الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

الراعي في عيد الغطاس: لا مَخرج من نفق الحصص إلا بحكومة مصغّرة حيادية

الراعي في عيد الغطاس: لا مَخرج من نفق الحصص إلا بحكومة مصغّرة حيادية
الراعي في عيد الغطاس: لا مَخرج من نفق الحصص إلا بحكومة مصغّرة حيادية
A+ A-

ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس #الراعي قداس عيد الغطاس ويوم السلام العالمي في كنيسة السيدة في الصرح البطريركي في بكركي، عاونه فيه المطرانان سمير مظلوم وشكر الله نبيل الحاج ولفيف من الكهنة، في حضور وزير الطاقة والمياه في حكومة تصريف الأعمال سيزار ابي خليل ممثلا رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، النائب زياد الحواط ممثلا رئيس المجلس النيابي نبيه برّي، الدكتور داود الصايغ ممثلا رئيس الحكومة سعد الحريري، النائب ميشال موسى، النائبين السابقين غسان مخيبر وانطوان حداد، قائمقمام المتن مارلين حداد، قائمقام كسروان الفتوح جوزف منصور، أصدقاء المدرسة الرسمية في المتن، اللجنة الأسقفية "عدالة وسلام"، مكتب راعوية المرأة في الدائرة البطريركية، قدامى اكليريكية غزير ورئيس الإتحاد العمالي العام بشارة الأسمر.

بعد مباركة الماء، القى البطريرك الراعي عظة بعنوان "لما اعتمد يسوع وكان يصلي انفتحت السماء"، تحدّث خلالها عن "مفهوم السياسة الصالحة"، وقال: "هي التي تقدم السلام الى كل شخص وعائلة وجماعة ووطن، والى أرضنا التي يسميها البابا فرنسيس بيتنا المشترك، والتي أسكننا الله عليها ويدعونا لنعتني بها. هذا السلام قدمه المسيح للعالم، ويشكل لب رسالة تلاميذه، فلما أرسلهم قال: حيثما كنتم، قولوا السلام لهذا البيت (لو 10:5). من هذا المنطلق حدد الرب يسوع السياسة بأنها خدمة متفانية (لو 9: 35)، لتأمين خير الشخص والجماعة، بحيث تحميهم وتوفر لهم الأوضاع الكفيلة بمستقبلهم اللائق والعادل، سواء كانوا في البيت، أم العائلة أم المجتمع، أم الكنيسة أم الدولة. إن لم تكن السياسة كذلك تصبح أداة ظلم وإقصاء بل وهدم". 

وتابع: "عندما تمارس السياسة الصالحة يتصف العمل السياسي بالعدالة والإنصاف والاحترام المتبادل والإخلاص والصدق والأمانة. ويتحلى رجل السياسة بالصفات الحميدة التي تجمل عمله ونشاطه ومسؤوليته، من مثل: الضمير المدرك للمسؤولية؛ العمل الدؤوب من أجل الخير العام، لا من أجل المصلحة الخاصة؛ السعي بجدية الى تحقيق تغيير جذري في الممارسة والإدارة من أجل الخير العام الأفضل؛ الشجاعة في الدفاع عن الحقيقة والعدل؛ حسن سماع حاجات المواطنين والعمل على تلبيتها؛ أخيرا لا آخرا احترام حقوق المواطنين الأساسية وتعزيزها، مع ما يقابلها من واجبات".

وأضاف: "إذا القينا نظرة إلى واقعنا اللبناني، وإلى كيفية ممارسة السياسة عندنا، في ما آلت اليه اليوم، لرأيناها بعيدة كل البعد عن مفهوم السياسة الصالحة. فكيف يمكن قبولها عندما تكون وسيلة للاغتناء غير الشرعي ولتأمين المصالح الخاصة والفئوية والمذهبية والحزبية، على حساب الصالح العام؟ كيف يمكن القبول بتعطيل تأليف الحكومة بعد ثمانية أشهر من أجل مصالح النافذين ومن معهم ومن وراءهم، غير آبهين بالخراب الاقتصادي والخطر المالي المتفاقم، وبالشعب المتضور جوعا، والعائلات التي تتفكك، وبالبطالة المحطمة للقدرات الشبابية؟ كيف يغمضون عيونهم ويصمون آذانهم عن أنين هذا الشعب ومطالباته في تظاهرات وإضرابات، نحن نؤيدها تماما لأنها محقة وعادلة؟ لقد سئم الشعب والرأي العام كل ذلك! وعندما نسمعهم كل يوم يتكلمون عن حصص من أجل تأليف حكومة، لسنا ندري متى تأتي، تشعر كأنك أمام مشهد جثة وطن يتناتشها المنقضون عليها، ويسمون ذلك وحدة وطنية".

وتابع: "اننا لا نرى مخرجا من نفق الحصص بين السياسيين إلا بحكومة مصغرة حيادية من ذوي اختصاص معروفين بصيتهم العاطر وتجردهم وحسهم الوطني ومفهومهم السليم للعمل السياسي. تعمل على تنفيذ الإصلاحات الضرورية والمطلوبة دوليا، وتوظف الأموال الموعودة في مؤتمر سيدر، وتخلص البلاد من الخطر المتفاقم. ولتجلس الكتل السياسية حول طاولة الحوار أو الكتل النيابية في المجلس النيابي للتفاهم على جميع المواضيع الخلافية، بدءا بما سمي بمعايير أو أعراف، لى ضوء الدستور والميثاق الوطني ووثيقة الوفاق الوطني. فقبل أن تغرق السفينة بنا كلنا، ينبغي أن يقتنع الجميع بوجوب تسيير شؤون الدولة أولا، والتخلي عن المصالح الخاصة، السياسية والمذهبية والحزبية. فلا يحق لأحد أو لفئة أخذ البلاد، بشعبها وكيانها ومؤسساتها، رهينة لمصالح تعطل خير الأمة. بعد التفاهم على النقاط الخلافية، يصار إلى تأليف حكومة عادية وفقا للدستور والميثاق الوطني".

كما تحدّث عن "العيوب المشوِهة للسياسة"، وقال: "إن العيوب التي تفقدالسياسة صلاحها وصدقيتها وهيبتها في قراراتها وأعمالها، إنما هي عيوب في السياسيين، من مثل: الفساد، بمختلف أشكاله، والاغتناء غير المشروع، والسعي إلى المصالح الشخصية فقط، والاحتفاظ بالسلطة بكل السبل، والتمييز العنصري، والخوف من الآخر المختلف، واللاثقة، والانغلاق على الذات وعلى الحزب والمذهب. هذه كلها تقضي على الأخوة التي يحتاجها عالمنا ونحن في زمن العولمة. ما يعني أن أكثر ما تحتاج إليه مجتمعاتنا هو صانعو سلام كرسل وشهود أصيلين لله الآب الذي يريد الخير والسعادة لكل العائلة البشرية".

وتابع: "بنتيجة هذه العيوب، يكون مستقبل الشبيبة مظلما ومقلقا، وتولد فيهم اللاثقة بالمسؤولين السياسيين وبالوطن، حيث محكوم عليهم أن يعيشوا على هامش الحياةالعامة، ومن دون إمكان المشاركة في مشروع بناء المستقبل، بما لهم من مواهب وقدرات. في هذه الحال، لن يعيش الشباب في سلام ولن يتذوقوا طعمه، لأنهم لا يجدون قلبا يحب، وعقلا يفكر ويخطط، ويدا تمتد لتعضد وتنهض. فهذه الثلاثة تولد السلام. من أخطار العيوب المشوِهة للسياسة، استراتيجية الحرب والتخويف، التي يعززها انتشار الأسلحة المنافية للأخلاقية، والمولدة للرعب في أشخاص سريعي العطب. وتجدر الإشارة إلى أن طفلا من أصل ستة هو ضحية عنف الحرب ونتائجها". 

وفي عظته، تناول "مشروع سلام كبير"، وقال: "السلام هو ثمرة مشروع سياسي كبير يتأسس على المسؤولية المشتركة وعلى الترابط بين البشر. وهو رهان يتطلب قبولا يوما بعد يوم. السلام هو ارتداد القلب والروح، وله ثلاثة أبعاد:

أ- السلام مع الذات أي العذوبة ورفض التشدد والغضب ونفاذ الصبر.

ب- السلام مع الآخر أكان ابن البيت أم غريبا أم فقيرا أم متألما فيجب لقاؤه وسماع ما يحمل من رسالة في داخله.

ج- السلام مع الخلق باكتشاف عظمة عطية الله، ووعي مسؤولية كل واحد منا كساكن في العالم ومواطن وصانع سلام (الفقرة 7). فلا يحق استغلال موارد الطبيعة بشكل عشوائي بهدف الربح السريع".

وختم: "سياسة السلام تستوحي نشيد العذراء مريم، أم المسيح المخلص، وملكة السلام، التي ترفعه باسم البشرية جمعاء: "تعظم نفسي الرب. فرحمته من جيلٍ إلى جيلٍ للذين يتقونه. أظهر شدة ساعده: فبدد المتكبرين بأفكار قلوبهم. حط المقتدرين عن عروشهم، ورفع المتواضعين. أشبع الجياع من خيراته، وصرف الأغنياء فارغين؛ عضد شعبه، وتذكر رحمته" (لو1: 46، 50-54).

بهذا النشيد نرفع صلاة الشكر والتسبيح لإله السلام، الثالوث القدوس، الآب والإبن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين".

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم