تاريخنا بل قرأوه لنا"
"مشروع النهوض العربي– رؤية وحدوية" لساسين عساف: "لم نقرأ تاريخنا بل قرأوه لنا"
A+ A-

يُدرك العميد ساسين عسّاف حجم التحديّات التي تواجه النهوض العربي، لكنّه يأبى الاستسلام وهو الممتلئ وطنيّة وعروبة، فتراه مشاركاً فاعلاً ومؤثراً في صياغة المشروع النهضوي العربي بأركانه الستّة "التحرير والوحدة والتنمية والديموقراطيّة والعدالة والتجدّد الحضاري"، ثم مقدِّما لرؤية ثقافيّة لهذا المشروع تحدّد الإشكاليّات والإرهاصات والآفاق.

ولا يملّ، بل انه يقدّم من جديد رؤيةً وحدويّة في زمن يعتقد فيه البعض، بل الكثير، أنّ الحديث عن وحدة وطنيّة شعبيّة داخل أي قُطر عربي أصبح مجازفة، في ظل التيّارات المتعصبّة طائفيّا ومذهبيّا وإثنيّا، فكيف بالحديث عن وحدة بين دول عربيّة ترتفع بينها أسوار القطريّة والتنابذ؟ وهو ما يُدركه جيّداً وعميقاً العميد الدكتور عسّاف في كتابه الجديد: "مشروع النهوض العربي – رؤية وحدويّة".

فما إن تفتح الكتاب على الصفحة الأولى – السطر الأول، حتى تجد الإشكاليّة الكبرى وهي أن "الأمّة العربيّة أمّة موحّدة في معنويّاتها ومجزّأة في ماديّاتها"، فكيف السبيل لتحويل ديناميّات الوحدة المعنويّة الى ديناميّات مادّية، والحد في الوقت عينه من ديناميّات التجزئة الماديّة؟

هذا ما يحاول الكاتب الإجابة عنه في سبعة فصول وتأمّلين في قضيّة الوحدة.

فمنطلق العمل للوحدة هو "تحرير العقل العربي، المُعطّل والأسير لأسباب كثيرة ربما أبرزها "أننا لم نقرأ تاريخنا بل قرأوه لنا". ويجزم الكاتب أنّه متى بدأ هذا العقل بالتحرّر والعمل وفق منطق" العلم والتكنولوجيا والحق والقانون"، فإنّ "معوّقات الوحدة العصبيّة منها والغيبيّة تتلاشى" .

من هنا، يأتي طلبه الى الشباب العربي أن يعيد قراءة التاريخ العربي "بوعي وصفاء وعبرة ومصالحة"، وعلى قاعدة أن العروبة انتماء لهويّة وليست انتساباً لأنظمة او لأحزاب او لأشخاص، وأنّ لها إسهاماً نوعياً في بناء الحضارة الكونيّة، وأن "الاستسلام لإرادة الاحتلال الأميركي- الصهيوني مرفوض"، فنحن "شعب يقاوم" و"قيمنا العربيّة هي عصب المقاومة، وكل قيمة من قيمنا هي سلاح مواجهة".

وعليه، فلا بدّ من أن يرتقي "العرب الى مستوى الفهم للسياسة الأميركية وأطماعها في منطقتنا"، وأن "الحروب القديم منها والراهن هي حروب على المستقبل العربي وعلى السيادة القومية وعلى فكرة حدود الدولة والأمّة والهويّة".

وإذ يؤكد أنّ أميركا ليست القضاء والقدر، فإنه يدعو العرب إلى" أن يُدركوا مَن هو عدّوهم الأصلي" وأن يتمسّكوا بحبل المقاومة التي هي "حق من حقوق الإنسان والأمم والشعوب، كفلته الأعراف والمواثيق الدوليّة".

وفي معرض ردّه على المشكّكين بالوحدة العربيّة مستقبلاً، بعد فشل الوحدة المصريّة السوريّة في اواسط خمسينيّات القرن العشرين، فإنه يؤكد "ان فشل الوحدة العربيّة من حيث هي صيغة سياسيّة قابلة للنجاح وللفشل، لا يعني أبداً انتفاء القوميّة العربيّة من حيث هي حقيقة تاريخيّة وايديولوجيّة ثابتة"، فضلا عن "أنّ الوحدة العربيّة هي مشروع حضاري للمستقبل لا تمتلك الأمّة العربيّة سواه".

وهو يفرد فصلاً خاصاً للحديث عن الإتحاد العربي وفق صيغة التكامل بين القطري والقومي. فيؤكّد أن الاتحاد العربي هو ضرورة واقعيّة تعود لأسباب ذاتيّة وأخرى موضوعيّة وجميع هذه الأسباب مرتبط بتحديّات المستقبل العربي في التحرير والوحدة والتنمية والديموقراطية والعدالة والتجدّد الحضاري. كما أنّه يحدّد الدور العتيد لهذا الاتحاد، "القريب جدّا من صيغة الإتحاد الأوروبي والإتحاد الإفريقي والمترجمة فعلاً في المجالات الاقتصادية والأمنيّة والسياسيّة والثقافيّة".

هذه الصيغة الاتحادية هي "الصيغة الوحيدة القادرة على مواجهة مشاريع الشرق الأوسط الكبير أو الجديد أو أي شرق آخر صهيوني/ أميركي".

وهذه الصيغة تتطلّب مجموعة إجرءات إصلاحيّة تقوم على قواعد "الديموقراطيّة والحريّة وحقوق الإنسان والعدالة والتنمية"، كما انها تستدعي الانتقال من المضمون الإيديولوجي للوحدة إلى المضمون الاقتصادي كأولويّة في زمن التكتلات الاقتصاديّة الكبرى. كما أنها تستدعي أيضا الانتقال من مفهوم الأمن القطري الى مفهوم الأمن القومي وفق استراتيجيّة قوامها "قوات عربيّة منتظمة في جيش عربي واحد ترتبط قيادته بمجلس دفاع تابع للاتحاد ومسؤول عن تحرير الأرض وحماية الأمن القومي".

ولا يغفل عسّاف المضمون السياسي للإتحاد حيث يجب "الإنتقال من سلطة الإستبداد الى الدولة الحديثة، دولة المؤسّسات والممارسات الديمقراطيّة واحترام الحريّات وحقوق الإنسان.. والقضاء العادل.. دولة المجتمع المتعدّد سياسيّا وثقافيّا حيث لا هيمنات فئويّة ولا هويّات أقلويّة مقموعة".

وفي هذا الفصل الذي نتوقف عنده لأهميته، ولأنه يلتقي تماما مع قناعات عروبيين وحدويين كثر بتكامل الوطنيّة مع القوميّة، يؤكد الكاتب انّ "الوحدة التكامليّة هي نقيض الوحدة البسماركيّة، وهي تضع حدّا للنزاع حول الزعامة العربيّة، فضلاً عن أنّها تخفّف بل تزيل العصبيّات القطريّة لأنها تحترم الخصوصيّات الوطنيّة وتمنع تحويل القطريّات الى قوميّات، فالإنتماء والهويّة هما للأمّة العربيّة من حيث هي واقع تاريخي / ثقافي وحضاري، وللوطن العربي من حيث هو واقع جغرافي سياسي".

وفي أجواء المتغيرّات في الوطن العربي ومؤشرّات اعادة تشكيل هذا الوطن وتداعياتها على الوحدة العربيّة، و"المرونة التي يتّبعها الإسلام السياسي في تعامله مع الغرب عموما والولايات المتحدّة خصوصاً، يطرح عسّاف سؤالا على هذا الإسلام السياسي الذي يقدّم نفسه كأنّه "الإسلام الوحيد والمحدِّد المرجعي والمعياري لمن هو مسلم ومن هو غير مسلم"، هل يؤمن بالعروبة كهويّة جامعة للشعوب المنتشرة على امتداد جغرافيّة الوطن العربي، مشرقه ومغربه؟ وما يدفعه الى هذا السؤال هو أنّه اثناء الحراك في الساحات العربيّة اسقطت برامج وشعارات هذا الإسلام السياسي، صفة العروبة كهويّة جامعة، وركزّت على الهويّات القطريّة والمحليّة"، فضلا عمّا نُقل عن لسان راشد الغنوشي في 30/11/2011 في "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى" من... "أن النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي لا يعنيه، لأنّه شأن الفلسطينيّين والإسرائيليّين، وأن حزبه حزب النهضة لم يضع في برنامجه الانتخابي شيئاً يمنع امكان نشوء علاقة مع اسرائيل"، وأيضا ما قاله مفكّر الجماعة الإسلاميّة في مصر الدكتور ناجح ابرهيم من أن "الاسلام لا يمنع الصلح مع اسرائيل"، ناهيك بـ"الحلف الإستراتيجي التركي الإسرائيلي الذي يضرب في شمال العراق ويهدّد سوريا، بغية إخضاعها مرّتين، مرّة لشروط تركيا المائيّة ومرّة لشروط السلم الإسرائيلي".

وأمام ما تعانيه الأمّة من وهن نتيجة الحروب عليها وفيها، ونتيجة الحصار والإحتلال والهيمنة ونهب الثروات فإنّه يدعو إلى السلام بين العرب والعرب وإلى انهاء حروبهم وحروب الآخرين عليهم في سوريا والعراق واليمن وليبيا. ويقول بحسرة: "إذا لم يكن لهم دور في بناء نظام إقليمي متوازن فلتكن لهم النيّة او الإرادة على الأقل لبناء نظام عربيّ جديد يحمي ثرواتهم الوطنيّة والقوميّة ويُصفّي حروبهم القبليّة والمذهبيّة والعرقيّة".

الكتاب مليء بالأفكار الجريئة والطروح العلميّة، وهو زادٌ لكل باحث قومي، ولكل حزب أو تنظيم يسعى إلى بناء كوادره، لأنه يجيب على المشكّكين بالعروبة وبالوحدة وبقدرة الأمة على النهوض، فضلاً عن أنّه يوفر منهجا للعمل العربي المستقبلي هو خلاصة حوارات ونقاشات وكتابات وقراءات وتجربة طويلة في العمل القومي التكاملي.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم